نساء ليبيا يهربن بحثًا عن الحياة.. حكايا لجوء من قلب الجذور

شبكة مراسلين
بقلم : سلمى مسعود عداس
صحفية وكاتبة ليبية، مهتمة بالقضايا الإنسانية والحقوقية
حين يصبح الهروب ضرورة
حين يتمزق الوطن من الداخل، تصبح هجرة النساء الليبيات هروبًا من جحيم الضرورة، لا نزهة نحو المجهول. نساء يركبن البحر مع أطفالهن، أو يعبرن الحدود خفية، يطاردهن المرض والخوف والفقد. والصمت الحكومي حول قصصهن، بل وإنكارها، يجعل صوتهن يغرق في بحر التجاهل، بينما تزداد الندوب في جسد الوطن.
أرقام صادمة: إحصائيات 2024
في عام 2024، أظهرت بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن:
- أكثر من 20,000 مهاجر ولاجئ حاولوا عبور المتوسط من ليبيا.
- من بينهم 7,414 طالب لجوء بحاجة لحماية دولية (مقارنة بـ5,170 في 2023).
- العدد الكلي لمحاولات العبور بحراً في نفس الموسم تجاوز 67,137 شخصًا.
- المسجلون رسميًا لدى UNHCR في ليبيا: 59,242 شخصًا (حتى فبراير 2024)، 40% منهم نساء وفتيات.
ورغم هذه الأرقام، لا تنشر الحكومة الليبية بيانات دقيقة عن عدد الليبيات طالبات اللجوء، خاصة لأسباب صحية، اجتماعية، أو عرقية. وهذا الغياب متعمد، إذ يكشف فشل الدولة في تأمين حياة كريمة لمواطناتها.
أم سوهان: لا ترند… بل استغاثة أمّ
ظهرت سوهان، الطفلة المريضة بالتليف الكيسي، في فيديو مؤلم على متن قارب هجرة في عرض البحر إلى إيطاليا، عام 2025، برفقة أمها وأبيها وأشقائها الأربعة.
لكن بدل التضامن، تحولت المأساة إلى “ترند”، وتسابقت الصفحات في النشر الساخر والمشكك.
تقول والدتها:
“أنا أمها، ما هاجرتش شهر عسل… هاجرت وقلبي محروق، بعد ما انسدت كل الطرق في وجهي، من غير دواء، من غير أمل. خرجت من ليبيا لأن كل أبواب الحياة أُغلقت أمامنا.”
مشهد مؤلم يكشف أن هجرة الليبيات أحيانًا خطوة قسرية للحفاظ على حياة الأبناء، وليس خيارًا ترفيهيًا أو اقتصاديًا.
شهادة من “الرقم الإداري”: الهروب من لا شيء
تقول أم من فئة البدون (الرقم الإداري):
“هربتُ أنا وزوجي لنبحث عن وطن يحتضننا، حيث نعيش حياة بأوراق ثبوتية. ضاع مستقبلي الدراسي بسبب وضعي الإداري، ورفض ليبيا الاعتراف بي كمواطنة، ولن أسمح بأن يضيع مستقبل أطفالي أيضًا.”
بعد رحلة لجوء شاقة، أُعيد توطين الأسرة في بلد أوروبي حيث حصلوا على:
- وثائق قانونية.
- تعليم مجاني.
- تغطية صحية.
- حق العمل والعيش الكريم.
“حصلنا على الحقوق التي كان من المفترض أن يقدمها لنا بلدنا.”
ع.م: الخروج من الوطن = موت مؤقت
تحكي الليبية ع.م، امرأة أكاديمية ناجحة، هاجرت مع ابنتها بعد تهديدات أمنية وانهيار نفسي، قالت:
“كلتانا غادرنا الوطن نحمل ألمًا لا يُحتمل. أنا كنت أحمل مرضي، وهي تحمل أملي الوحيد.”
- فقدت أخاها في عنف 2013.
- أُصيبت بانفصام الشخصية جراء الحرب والتهجير.
- تلقت علاجًا في تونس ثم أعيد توطينها في أمريكا عام 2024.
“كل ما أريده الآن أن تصبح ابنتي أفضل مني بألف مرة.”
ما خفي أعظم: فساد وصمت وتزييف إعلامي
ليبيا، بلد يبلغ عدد سكانه قرابة 7 مليون نسمة، ويملك احتياطيات نفطية تُعد من الأكبر في إفريقيا، غير قادر على توفير:
- رعاية صحية مناسبة.
- تغطية للدواء النادر.
- حق التعليم والهوية القانونية للمواطنين البدون.
- حماية من التهديدات المسلحة أو التمييز العرقي والقبلي.
ورغم وضوح المعاناة، تقوم الحكومة – عند تداول إحدى هذه القصص على وسائل التواصل – بإصدار بيانات دعائية مزيفة عبر:
- المنصات الافتراضية.
- وسائل إعلام ممولة رسميًا.
- تزعم أنها ستتكفل بعلاج الحالة أو بإيجاد حل خاص، لكنها وعود على الورق، لا تجد ترجمة واقعية.
المواطنون لا يحتاجون بيانات تضامن، بل قوانين تُطبَّق، وحقوق تُعاد، ومآسي لا تتكرر.
الختام:
الليبيات في المنافي… والسلطة تشتري الصمت
قصص النساء الليبيات اللاجئات ليست استثناء، بل عرض لمشكلة بنيوية.
الفقر ليس السبب الأساسي، بل غياب العدالة والهوية والحماية.
اللجوء خيار النساء حين تغلق الدولة كل الأبواب.
إن الصمت الرسمي عن هذه القصص، ورفض تضمينها في البيانات العامة، هو تهرب من المسؤولية وتواطؤ مع الانهيار.
إلى متى تهرب الحكومات الليبية من سؤال: لماذا تهاجر النساء؟
وإلى متى يكون اللجوء هو الطريق الوحيد للبقاء على قيد الكرامة؟