أخبارتقارير و تحقيقات

طربقها يا “بيبي” عمرها يا”عربي”.. رؤية إسرائيل لإعادة إعمار غزة

ترجمة وإعداد أبوبكر إبراهيم أوغلو

من المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب عشرات المليارات من الدولارات، وتتوقع الحكومة الإسرائيلية أن يأتي هذا المبلغ من دول الخليج. ولكن هل مشاركة دول الخليج في إعادة الإعمار مضمونة، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي شروط؟

الملخص التنفيذي

  • الفاتورة ضخمة وغير مضمونة التمويل: تقدّر كلفة الإعمار المدني لعشرات المليارات (تقدير مصري ~53 مليار دولار، مرشح للارتفاع)، والحكومة الإسرائيلية تراهن على تمويل خليجي—رهان مشروط وغير مؤكد.
  • خليج بثلاث مقاربات:
    • السعودية: تربط الإعمار بمسار سياسي أوسع تقوده واشنطن يشمل دولة فلسطينية، وتفضّل إدارة عبر السلطة الفلسطينية/إطار دولي.
    • الإمارات: نشاط إنساني واسع، واستعداد للعمل مع إسرائيل مباشرة، لكن بشرط تغيير جذري سياسي/أمني ونزع سلاح حماس وإصلاح السلطة.
    • قطر: تموضع وسيط/إنساني سريع بلا شروط سياسية مُعلنة، مع حفاظ على نفوذها في غزة، وإن أبدت انفتاحًا على مبادرات لنزع سلاح حماس تحت ضغوط عربية/أميركية.
  • اقتصاد الطاقة يضغط على القرار: انخفاض أسعار النفط يحدّ من شهية التمويل الخارجي (بدرجات متفاوتة بين الرياض/أبوظبي/الدوحة) ويقدّم الأولوية للمشاريع الداخلية.
  • نافذة سياسية زمنية: الاستعداد الخليجي العلني اليوم يهدف للضغط لإنهاء الحرب؛ سيتضاءل بعد توقف القتال ما لم تُقفل ترتيبات “اليوم التالي”.
  • خيارات إسرائيل أربعة—كلّها مكلفة أو مشروطة: (1) قبول مسار سعودي-إماراتي نحو سلطة فلسطينية ضمن إطار دولتين، (2) التعويل على قطر مع تجديد وضع حماس، (3) تحمّل إسرائيل العبء المالي، (4) ترك غزة دون إعادة تأهيل بما يعني فوضى مزمنة وتهديدًا أمنيًا طويل الأمد.

التفاصيل والتحليل
1) حجم الإعمار وطبيعته

  • إعمار متعدد الأبعاد: بنى تحتية وخدمات أساسية ومؤسسات حكم، إلى جانب “إعادة إعمار اجتماعي/أيديولوجي” لتقليص بيئات التطرف—سواء بقي وجود عسكري/مدني لإسرائيل أو انسحبت ضمن ترتيب.
  • تكاليف تشغيلية مستمرة: في سيناريو احتلال كامل، تتحدث الورقة عن كلف سنوية كبيرة لإدارة مدنية—أعباء غير محتملة اقتصاديًا لإسرائيل.

2) الرؤية الإسرائيلية المُعلنة

  • التعويل على الخليج: تصريحات نتنياهو تُظهر توقع قيادة سعودية/إماراتية للإعمار، وبرنامج “مكافحة التطرف” بمشاركة دول عربية “ذات خبرة”.
  • فجوة تنفيذية: لا تجاوب إسرائيلي كافٍ مع مطلب دول الخليج لرسم مخطط واضح لـ“اليوم التالي”، ما يعيق قفل ترتيبات تمويل/حوكمة.

3) السعودية: الإعمار ضمن تسوية كبرى

  • شرط سياسي-مؤسسي: تطبيع + مسار دولة فلسطينية + نقل صلاحيات لسلطة فلسطينية/هيئة مدعومة دوليًا.
  • حساسية الصورة العامة: تتجنب الرياض تنسيقًا مباشرًا يُفهم كخدمة لمصالح إسرائيل؛ تفضّل أطرًا عربية/دولية وإدارة عبر السلطة.
  • هاجس الاستدامة: تشدد على نزع سلاح حماس وتقليل مخاطر تدمير الاستثمارات في جولات قتال لاحقة.

4) الإمارات: براغماتية مشروطة

  • نشاط إنساني واسع (عبر الأمم المتحدة) مع جسر علاقات مفتوح مع إسرائيل لتمكين دور محوري في “اليوم التالي”.
  • شروط واضحة: رؤية سياسية راسخة (حل الدولتين)، نزع سلاح حماس بالكامل، وإصلاح شامل للسلطة وربما تغيير قيادتها قبل إدماجها في الحكم.

5) قطر: سرعة التنفيذ والحفاظ على النفوذ

  • مقاربة “إنساني/وساطة” بلا شروط سياسية مُسبقة مُعلنة، لتأمين نفوذ مستقبلي ولحماية دورها الوسيط.
  • توازن دقيق: لا تريد أن تُفهم كمنحازة بالكامل للخط الأميركي-الإسرائيلي؛ تتفادى الحسم بشأن عودة السلطة وتصفه بـ“قضية فلسطينية”.
  • تحول محدود مؤخّرًا: انخراط في مبادرات لنزع سلاح حماس ضمن رؤية عربية (السعودية-فرنسا) في يوليو 2025، تحت ضغوط إقليمية/أميركية.

6) دوافع الخليج ومخاوفه

  • مكاسب مرجوة: نفوذ سياسي/اقتصادي، استقرار إقليمي (مصلحة أمن قومي)، موطئ قدم في تشكيل مستقبل الساحة الفلسطينية.
  • تحفظات صارمة: رفض دور “المموّل فقط”، إصرار على شروط سياسية/أمنية وتشارُكية في الحوكمة لمنع هدر الاستثمارات، مع جدوى اقتصادية محدودة داخل غزة (باستثناء غاز الساحل).

7) قيود مالية بنيوية (أسعار الطاقة)

  • السعودية: ضغط على إيرادات وتمويل “رؤية 2030”، أولوية للمشاريع الداخلية، وتزايد اللجوء لأسواق الدين.
  • الإمارات: مرونة أعلى من السعودية لكن مع انكماش نسبي لقدرة التوسّع في الاستثمار الخارجي.
  • قطر: عوائد الغاز تُخفف الصدمة لكن الحذر المالي مستمر بسبب تقلب الأسواق وكلفة التوسعات الرأسمالية.

8) مسارات إسرائيل الأربعة (كما تعرضها الورقة)

  1. قبول مشروط سعودي/إماراتي: استبدال حكم حماس بإطار سلطة فلسطينية ضمن مسار دولتين—يفتح التمويل الخليجي.
  2. الاعتماد على قطر: تمويل أسرع لكن مع تجديد وضع حماس بدرجة ما—كلفة سياسية/أمنية لإسرائيل.
  3. تحمّل العبء ذاتيًا: كلفة باهظة على الاقتصاد الإسرائيلي—غير مرجحة استداميًا.
  4. ترك غزة دون إعادة تأهيل: فوضى وتطرف مزمنان يفاقمان التهديدات الأمنية لإسرائيل.

9) نافذة القرار وتداعيات التوقيت

  • الاستعداد الخليجي اليوم أداة ضغط لإنهاء الحرب؛ بعد وقف القتال، يميل الحماس التمويلي إلى الانكماش ما لم تُقفل ترتيبات الحوكمة والضمانات.
  • الدلالة العملية: على إسرائيل تثبيت آلية لإنهاء الحرب الآن تتضمن تموضُعًا خليجيًا مُتفقًا عليه في التمويل والحوكمة والضمانات الأمنية.

خلاصة دلالية

  • لا إعمار بلا سياسة: التمويل الخليجي مرهون برؤية “اليوم التالي” (نزع سلاح/حوكمة/ضمانات)، لا سيما لدى الرياض وأبوظبي؛ المسار القطري أسرع إنسانيًا لكنه حساس سياسيًا.
  • أولوية المصالح الوطنية الخليجية: مع ضغوط الطاقة وتزاحم ساحات الاستثمار (سوريا/لبنان)، غزة ليست تلقائيًا الوجهة الأولى ما لم تُعالج المخاطر.
  • الخيار الإسرائيلي الواقعي: التقدّم نحو إطار يزاوج تطبيعًا/ضمانات مع حوكمة فلسطينية قابلة للحياة لتعبئة تمويل خليجي مستدام—وإلا فالكلفة الأمنية/الاقتصادية ترتفع على المدى الطويل.


    المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، سلسلة “نظرة علوية”، العدد 2034، 1 سبتمبر/أيلول 2025. المؤلفون: يوئيل جوزانسكي، عوفر جوترمان، إستيبان كلور.

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews