أجواء مشحونة في الأمم المتحدة عشية انعقاد الجمعية العامة

تقرير: علي زم _ مراسلين
يجد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، نفسه في وضع صعب. ففي الوقت الذي يزداد فيه العالم انخراطاً في الحروب والنزاعات الجديدة، تبدو المنظمة الأممية مهمشة وغير قادرة على التأثير.
أطلق غوتيريش، قبيل الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، تحذيراً بنبرة يائسة قائلاً: «الأمم المتحدة هي المكان الصحيح لحل النزاعات. وقت العمل هو الأسبوع المقبل. على القادة أن يسعوا أخيراً للتوصل إلى نتائج».
ووصف الأمين العام الجمعية العامة بأنها «كأس العالم للدبلوماسية»، مشيراً إلى أن برامجها تتضمن لقاءات عديدة بين قادة العالم. وأوضح أنه أعد شخصياً أكثر من 150 اجتماعاً ثنائياً.
في المقابل، قال ريتشارد غوان، الخبير في شؤون الأمم المتحدة من مركز “مجموعة الأزمات”، لمراسل التلفزيون الألماني العام في نيويورك إن كثرة اللقاءات لا يمكن أن تخفي حقيقة أن المنظمة تفقد أهميتها. وأوضح أن السبب الرئيسي يعود إلى سلوك القوى الثلاث الكبرى التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن.
وفي حربي غزة وأوكرانيا، عطلت الولايات المتحدة وروسيا أي حلول باستخدام الفيتو. وإلى جانب ذلك، تجاهل رؤساء الولايات المتحدة وروسيا والصين، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وشي جين بينغ، ميثاق الأمم المتحدة علناً، ليستبدل منطق القوة بالنظام القائم على القواعد.
أزمة مالية خانقة
مشكلة أخرى تعصف بالأمم المتحدة هي تراجع ميزانيتها. إذ اعتبر غوان أن المنظمة ما زالت تعاني من “صدمة ترامب”، موضحاً: «إدارة ترامب، ومنذ أسابيعها الأولى، أوقفت أو ألغت تمويل جميع مؤسسات الأمم المتحدة. إنها إدارة أكثر أيديولوجية وإصراراً من ولايتها الأولى على إضعاف المنظمة».
وأشار إلى أن خروج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ ومن مجلس حقوق الإنسان واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية كان متوقعاً، لكن مستوى التخفيضات المالية التي أقدمت عليها واشنطن، باعتبارها أكبر ممول للمنظمة، شكّل ضربة قاسية.
وكانت النتيجة كارثية على عمليات المنظمة الإنسانية والتنموية، إذ لم تعوض أي دولة أخرى هذا النقص. بل إن دولاً أخرى مثل الصين وعدة بلدان أوروبية قلّصت بدورها المساهمات.
وللتعامل مع العجز، طرح الأمين العام خطة تقشفية تحت مسمى “UN80″، تتضمن خفضاً بنسبة 20 في المئة من الميزانية وحذف خُمس الوظائف. وقد سادت في فترة ما مخاوف من أن يقدم ترامب على سحب الولايات المتحدة كلياً من الأمم المتحدة.
ترامب في صدارة الاهتمام
يرى خبراء أن خطاب ترامب يوم الثلاثاء 23 سبتمبر سيكون الحدث الأبرز في مؤتمر نيويورك. وقال غوان: «ترامب يستمتع بحضوره في الأمم المتحدة، وبأن يكون نجم المناسبة وسط تصفيق قادة العالم. وسيركز في خطابه مجدداً على أنه يستحق جائزة نوبل للسلام».
ولا يتوقع أن يوجه عدد كبير من القادة انتقادات علنية إليه، باستثناء محتمل للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بينما سيتجنب معظم الزعماء الدخول في مواجهة مباشرة معه.
غزة في بؤرة الضوء
منع ترامب محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، من السفر إلى نيويورك بحرمانه من تأشيرة الدخول، ما يعني أن الأخير لن يتمكن من حضور لحظة تاريخية تتمثل في إعلان عدة دول غربية الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة.
وفي الوقت ذاته، أعرب غوتيريش عن أسفه لغياب أي استعداد لدى إسرائيل للدخول في مفاوضات جدية لوقف إطلاق النار، مؤكداً أن الانتقادات الصادرة عن بعض الدول الإسلامية ودول الجنوب بشأن صمت الأمم المتحدة غير صحيحة. وقال: «الحكومة الإسرائيلية طردت الأمم المتحدة من غزة وقتلت موظفينا».
وأضاف الأمين العام: «التاريخ لن ينسى مقتل 400 موظف للأمم المتحدة في غزة. ولن ينسى أيضاً أننا أدنّا مراراً الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي وحجم الموت والدمار الهائل». ووصف هذه التطورات بأنها غير مسبوقة في فترة مسؤوليته.
خطاب زيلينسكي
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيلقي خطابه يوم الأربعاء 24 سبتمبر، حيث سيحاول تذكير المجتمع الدولي بالحرب “العدوانية الروسية على بلاده”.
لكن يبدو أن كثيراً من دول الجنوب العالمي باتت متعبة من طول أمد الأزمة واستنزاف الموارد الضخم المترتب عليها. وقال غوان: «منذ عام 2023 أصبح دعم أوكرانيا أكثر صعوبة. العديد من الدول غير الغربية تشعر بخيبة أمل من الموقف الأوروبي تجاه غزة، ولذلك تبدي استعداداً أقل لمساندة كييف».
انتقادات لألمانيا
هذا الوضع يضع ألمانيا أمام مأزق. فبعد أن حظيت برلين العام الماضي بإشادة واسعة لدورها الريادي في “ميثاق مستقبل الأمم المتحدة”، تعالت حالياً أصوات الانتقاد.
ويرى البعض أن على الحكومة الألمانية أن تنأى بنفسها أكثر عن سياسات الحكومة الإسرائيلية، لأن استمرار هذا التقارب قد يضر بفرص ألمانيا في الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي.