بعد هزيمة إيران: هل تقود تركيا الشرق الأوسط ضد تل أبيب

شبكة مراسلين
ترجمة وإعداد: أبوبكر خلاف
🟨 تقديم عام
بعد الانتصار الإسرائيلي الكبير الذي حققته تل أبيب ضد إيران مؤخراً، بدأ المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية. وبينما انشغلت إسرائيل بتحسين موقعها الردعي، كانت تركيا تراقب ما يجري عن كثب، وتسعى إلى ملء الفراغ الإقليمي الذي خلفه تراجع مكانة طهران. هذا ما يحلّله الباحث د. حي إيتان ينروچوك في تقريره الذي نعرضه في ما يلي، والذي يرصد بداية حرب باردة إقليمية جديدة بين أنقرة والقدس.
🟧 مضمون التحليل
🟢 إيران بعد الضربة: تراجع الردع وصعود الفوضى
انتهت عملية “الأسد الشجاع” بهزيمة قاسية لإيران، ليس فقط عسكريًا، بل على مستوى صورتها الإقليمية كقوة ردع. فقد نجح سلاح الجو الإسرائيلي في تنفيذ ضربة مركّزة أفضت إلى مقتل أكثر من 30 قائدًا عسكريًا إيرانيًا في ضربة واحدة، وهو ما أثار صدمة عميقة في أوساط “محور المقاومة”، وأدى إلى اهتزاز مكانة إيران أمام حلفائها.
🟡 تركيا تدخل الساحة: منافسة على زعامة العالم الإسلامي
في أعقاب هذا الانكشاف الإيراني، تحركت تركيا بسرعة لسدّ الفراغ، محاولة إعادة تموضع نفسها كقائدة للعالم الإسلامي. الرئيس رجب طيب أردوغان استغل قمة منظمة التعاون الإسلامي للدعوة إلى جعل المنظمة “قوة إسلامية موحّدة وذات ردع”، مستثمرًا التصدع في محور طهران–بيروت–غزة لصالح استراتيجية تركية جديدة.
من خلال هذه الرؤية، باتت أنقرة تعمل على:
- تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية، لا سيما مشروعَي “تايفون” (مدى 560 كم) و”جنق” (مدى 3,000 كم).
- تعزيز منظومة الدفاع الجوي التركية، عبر مشروع جديد شبيه بـ”القبة الحديدية”.
- معالجة ثغرات الاستخبارات التي كشفتها الضربة الإسرائيلية.
🔴 الخطر الكردي والانقسام الداخلي الإيراني
رغم سعادتها بتراجع إيران، لا ترغب تركيا بانهيار النظام الإيراني كليًا. السبب الرئيس في ذلك هو الخوف من أن تؤدي فوضى ما بعد طهران إلى ظهور دولة كردية مستقلة في غرب إيران، وهو تطور ترى فيه أنقرة تهديدًا وجوديًا مباشرًا لها. كما تخشى من تحركات سكان الشمال الغربي الإيراني من أصول أذرية نحو الاتحاد مع أذربيجان، ما يزيد تعقيد المشهد الجيوسياسي الإقليمي.
🔵 من الدعم للفلسطينيين إلى احتضان حماس
منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر، انتقلت أنقرة من موقف “مؤيد للفلسطينيين” إلى تبنٍ صريح لحركة حماس، ووصفت إسرائيل رسميًا في أكتوبر 2024 بأنها “تهديد أمني”. ردت إسرائيل حينها بتسريب “تقرير نجل”، الذي اقترح تصنيف تركيا كـ”دولة عدو محتملة”.
ومع أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تُقطع (قائمة منذ 1949)، إلا أن التوتر بين أنقرة وتل أبيب بلغ ذروته، وبات يُنذر بمرحلة جديدة من التنافس الاستراتيجي.
🟩 سوريا ومعادلة جديدة في الإقليم
تحاول أنقرة منع انضمام سوريا إلى مسار “اتفاقيات أبراهام”، حيث ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لطموحاتها الإقليمية. لكن دمشق – وتحديدًا نظام أحمد الشرع – باتت تتحرك باتجاه واشنطن وتل أبيب، خشية الوقوع الكامل في قبضة النفوذ التركي. ويبدو أن النفوذ التركي في سوريا (عبر مشاريع لوجستية وبنية تحتية) لم يعد كافيًا لإيقاف هذا الميل السياسي الجديد.
🟨 خلاصة: حرب باردة بين أنقرة والقدس
يُظهر المشهد أن هزيمة إيران أطلقت سباقًا جديدًا على القيادة الإقليمية. إسرائيل خرجت أكثر قوة وتأثيرًا، فيما تسعى تركيا لإعادة تعريف مكانتها. ومع احتمال دخول سوريا إلى اتفاقيات أبراهام، فإن الشرق الأوسط يتجه نحو مرحلة استقطاب جديد، على هيئة “حرب باردة إسلامية” بين أنقرة والقدس، تُدار بأدوات عسكرية، سياسية، واستخباراتية، ولكن أيضًا بدبلوماسية مزدوجة تبقي على قنوات التواصل مفتوحة، دون التخلي عن صراع النفوذ الخفي.
🖋 المقال الأصلي: د. حي إيتان ينروچوك
باحث في مركز موشيه دايان – جامعة تل أبيب، ومتخصص في الشأن التركي والإسلام السياسي.
📝 ترجمة وتقديم: أبوبكر خلاف
صحفي وباحث في العلاقات الإقليمية وشؤون الشرق الأوسط.