أخبارتقارير و تحقيقات

مجلس الأمن يدين مجازر الفاشر: تحميل مباشر للدعم السريع وتلويح بتحرك أممي وشيك

ممدوح ساتي -مراسلين

في قاعة تغلفها أجواء التوتر والذهول، جلس أعضاء مجلس الأمن الدولي مساء الخميس يتبادلون كلمات أثقلها الدم السوداني المسفوح في شوارع الفاشر.
لم تكن الجلسة مجرد نقاش روتيني في سجل الأزمات الإفريقية، بل بدت كأنها مواجهة متأخرة مع فاجعة تئن تحت ركامها دارفور من جديد.

منذ الدقائق الأولى للجلسة، كان واضحًا أن أصابع الاتهام تتجه بلا مواربة نحو قوات الدعم السريع، بعد سلسلة تقارير وصور وثّقت مشاهد من الدمار والمجازر الجماعية التي لحقت بالمدنيين خلال الأيام الأخيرة، حين تحولت المدينة التاريخية إلى مسرح مفتوح للموت.

توالت الكلمات بحدة نادرة. مندوبة المملكة المتحدة وصفت ما يحدث في الفاشر بأنه “جريمة ممنهجة تمس ضمير العالم”، وطالبت بفرض عقوبات فورية على قيادات الدعم السريع، وإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية دون تأخير.

أما ممثل الولايات المتحدة، فشدد على أن القصف العشوائي للمستشفيات والمناطق السكنية ودفن الجثث في مقابر جماعية “قد يشكّل بداية مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية”.

في المقابل، تمسكت روسيا والصين بموقفهما الداعي إلى “حل داخلي سوداني”، محذرتين من “تسييس الملف الإنساني واستخدام العقوبات كأداة نفوذ”.
أما المندوبة الموزمبيقية، فعبّرت عن قلق القارة الإفريقية من انهيار الوضع الإنساني، داعية إلى ممرات إنسانية بإشراف أممي وإفريقي مشترك لإنقاذ المدنيين المحاصرين في المدينة.

البيان الختامي: إدانة وتحذير

خرج المجلس ببيان ختامي حمل لهجة قوية، وإن بقي دون قرارات ملزمة. تضمن البيان خمس نقاط رئيسية:

  1. إدانة صريحة للهجمات ضد المدنيين في الفاشر واعتبارها خرقًا فاضحًا للقانون الإنساني الدولي.
  2. دعوة فورية لوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الدعم السريع من المنشآت المدنية والمستشفيات.
  3. تشكيل بعثة مراقبة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لمتابعة الأوضاع ميدانيًا.
  4. تأمين ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية.
  5. تلويح بعقوبات إضافية إذا لم تُنفّذ التوصيات خلال الأيام المقبلة.

الفاشر: مدينة تصمد تحت الرماد

في الميدان، لا تزال الفاشر تقاوم على أنقاضها. فمع انقطاع الاتصالات وندرة الغذاء والماء، تتناقل شهادات الناجين صورة قاتمة لمدينة محاصرة تُدار فيها المعارك وسط الأحياء السكنية، بينما يحاول الجيش السوداني إعادة تجميع صفوفه على تخوم المدينة استعدادًا لهجوم مضاد.

منظمات الإغاثة وصفت المشهد بأنه “أكبر كارثة إنسانية في دارفور منذ عقدين”، بعد أن تجاوز عدد القتلى الموثقين الألفي مدني، وتحوّلت المستشفيات إلى مقابر مؤقتة.

تحوّل في المزاج الدولي

رغم أن الجلسة لم تُفضِ إلى قرارات تنفيذية، إلا أن لهجة المداولات كشفت عن تحول نوعي في الموقف الدولي، إذ لم يعد الحديث يدور حول “صراع بين طرفين”، بل عن انتهاكات جسيمة تتحمل فيها قوات الدعم السريع مسؤولية مباشرة.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يمهد لطرح مشروع قرار جديد خلال نوفمبر يتضمن تجميد أموال وملاحقة قادة المليشيا أمام العدالة الدولية.

بين أروقة مجلس الأمن وصدى القصف في الفاشر، تظل الحقيقة الموجعة واحدة: أن دارفور تُركت طويلًا للنار، وأن المجتمع الدولي يوشك الآن فقط أن يسمع صراخها.
أما أهل المدينة، فما زالوا يواجهون العتمة بإيمانٍ عميق بأن الفجر سيعود، مهما طال الليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews