مقالات

بولس … كلما اقترب الجيش من الانتصار تفتح أبواب التآمر من الخارج لاجهاض النصر الوطني واغراق السودان في فوضي دائمة ..

د . أنس الماحي

لم تكن كلمات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، مجرد تصريحٍ دبلوماسي عابرٍ ، بل كانت ناقوس خطرٍ مدوٍّ دقّه أمام العالم بأسره ليقول بصوتٍ واضح : السودان يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم اليوم غير أن ما بين سطور رسالته ما هو أعمق من توصيفٍ للأزمة لقد كانت تحذيرًا مبطنًا من مؤامرة كبرى تُحاك ضد السودان أرضًا وشعبًا وهويةً.

رسالة بولس بين القلق الإنساني والمخطط السياسي المرسوم

حين تحدّث بولس عن حصار مدينة الفاشر، وعن 300 ألف إنسانٍ يتضورون جوعًا ويأكلون علف الحيوانات، بدا المشهد إنسانيًا موجعًا. لكنّ حديثه عن محادثات مباشرة بين الجيش والدعم السريع كشف الوجه الآخر للرسالة وهو تهيئة الأرضية لتسوية سياسية مفروضة من الخارج وضد ارادة الشعب السوداني، تُعيد رسم خريطة السودان بما يخدم مصالح القوى الكبرى وحلفائها الإقليميين.

لم يكن هذا البعد الإنساني إلا الوجه الظاهر للرسالة، أما باطنها فهو سياسي بامتياز؛ فحين تحدّث عن “محادثات مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع”، فإنما كان يُمهّد لطاولة تفاوضٍ تسعى القوى الغربية من خلالها إلى فرض حلولٍ تُعيد رسم خريطة السودان بما يتماشى مع مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.

ومن المدهش أن بولس نفسه كشف عن اتصالاتٍ أمريكية نشطة مع السعودية والإمارات ومصر، من أجل “وقف إطلاق نار مؤقت”. لكن السؤال الجوهري هل المقصود وقف الحرب أم إعادة ترتيب النفوذ؟

ميزان القوى يتبدل ومعركة الفاشر تعيد رسم المشهد

لقد حقق الجيش السوداني خلال الشهور الماضية تقدماً ميدانياً واضحاً في العاصمة وأم درمان
وكردفان والوسط، وأعاد تموضعه بقوة في قلب الدولة، مما أضعف قدرات مليشيا الدعم السريع وقلّص من نفوذها.

إلا أن استيلاء الجنجويد على الفاشر مؤخرًا بعد تدخل طيران حفتر والسلاح البريطاني والأمريكي وتدفق المرتزقة ( المؤامرة ) أحدث تحولًا خطيرًا في ميزان القوى، إذ أعطى الميليشيا دفعة مؤقتة وشجع أطرافًا خارجية على الضغط لتقسيم السودان وتثبيت واقعٍ جديدٍ على الأرض.

وهنا يكمن الخطر الأكبر فكلما اقترب الجيش من الانتصار، تُفتح أبواب التآمر من الخارج لإجهاض النصر الوطني وإغراق السودان في فوضى دائمة.

فمن المستفيد من تمزيق السودان؟

ليس سرًّا أن دويلة الإمارات الشيطانية ومن خلفها أطرافٌ غربية، تدفع بقوة في اتجاه إطالة أمد الحرب، عبر تمويل الدعم السريع وتسليحه بطائراتٍ مسيّرة وأسلحة متطورة لا يملك السودان مثيلها. وقد أشار السفير السوداني في أكثر من مناسبة إلى ضلوع أبوظبي المباشر في تأجيج الحرب خدمةً لمصالح اقتصادية وجيوسياسية لا تمتّ إلى مصلحة الشعب السوداني بصلة.

فالسودان بثرواته وموقعه وموانئه هو الجائزة الكبرى في صراع النفوذ الدولي. ومن هنا جاءت تصريحات بولس لتُمهّد لمرحلة “إعادة ترتيب المشهد”، وربما “إعادة ترسيم الحدود”، وهي الخطة التي يسعى الغرب لتمريرها تحت ستار “التهدئة الإنسانية” لكن الحقيقة أن أي مشروع لتقسيم السودان هو طعنة في قلب القارة الإفريقية، وهو ما لن يقبله شعبٌ تربّى على الصبر والكبرياء والتضحية.

نداء إلى السودانيين الشرفاء في الخارج

إلى أبناء السودان في المنافي والمهاجر أنتم صوت الوطن الحرّ حين يُكمَّم في الداخل. واصلوا مظاهراتكم، واهتفوا باسم الفاشر الجريحة، وكونوا لسان من لا صوت لهم. فكل وقفة احتجاج، وكل لافتة تنديد، وكل تغريدة صادقة هي رصاصة في وجه التعتيم، ونور في ليل المؤامرة.

لقد آن للعالم أن يرى ما يجري، لا من خلال بيانات السياسة، بل من خلال دماء الأبرياء في شوارع دارفور، وصور الأطفال الذين يُقتلون بدمٍ باردٍ أمام عدساتٍ تُوثّق الجريمة بفخرٍ لا إنساني.

نداء الداخل الوحدة أو الفناء

إلى أبناء السودان في الداخل، إلى الشباب خاصةً الوطن يناديكم إنّ الدفاع عن السودان اليوم ليس خيارًا، بل واجبٌ مقدّس وشرفٌ لا يناله إلا الأبطال فلتتوحد الصفوف خلف الجيش الوطني، ولتكن معسكرات المقاومة الشعبية منارات عزّ وتضحية.

لا تتركوا وطنكم فريسة للمرتزقة ولا تسمحوا لتاريخكم أن يُكتب بأيدي الأجنبي. لقد سقط منكم شهداءٌ هم نجوم في سماء التحرير والشرف فالصبر امتحان والوفاء عهد وقد يكون رحيل الشهداء فاجعةً تثقل القلب، ولكنها أيضًا امتحانٌ إلهيٌّ في الثبات والإيمان
قال تعالى:”وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران: 169).
فاصبروا يا أهل السودان، فإن الله يمتحنكم لينقّي صفوفكم، ويُخرج من بينكم رجالًا أشداء يصونون الأرض ويحفظون راية العز خفاقة.
إنها ليست حربًا سياسية، بل معركة وجود، إما أن نكون أمةً واحدةً موحدة، أو نترك الأعداء يمزقون خريطة الوطن على موائد الطامعين.
وليعلم العالم أجمع أن لسودان لا يُقسم، والسوداني لا يُهزم، والوطن لا يُباع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews