أخبار

السودان على حافة كارثة إنسانية: نزوح جماعي ومجاعة تضرب دارفور وكردفان

ريتا الأبيض – مراسلين

تزداد المأساة الإنسانية في السودان يوماً بعد يوم، مع تصاعد القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور، وخصوصاً في مدينة الفاشر التي تحوّلت إلى مركز النزوح الأكبر في البلاد. وأعلنت الأمم المتحدة اليوم أن أكثر من ستةٍ وثلاثين ألف شخص فرّوا من منازلهم خلال الأسبوع الأخير، بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أحياء المدينة، ما دفع آلاف العائلات إلى الهروب نحو مناطق أكثر أماناً في كردفان والحدود التشادية.

وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف إنّ الوضع الإنساني في السودان بلغ مرحلة “الانهيار الكامل”، مشيرة إلى أنّ ما يزيد على عشرة ملايين سوداني باتوا نازحين داخل بلادهم، في وقتٍ تعاني فيه المنظمات الإنسانية من عجزٍ كبير في التمويل وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضرّرة. وأوضحت أنّ المساعدات التي تصل عبر الطرق الصحراوية تُنهب أحياناً أو تُمنع من المرور بسبب استمرار المعارك.

وفي تطوّر خطير، أعلنت هيئة مراقبة الأمن الغذائي الدولية تسجيل حالتي مجاعة رسميتين في الفاشر وكادغلي، إذ يعاني السكان من نقصٍ حاد في الغذاء والمياه، بينما تفيد تقارير ميدانية بأنّ بعض العائلات تعيش على أوراق الأشجار أو الحبوب التالفة. كما تشير بيانات “أسوشييتد برس” إلى أنّ أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية تتضاعف أسبوعاً بعد آخر، وسط انهيار النظام الصحي في معظم الولايات.

المعارك في الفاشر التي اشتدت منذ منتصف أكتوبر دمّرت البنية التحتية بالكامل، وأجبرت الجيش على الانسحاب إلى الأطراف بعدما فقد السيطرة على المطار والمقار الحكومية. شهود عيان تحدّثوا عن حرائق هائلة ودمار شبه شامل للأحياء السكنية. أحد السكان قال لمراسلين: “لم نعد نرى سوى الدخان والرماد. لا ماء ولا كهرباء ولا أمان.”

في المقابل، أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي لتأمين ممرات إنسانية، مؤكدة أنّ المشهد الحالي في دارفور يعيد إلى الأذهان الكوارث نفسها التي شهدها العالم في أوائل الألفية. لكنّ المعوقات الأمنية ما تزال تحول دون وصول قوافل الإغاثة إلى المحتاجين، في حين حذّر برنامج الأغذية العالمي من انهيار شامل في خطوط الإمداد إن لم يتوقف القتال قريباً.

ويرى محللون أنّ السودان يقف اليوم على مفترق طريق مصيري. فالصراع بين الجيش والدعم السريع تجاوز كونه نزاعاً على السلطة، وأصبح تهديداً مباشراً لوحدة البلاد ومستقبلها السياسي. ويعتقد الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور سامي إدريس أنّ استمرار الحرب سيقود إلى تفكك فعلي للدولة ما لم تتدخل القوى الإقليمية بوساطة جادّة لوقف النار وإطلاق حوار شامل. ويضيف أن دارفور اليوم ليست سوى مرآة لما قد يتكرر في مناطق أخرى إن بقيت البلاد بلا أفقٍ للحل.

وسط هذا الدمار، تبقى قصص الناس أكثر ما يوجع القلب: أمهات يحملن أطفالهن سيراً على الأقدام نحو الحدود، وأطباء يواصلون العمل في المستشفيات المهدّمة بإمكانات بسيطة، ومتطوعون يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews