
ريتا الأبيض – مراسلين
بيروت – يسود الجنوب اللبناني اليوم هدوء حذر بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت سيارة مدنية في قضاء النبطية وأدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، في تصعيد جديد اعتُبر الأخطر منذ مطلع الخريف.
شهود عيان أفادوا بأنّ الطيران المسيّر الإسرائيلي حلق على علو منخفض طوال ساعات الصباح، فيما سُجّلت حركة نشطة لوحدات الجيش اللبناني التي عززت انتشارها على طول الخط الحدودي من مارون الراس إلى كفرشوبا، مدعومة بآليات مدرعة ونقاط مراقبة جديدة.
مصادر عسكرية وصفت الوضع بأنه “تحت السيطرة ولكن قابل للاشتعال في أي لحظة”، مشيرةً إلى أنّ الجيش اللبناني يعمل على ضبط الإيقاع الميداني بدقة لمنع أي احتكاك غير محسوب، بينما تواصل قوات “اليونيفيل” تسيير دوريات مشتركة في القرى القريبة من الحدود لطمأنة السكان المحليين.

في بيروت، ألقى الرئيس جوزيف عون كلمة مقتضبة من قصر بعبدا أكّد فيها أنّ “لبنان لا يبحث عن مواجهة، لكنه لن يتهاون في الدفاع عن سيادته وأمن شعبه”، مضيفاً أنّ الاتصالات الدبلوماسية مع الأمم المتحدة “تسير في مسار هادئ لتجنّب أي تصعيد جديد”.
الرئيس شدد على أنّ أي خرق للخط الأزرق “يُعد انتهاكاً لسيادة الدولة اللبنانية”، داعياً المجتمع الدولي إلى “التحرك الفوري لضمان التزام إسرائيل بقرارات مجلس الأمن”.

سياسياً، تنشط الاتصالات بين الكتل النيابية تحضيراً لجلسة البرلمان المقبلة التي ستناقش ملف الإصلاحات الاقتصادية وقانون اللامركزية الموسّعة.
مصادر حكومية أكدت أن لبنان يواجه ضغوطاً متزايدة من الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، وأن التأخير في إقرار القوانين الإصلاحية “قد ينعكس سلباً على الدعم الدولي وعلى ثقة الأسواق”.
في المقابل، عبّرت بعض القوى السياسية عن خشيتها من أن تتحول المساعدات إلى وسيلة ضغط سياسي في وقتٍ يعيش فيه لبنان أزمة بنيوية في مؤسساته.

على الصعيد الإقليمي، عُقدت اجتماعات تنسيقية بين بيروت ودمشق لبحث ضبط المعابر الحدودية غير الشرعية، في محاولة للحد من عمليات التهريب التي تستنزف الاقتصاد اللبناني.
مصدر أمني كشف أن التنسيق مع الجانب السوري “يتخذ منحى عملياً أكثر من أي وقت مضى”، خصوصاً في ظل الحاجة لضبط حركة البضائع واللاجئين، في إطار خطة لبنانية شاملة لإعادة تنظيم الحدود الشرقية.
أما في الجنوب، فيعيش السكان بين الخوف والأمل.
في بلدة الخيام، قالت سيدة خمسينية لمراسلين: “صرنا نعرف صوت المسيّرات مثل صوت العصافير… نتمنى أن يمرّ الشتاء من دون حرب”.
ويضيف أحد الشبان من كفرشوبا: “الجيش موجود، والناس صامدة، بس العالم تعبت من الانتظار. نريد أن نعيش بسلام.”
في الخلفية، يستمر المشهد اللبناني متأرجحاً بين ضغوط الخارج وصمود الداخل.
فالدولة تحاول التوفيق بين حاجتها إلى الدعم الدولي، وبين واجبها في الحفاظ على سيادتها وسط منطقة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
وبين الجنوب الهادئ مؤقتاً وبيروت المترقبة، يبقى السؤال الأبرز:
هل يستطيع لبنان أن يلتقط أنفاسه أخيراً، أم أن هذا الهدوء ليس سوى استراحة قصيرة قبل العاصفة؟



