تداعيات الزيارة التاريخية لولي العهد السعودي إلى واشنطن
المكاسب والمخاطر على الرياض وواشنطن… وانعكاساتها على إسرائيل
قراءة في العدد 2064 – 24 نوفمبر 2025
إلداد شافيت | يوئيل جوزانسكي
ترجمة وتحرير خاص: أبوبكر إبراهيم أوغلو – مدير مركز زاد للدراسات السياسية
مثّلت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن محطة مفصلية في مسار العلاقات السعودية–الأمريكية، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل في سياق أوسع يتصل بإعادة تشكيل منظومة الأمن والتحالفات في الشرق الأوسط. الزيارة، التي تمحورت حول منح المملكة صفة «حليف رئيسي من خارج حلف الناتو»، عكست رغبة أمريكية واضحة في تثبيت السعودية داخل الفضاء الاستراتيجي الأمريكي في ظل تصاعد التنافس الدولي بين القوى الكبرى.
من المنظور الأمريكي، تهدف هذه الخطوة إلى تعميق الشراكة الأمنية مع الرياض، وضمان تدفّق استثمارات سعودية هائلة، والحصول على شريك إقليمي قادر على لعب دور محوري في هندسة نظام إقليمي جديد يتموضع في قلبه مشروع «اتفاقيات إبراهيم»، بما يشمله من تطبيع تدريجي مع إسرائيل ومسار سياسي – ولو محدود – للتعامل مع القضية الفلسطينية.
في المقابل، تعاملت السعودية مع الزيارة باعتبارها فرصة استراتيجية لتحويل ثقلها الإقليمي إلى ضمانات أمنية ملموسة، والحصول على أسلحة وتقنيات متقدمة، والدفع نحو مشروع نووي مدني، مع الحفاظ على هامش مناورة في علاقاتها المتنامية مع الصين وروسيا، وعدم حرق أوراقها في البيئة الدولية متعددة الأقطاب.
أما من وجهة نظر إسرائيل، فالحدث يحمل في طياته معادلة مزدوجة: فرصة استراتيجية لتثبيت وجود أمريكي طويل الأمد في المنطقة، والتقدم – ولو بحذر – نحو تطبيع مع السعودية، مقابل مخاطر جدية تتصل بالمساس بتفوقها العسكري النوعي (QME)، وخلق سابقة نووية مدنية إقليمية، واحتمال صياغة تفاهمات أمريكية–سعودية تتجاوز المصالح الإسرائيلية أو تضعها أمام أمر واقع.
إطار الزيارة ونتائجها الأولية
بحسب تقارير متطابقة، أسفرت الزيارة عن تفاهمات واسعة شملت تعزيز التعاون الأمني بين واشنطن والرياض، وموافقة مبدئية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بيع طائرات F-35 للسعودية، إلى جانب تعهدات باستثمارات سعودية قد تصل إلى تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، وفتح قنوات متقدمة – وإن لم تُحسم بعد – بشأن مشروع نووي مدني سعودي.
وعملت إدارة ترامب وولي العهد السعودي على توظيف الزيارة لتحقيق أهداف استراتيجية يتوقع أن يكون لها أثر مباشر في رسم ملامح الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة.
أولًا: حسابات إدارة ترامب
ترسيخ السعودية داخل المعسكر الأمريكي
في ظل تعميق السعودية علاقاتها الاقتصادية وعلاقات الطاقة مع الصين وروسيا خلال السنوات الأخيرة – من اتفاقيات «أوبك+» إلى مشاريع البنية التحتية والتقنيات المتقدمة – تسعى واشنطن إلى تقليص مخاطر الانجراف شرقًا وتأكيد أولوية الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
تعميق الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية
يشمل التصور الأمريكي جذب استثمارات سعودية ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية والصناعات المتقدمة، بالتوازي مع دعم طموح الرياض للتحول إلى مركز إقليمي للابتكار ضمن «رؤية 2030»، مقابل التزام سعودي بضوابط أمريكية تتعلق بالتقنيات الحساسة والعلاقة مع الصين.
هيكلية إقليمية جديدة
ترى إدارة ترامب في وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن مدخلًا لتوسيع «اتفاقيات إبراهيم»، ودمج السعودية في إطار أمني–اقتصادي إقليمي تكون إسرائيل جزءًا منه، مع ربط التطبيع بضمانات أمنية أمريكية وخارطة طريق فلسطينية.
ثانيًا: حسابات المملكة العربية السعودية
شكّلت الزيارة نقطة تحول مهمة في إعادة تأهيل صورة ولي العهد في الولايات المتحدة والغرب، حيث عكس الاستقبال الرسمي الواسع في البيت الأبيض اعترافًا أمريكيًا صريحًا بمكانة محمد بن سلمان كزعيم شرعي، في قطيعة واضحة مع نهج إدارة جو بايدن.
ويمثل الإعلان عن نية بيع طائرات F-35 – حتى لو لم يُنفذ فورًا – تحولًا استراتيجيًا لصالح الرياض، إلى جانب رفع القيود عن تصدير الرقائق المتقدمة لاستخدامها في مشاريع كبرى مثل «نيوم»، ومنح المملكة صفة «حليف رئيسي من خارج الناتو».
في المقابل، لم تحقق السعودية هدفين محوريين: اتفاقية دفاع أمريكية ملزمة، واتفاقية نووية تسمح بالتخصيب المحلي لليورانيوم، وهي ملفات لا تزال واشنطن تستخدمها كورقة ضغط مرتبطة بمسار التطبيع مع إسرائيل.
ثالثًا: من زاوية إسرائيل
الفرص
تتمثل الفرص في ترسيخ الوجود الأمريكي في المنطقة، وفتح مسار تطبيع تاريخي مع السعودية يُكمل اتفاقيات إبراهيم، ويعزز اندماج إسرائيل في الفضاء العربي، ولو بشروط مرحلية.
المخاطر
تشمل المخاطر المساس بالتفوق العسكري النوعي، وخلق سابقة نووية إقليمية، واحتمال تهميش إسرائيل في صياغة التفاهمات الأمريكية–السعودية، بما يفرض عليها التكيف مع ترتيبات تم إقرارها دون مشاركتها.
توصيات سياسية
يتعين على إسرائيل التحرك كشريك فاعل لا كمراقب، من خلال تعميق الحوار مع واشنطن والرياض، وتحديد خطوط حمراء واضحة تتعلق بنوعية السلاح، وضوابط الاستخدام النووي المدني، وإدارة الثمن الفلسطيني ببراغماتية تحول دون فرض شروط خارجية أعلى كلفة.
كما ينبغي قراءة التقارب الأمريكي–السعودي في سياق الصراع الدولي الأوسع، حيث تعيد الولايات المتحدة توزيع أعبائها الاستراتيجية، وتتوقع من حلفائها دورًا أكبر في تحمّل الكلفة الأمنية.
خلاصة
زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن ليست حدثًا بروتوكوليًا، بل مؤشر على إعادة ترتيب عميقة لمعادلات القوة في الشرق الأوسط. قدرة إسرائيل على التأثير في هذا التحول، لا مجرد التكيف معه، ستحدد موقعها في النظام الإقليمي الجديد.



