استطلاع IFOP حول المسلمين يثير عاصفة سياسية وإعلامية وقد يتحول إلى مواجهة قضائية في فرنسا

سارة جودي -مراسلين
أثار استطلاع للرأي نشره معهد IFOP حول علاقة المسلمين في فرنسا بدينهم الإسلام، موجة واسعة من الجدل السياسي والإعلامي، انتهت بتقديم شكاوى قضائية واتهامات متبادلة بين مؤسسات بحثية، ووسائل إعلام، وهيئات دينية، ونواب في البرلمان. فقد اعتبرت جهات عديدة أن الاستطلاع، الذي طلبته مجلة «Écran de veille»، يفتقر إلى الحياد ويغذي خطاب الخوف، بينما دافع معدوه عن منهجيته وعن نزاهة أسئلته.

معهد IFOP: خلفية الدراسة وأبرز نتائجها
يعتبر معهد إيفوب من أعرق مؤسسات استطلاعات الرأي في فرنسا، وقد أجرى هذا المسح بطلب من مجلة «إكران دو فيي» المتخصصة. تمت المقابلات هاتفيا بين 8 أغسطس و2 سبتمبر 2025 مع عينة شملت 1005 شخصًا من المسلمين في فرنسا (تفوق أعمارهم 15 عاما)، بالإضافة إلى عينة مقارنة من أتباع ديانات أخرى اعتمدت الدراسة منهجية الحصص (Quota) لضمان تمثيل خصائص المجتمع المسلم.
وبحسب نتائج الاستطلاع التي أظهرت مستويات مرتفعة من التدين لدى الشباب المسلم، إذ اعتبر 87% من الفئة العمرية 15–24 عاما أنهم متدينون، فيما قال 67% إنهم يؤدون الصلاة يوميا. كما عبر ثلث المشاركين تقريبا عن تعاطف مع تيار إسلامي واحد على الأقل، واعتبر 46% أن الشريعة يجب أن تطبق جزئيا أو كليا، وهي نتائج وصفتها IFOP بأنها مؤشر على ” إعادة أسلمة” لدى الأجيال الشابة.
مواقف المؤسسات الإسلامية: رفض منهجي وتحذيرات من الوصم
واعتبرت أربعة مجالس إقليمية للديانة الإسلامية (CDCM) أن الدراسة تفتقر إلى الموضوعية وتنتهك القانون الفرنسي الذي ينظم استطلاعات الرأي. وقدمت هذه المجالس شكوى قضائية ضد مجهول، معتبرة أن الأسئلة موجهة، وأن بعض النتائج الأقلية جرى إبرازها بصورة تثير القلق وتغذي الأحكام المسبقة عن المسلمين. واعتبر ممثلو هذه المجالس أن الاستطلاع يساهم في خلق “مناخ معاد” للمواطنين المسلمين.
من جانبه، أعرب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) عن أسفه لما وصفه بـ«الوصم الجديد» الذي يتعرض له المسلمون. وشكك المجلس في دقة بعض الأرقام، معتبرًا أن قراءة النتائج بمعزل عن السياق الاجتماعي تتسبب في خلط بين التدين المشروع والتطرف. وأشار إلى أن ارتفاع التدين لدى الشباب وقد يرتبط بردود فعل على التمييز والضغوط المتزايدة تجاه الجالية المسلمة. رغم أن التدين يشكل بالنسبة لكثيرين التزاما طبيعيا بمبادئ دينية لا علاقة له بالتشدد. هذا الأسلوب في التناول الإعلامي دفع إلى تضخيم بعض الأرقام وعرضها في سياق قد يزيد من الشرخ القائم بين المسلمين وغيرهم في فرنسا.
مجلة «Écran de veille»: تساؤلات حول الدور والخلفيات
وزاد الجدل تعقيدا الدور الذي لعبته مجلة «Écran de veille» التي طلبت الاستطلاع، وهي مجلة حديثة العهد وغير معروفة على نطاق واسع. وقد أثارت خلفيتها أسئلة إضافية، خاصة بعد تداول تقارير إعلامية تتحدث عن ارتباطات سابقة للمجلة بمراكز بحث مقربة من الإمارات. ورغم نفي إدارة المجلة لهذه الاتهامات، وتأكيدها أن أي شراكات خارجية كانت معلنة وتم إنهاؤها، لكن الشكوك استمرت في تغذية النقاش الدائر.

تفاعلات المشهد السياسي: بين اتهامات اليسار وترحيب اليمين
سياسيا هاجم نواب من حزب فرنسا الأبية (LFI) الاستطلاع بشدة، واعتبروه أداة لخدمة “أجندة إسلاموفوبية”. ورد معهد IFOP بإعلان رفع شكاوى قضائية ضد النائبين بول فانييه وباستيان لاشود بتهمة التشهير وتعريض حياة الصحفيين للخطر. وقد تعرض عدد من صحفيي المجلة لتهديدات بعد نشر معلومات شخصية تخصّهم على الإنترنت، ما دفع نوابا من تيارات سياسية مختلفة إلى التنديد بذلك والدفاع عن حرية الصحافة.
في المقابل رحب جزء من اليمين واليمين المتطرف بالاستطلاع، معتبرا أن نتائجه تكشف “مخاطر الانفصالية الإسلامية”، فيما انتقد سياسيون وسطيون الحملة التي استهدفت IFOP والصحفيين، واعتبروها تهديدًا لحرية التعبير والبحث.
تسلط هذه القضية الضوء على هشاشة النقاش العام حول الإسلام في فرنسا، حيث قد يتحول أي بحث اجتماعي إلى مادة للاستقطاب السياسي والإعلامي، وتتداخل فيه التحليلات العلمية مع التخوفات الشعبية والتجاذبات الحزبية. كما تبرز مدى تأثير العوامل الخارجية والتوترات الداخلية في تشكيل صورة الجالية المسلمة، في وقت تدعوا فيه بعض الأطراف إلى حوار هادئ وموضوعي يوازن بين احترام مبادئ الجمهورية وحماية مكونات المجتمع كافة من الوصم والتعميم.




