سر الصمود الإسرائيلي رغم تعدد الجبهات

شبكة مراسلين
بقلم: الدكتور أحمد أحمد
يتساءل الكثيرون كيف تتحمل إسرائيل الحرب على عدة جبهات ولمدة طويلة، على عكس المعروف عنها منذ قيام الدولة العبرية
أتناول بدايةً خطأ اعتبار ما يجري حرباً شاملة على عدة جبهات، فالواقع هو أن الحرب بكامل طاقة الجيش الإسرائيلي كانت منذ أكتوبر – تشرين الأول ٢٠٢٣ ولمدة عام كامل منحصرة في جبهة غزة مع وجود ٤-٥ فرق عسكرية مقاتلة داخل القطاع وعلى أطرافه، وفي ذات الوقت كان إشغال الجبهة الشمالية دون اشتعالها عبر استهداف عمق لم يتجاوز في معظم الأحيان العشرين كيلومتراً مع إجلاء ٦٥ ألفاً من مستوطني شمال فلسطين، وخلا ذلك الإشغال من أي استهداف للبنى التحتية المهمة كمحطات الكهرباء، والمصانع المهمة وميناء حيفا عدا عن عدم استهداف التجمعات الكبرى للمستوطنين في الشمال كمدن نهاريا وعكا وحيفا، ولذلك استطاعت القيادة السياسية والعسكرية تأجيل المواجهة مع حزب الله وتحملت سنة كاملة من هذا الإشغال الذي كان تأثيره محدوداً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
عندما فرغت إسرائيل من الاقتحامات المباشرة لمناطق واسعة في قطاع غزة وأعلنتها منطقة حرب ثانوية وتوجهت نحو تنفيذ خطة اللواءات (الجنرالات) والتي لا تحتاج إلى أكثر من فرقة عسكرية واحدة، أصبح من الممكن تحويل المجهود العسكري باتجاه الجبهة الشمالية مع نقل ٤ فرق إلى شمال فلسطين، والاستعداد للدخول البري بعد توجيه عدة ضربات مؤلمة لقدرات حزب الله عبر تفجير البيجرات وتعطيل شبكة اتصالات الحزب وتدمير العديد من منصات إطلاق الصواريخ وقتل الصف الأول من قيادات الحزب، وتهجير أكثر من مليون لبناني يشكلون حاضنته الشعبية الرئيسية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية.
وبذلك تكون إسرائيل حاربت بكامل قدرتها في جبهة غزة ثم تفرغت للجبهة اللبنانية ولم تكن أبداً تحارب حرباً شاملة على أكثر من جبهة في نفس الوقت.
أما بخصوص قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الصمود لأكثر من عام فمرده إلى عدم التضرر المباشر لغالبية الجمهور الإسرائيلي من الحرب في الشمال والمركز، فمنطقة غوش دان (تل أبيب الكبرى ومحيطها ما بين هرتسيليا وريشون لتسيون) وكذلك منطقة القدس الغربية والتي يسكن فيهما ما يقارب ثلثي السكان اليهود في فلسطين لم تتضرر بشكل جدي منذ بداية الطوفان عدا عن سكان المستوطنات في الضفة الغربية. كذلك كما قد كتبت أعلاه عن الضرر الجزئي على الجبهة الشمالية الذي لم يشمل قصف المواقع المدنية في المدن الشمالية الكبرى نهاريا وعكا وحيفا.
إن الأمور الرئيسية التي تُضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية ولا تتحملها لفترة طويلة تتمثل في:
١- سقوط عدد كبير جداً من القتلى في صفوف الجيش أو المدنيين وهذا لم يحدث منذ بداية الحرب.
٢- توقف الأعمال التجارية على نطاق واسع ولمدة طويلة وهذا أيضاً لم يحدث، لأن أكثر من ثلثي مواطني الكيان لم يتم استهدافهم بشكل مباشر.
٣- حدوث دمار كبير في البنية التحتية كشركات الغاز والكهرباء والمياه وهذه لم يتم استهدافها بعد أو تم استهدافها ولم تتم اصابتها.
٤- حدوث دمار كبير في منازل مئات آلاف السكان وهذه لم يتم استهدافها في أي من المدن الكبرى شاملاً نهاريا وعكا اللتان هما الأقرب للبنان ضمن مسافة ١٩ كم وإنما قصفت منازل المستوطنات الصغيرة المخلاة مثل كريات شمونا والمطلة. لأنه، حتى لو كان المستوطنون في أمان في الملاجئ عند حدوث أي قصف سواءً من غزة أو لبنان أو إيران أو العراق أو اليمن فإن فقدان البيت فوق الأرض سيُحدث ضرراً كبيراً ولن يكون لهم مأوى للعودة إليه، فلو حدث هذا الضرر على عدد كبير من المنازل والمدن في وقت واحد فإنه سيضر بشكل كبير بتماسك الجبهة الداخلية.
خلاصة القول، لم تخض إسرائيل حرباً شاملة على أكثر من جبهة في وقت واحد ولم تتضرر بعد أغلبية الجبهة الداخلية بشكل مباشر وكبير لا يُحتمل منذ بداية الطوفان.