هل تُورط واشنطن تايوان في حرب مع الصين كما ورطت أوكرانيا مع روسيا؟.. هذا ما تخفيه مناورات بكين

لليوم الثاني على التوالي، تستمر الصين، في مناوراتها لمحاكاة ضرب أهداف رئيسية في تايوان، لتبدأ التكهنات حول التصعيدي الصيني، الذي جاء بحسب وسائل إعلام صينية، بأن هذه المناورات تأتي ردا على زيارة رئيسة تايوان تساي إنغ ون من رحلة إلى الولايات المتحدة.
وبدأت هذه المناورات بعد اجتماع الأربعاء في كاليفورنيا بين الرئيسة التايوانية ورئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، وعدت بكين بالرد عليه بإجراءات “حازمة وقوية”.
لتستدعي بذلك الحرب الروسية مع أوكرانيا، والتي جاءت بتوريط واشنطن لكييف، قبل أكثر من عام، نتيجة مساعي واشنطن في ضم أوكرانيا لحلف الناتو، لتطويق روسيا، و استنزافها في حرب طويلة الأمد مع أوكرانيا، الأمر الذي دفع ثمنه ملايين الأوكرانيين حتى الآن ما بين مهجرين وقتلى نتيجة الحرب مع روسيا، والتي لم يتبين حتى الآن في ظل التصعيد المستمر، متى تتوقف هذه الحرب، وسط تكهنات بأن هذه الحرب ربما تمتد لسنوات قادمة، خاصة بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو والعمل على ضم السويد من بعدها.
وتعتبر بكين تايوان البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، ولم تتمكن بعد من إعادة توحيدها مع بقية أراضيها منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في 1949، كما تعتبر روسيا أن أوكرانيا جزءا لا يتجزأ عن الأراضي الروسية.

ودعت الولايات المتحدة الأمريكية، الصين إلى ضبط النفس بعد بدئها مناورات عسكرية في محيط تايوان، مؤكدة أن واشنطن مستعدة للوفاء بالتزاماتها الأمنية في آسيا.
وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية “قنوات اتصالنا مع جمهورية الصين الشعبية ما زالت مفتوحة، وندعو دائما إلى ضبط النفس وعدم تغيير الوضع القائم”.
وأضاف المتحدث “نحن واثقون بأن لدينا الإمكانيات والقدرات الكافية في المنطقة لضمان السلام والاستقرار”، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تتابع ما تقوم به الصين عن كثب.
مناورات لتطويق تايوان
وبدأت الصين أمس السبت، التي تعتبر أن جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، بمناورات عسكرية وبحرية في مضيق تايوان للتدريبات على “تطويق كامل” للجزيرة -كما ذكر التلفزيون الحكومي- في اليوم الأول من مناورات عسكرية تستمر حتى يوم غد الاثنين.
وذكرت وسائل إعلام رسمية صينية أن بكين أجرت محاكاة لضربات على أهداف رئيسية في تايوان.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية إنها رصدت في الـ24 ساعة الماضية 71 طائرة للقوات الجوية الصينية و9 سفن من قوات البحرية حول الجزيرة.
وأضافت الوزارة أن مقاتلات “جي-10″و”جي-11″ و”جي-16” والعديد من السفن رصدت بالقرب من الجزيرة في منطقة تحديد نظام الدفاع الجوي. وفي نفس الوقت، لفتت إلى أن 29 طائرة عبرت “خط الوسط” – الحدود الفعلية في مضيق تايوان.
واشنطن ربما تورط تايوان
وتأتي هذه التدريبات العسكرية في أجواء من التوتر مع تايوان بعد اجتماع رئيستها تساي إنغ ون مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي في الولايات المتحدة.
وبين الحين والأخر، تستفز الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، بالتقارب مع جزيرة تايوان، كما حدث قبل عامين حينما أعلنت نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق، زيارة جزيرة تايوان، الأمر الذي ردت عليه الصين بمناورات مماثلة ردا على هذه الزيارة التي لم تتم.
الأمر الذي تكرر هذا العام بزيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة الأمريكية، في خطوة استفزازية للصين.
وتتهم الصين الولايات المتحدة بأنها لم تلتزم بتعهداتها الخاصة بشأن خفض مبيعات الأسلحة لتايوان، وتواصل بكين تعزيز التدابير الدفاعية التي تتخذها في أراضي البر الرئيسي المقابلة لتايوان، بدواعي الأمن القومي وحماية أراضيها.
لكن تايوان ترى في هذه التدابير الدفاعية تهديدا لأمنها، وتواصل محاولات بناء ترسانة عسكرية متطورة.
ونقلت صحيفة “ليبيرتي تايمز” (Liberty times) التايوانية عن مصدر عسكري قوله إن تايبيه واصلت العام الماضي محاولاتها لإقناع الولايات المتحدة بتعديل شحنات الأسلحة، على أمل الحصول على أكثر من نصف صواريخ هاربون المشتراة في غضون 3 سنوات والصواريخ المتبقية قبل نهاية عام 2029.

وأوضح المصدر العسكري أن خطورة الوضع الأمني تحتم على تايوان الحصول على مزيد من الصواريخ المضادة للسفن في مدة زمنية أقصر من أجل مواجهة الجيش الصيني بشكل فعال.
وردا على ذلك توعدت بكين على الفور باتخاذ “إجراءات حازمة وقوية”.
وأجرت الصين، اليوم الأحد، محاكاة لضربات “دقيقة” ضد “أهداف رئيسة” في “تايوان والمياه المحيطة” بها، في اليوم الثاني من تدريبات “لتطويق كامل” تستمر حتى الإثنين، وتؤكد بكين أن تحذيراتها “جدية” بعد لقاء الرئيسة تساي وينغ إين مع مسؤول أميركي كبير.
ورغم أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بموجب معاهدة بالدفاع عن تايوان، فإن الهجوم الصيني سيكون اختبارا للقوة العسكرية الأمريكية وهيمنتها الدبلوماسية والسياسية، فهل تدافع واشنطن عن الجزيرة التي تبعد عنها ما لا يقل عن 13 ألف كيلو متر، أم ستتركها لمصيرها وتتنازل عن هيمنتها العالمية؟.
تايوان تدين وتراقب
ودانت تايوان بشدة العملية التي أطلق عليها اسم “السيف المشترك” (جوينت سوورد)، بينما دعت الولايات المتحدة بكين إلى “ضبط النفس”، مؤكدة أنها تبقي على قنوات اتصالها مع الصين “مفتوحة”.
ونقلت “رويترز”، اليوم الأحد، عن مصادر إن نحو 20 سفينة عسكرية، منها نحو عشر سفن صينية وعشر تايوانية، تتواجد وجهاً لوجه بالقرب من الخط الأوسط لمضيق تايوان.
محاكاة لضربات دقيقة
وقال التلفزيون الصيني، أمس السبت، إن المناورات تهدف إلى بناء قدرات صينية “للسيطرة على البحر والمجال الجوي والمعلومات من أجل خلق ردع وتطويق كامل” لتايوان.
فيما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، الأحد، أنها رصدت تسع سفن حربية و58 طائرة صينية حول الجزيرة.
وقالت الوزارة إنها تراقب “تحركات الجيش الصيني من خلال نظام رصد واستطلاع استخباراتي مشترك”. مؤكدة أن الطائرات الحربية التي رصدت حتى الساعة 12,00 (04,00 ت غ) هي مقاتلات وقاذفات.
من جهتها، أجرت الصين “محاكاة لضربات دقيقة مشتركة ضد أهداف رئيسة في الجزيرة والمياه المحيطة” بها، كما ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية الأحد.

وقالت قناة التلفزيون العامة الصينية “سي سي تي في” إن القوات الجوية نشرت عشرات الطائرات “لتحلق في المجال الجوي المستهدف”، بينما نفذت القوات البرية تدريبات على “ضربات دقيقة متعددة الأهداف”.
وذكرت بكين أنها حشدت مدمرات وقاذفات صواريخ سريعة ومقاتلات وأجهزة تشويش في المناورات.
وقال دونالد هو (73 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية، الأحد، في حديقة في تايبيه “أنا قلق قليلاً، سأكون كاذباً إذا قلت غير ذلك”. ورأى أنه “إذا اندلعت حرب فسيعاني الجانبان بشكل كبير”.
وأكد المتحدث الجيش الصيني شي يي محذراً أن المناورات “تحذير جدي من التواطؤ بين القوى الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية فضلاً عن أنشطتها الاستفزازية”.

ردود واستفزازات أمريكية
وجددت واشنطن، السبت، دعوتها إلى “عدم تغيير الوضع القائم”. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية “نحن على ثقة من أن لدينا موارد وقدرات كافية في المنطقة لضمان السلام والاستقرار”.
إلا أن الاستفزازات الأمريكية مازالت مستمرة، حول تايوان، أهمها أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال عدة مرات إن بلاده ستدافع عن تايوان إذا غزتها الصين، وهو ما يمثل تناقضا مع الموقف الأمريكى الرسمى، والمعروف بسياسة «الغموض الاستراتيجى» بشأن هذه الجزيرة، إلا أن البيت الأبيض يكرر أيضا أن الرئيس لم يقصد ذلك، وأن لا تغيير فى موقف واشنطن من مستقبل تايوان.
و أكد بايدن دعم إدارته لسياسة «صين واحدة» التى تعترف بها واشنطن، لكنها فى الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع تايوان.
وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي والمسؤول عن مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية إلى دول أجنبية، مايكل ماكول، أن واشنطن تعمل على إمداد تايوان بالأسلحة سريعًا.
وقال ماكول “نفعل ما بوسعنا في الكونغرس لتسريع هذه المبيعات ومدكم بالأسلحة التي تحتاجون إليها للدفاع عن أنفسكم، وسنؤمن تدريباً لجيشكم، ليس من أجل الحرب، بل من أجل السلام”.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي مايكل ماكول، أمس السبت، أن الكونجرس علي الأغلب سيدعم إرسال قوات أمريكية إلى تايوان في حال هاجمتها الصين.
وأجاب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية عن سؤال حول دعمه لتلك الخطوة، قائلا: “أعتقد أنه إذا غزت الصين الشيوعية تايوان، فأعتقد أنه إذا دعم الشعب الأمريكي قرار إرسال القوات، فإن الكونجرس سيتبع الخطى نفسها”.
وأضاف: “في هذه الحالة سنناقش مع الشعب الأمريكي فيما إذا كان مستعدا لمثل هذه الخطوة، وفيما إذا كانت تايوان تستحق هذا التدخل.”
وتابع: “في رأيي تايوان تستحق هذه الخطوة للكثير من الأسباب”.

وألغت الولايات المتحدة اعترافها بتايوان عام 1979، بينما يُلزم قانون «العلاقات مع تايوان»، صدر فى نفس العام 1979، واشنطن بالمساعدة فى تجهيز تايبيه للدفاع عن نفسها.
وأقر الكونجرس عدة قوانين سهلت وسمحت بتسليح تايوان لتدافع عن نفسها، ودعمت التعاون الثنائى معها فى جميع المجالات، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينهما.
وتؤكد الولايات المتحدة فى العديد من المناسبات أن تعاونها مع بكين ليس ولن يكون على حساب علاقاتها مع تايبيه.
وبدأت حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان فى الظهور مع استعراض الصين عضلاتها العسكرية فى منطقة بحر الصين الجنوبى خلال السنوات الأخيرة.

فى الوقت ذاته، يكرر الرئيس الصينى بنبرة قومية صارمة نيته إعادة ضم الجزيرة ولو اضطر لاستخدام القوة المسلحة.
وخلال كلمته فى افتتاح المؤتمر الــ20 للحزب الشيوعى الصينى قبل أسابيع، تعهد الرئيس الصينى شى جين بينج بتوحيد الصين وتايوان بالقوة إذا لزم الأمر.
وكتب السيناتور كريس ميرفى فى مجلة الإيكونوميست أن «الصين تقترب من واقع الغزو، فى عام 1995 كانت ميزانية الدفاع الصينية نحو ضعف حجم ميزانية تايوان، واليوم هى 20 ضعف ميزانية تايبيه، وهو ما يسمح للصين باستعراض عضلاتها العسكرية بشغف وانتظام على أعتاب تايوان».
شعب تايوان يرفض الانضمام للصين
وترفض الأغلبية الساحقة من سكان تايوان البالغ عددها 40 مليون شخص، الانضمام للصين والوقوع تحت حكم الحزب الشيوعى الصينى. ويستشهد هذا التيار بما جرى مع جزيرة هونج كونج بعد عودتها للوطن الأم، وخسارتها الديمقراطية التى عرفها شعبها لأكثر من مائة عام.
ودانت رئيسة تايوان تساي إينغ وين، السبت، “النزعة التوسعية الاستبدادية” للصين، مؤكدةً أن الجزيرة “ستواصل العمل مع الولايات المتحدة ودول أخرى دفاعاً عن قيم الحرية والديمقراطية”.
وقالت وزارة الدفاع التايوانية إنها “تتابع الوضع”، وكلفت الجيش “الرد” على النشاطات العسكرية الصينية.
قال جيمس شار، الباحث في برنامج الصين في معهد الدراسات الدفاعية والاستراتيجية في سنغافورة، إن التدريبات تؤكد “اعتماد بكين على الخطاب القومي في توجهها لجمهورها المحلي وتسجيلها نقاطاً سياسية في الداخل”.
وأكد لوكالة الصحافة الفرنسية “سيكون من الخطأ تجاهل أن الجيش بدأ تدريباته هذه المرة بعد اختتام ماكرون زيارته الصين”.
وأجرت الصين الصيف الماضي مناورات عسكرية غير مسبوقة حول تايوان، وأطلقت صواريخ رداً على زيارة للجزيرة من قبل الديمقراطية نانسي بيلوسي التي كانت آنذاك رئيسة لمجلس النواب قبل مكارثي.
وتنظر الصين باستياء إلى التقارب الجاري منذ سنوات بين السلطات التايوانية والولايات المتحدة التي تقدم للجزيرة دعماً عسكرياً مهماً على رغم عدم وجود علاقات رسمية بينهما.