أخبارتقارير و تحقيقات

طرابلس على موعد مع الاشتباكات مجددًا…

تعرف على سيناريوهات التصعيد وخطط الإخلاء لمواجهة الأزمة

ترجمة وتحرير: عصام حريرة

خلاصة:

  • من المرجح أن تشهد طرابلس أزمة أمنية حادة في الأيام أو الأسابيع المقبلة، مع تحرك حكومة الوحدة الوطنية ضد ميليشيا منافسة.
  • من المتوقع أن تؤثر الاشتباكات العنيفة بين الميليشيات على المناطق المكتظة بالسكان والبنية التحتية الرئيسية، بما فيها المطار.
  • خيارات الإخلاء محدودة، ما يستلزم أنظمة إنذار مبكر وخطط فعّالة للبقاء في المنزل.

الوضع الحالي وخطورته:

يبدو أن طرابلس على موعد مع أزمة أمنية حادة خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة؛ فقد حشدت الميليشيات المتحالفة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وتحركت نحو العاصمة في الأيام الأخيرة، مهددةً بشن هجوم على “قوات الردع الخاصة” المنافسة “SDF”. وقد وقعت بعض الاشتباكات مؤخرًا في طرابلس والمدن المجاورة، وما زال النزاع بين الحكومة و”قوات الردع الخاصة” دون حل، ومن المرجح أن تشن الحكومة هجومًا مضادًا على قوات الردع، ما قد يؤدي إلى اشتباكات عنيفة تستمر لعدة أسابيع.

حتى إذا تم حل النزاع الحالي، فإن التنافس المستمر بين الميليشيات على الأراضي والنفوذ في العاصمة ينذر بخطر اندلاع صراع مسلح في طرابلس. وقد جرى انتهاك الهدنة الهشة بين الميليشيات المتنافسة في العاصمة في أيار/ مايو عندما أطاح “اللواء 444″، وهو ميليشيا مرتبطة بحكومة الوحدة الوطنية، بجهاز دعم الاستقرار المنافس “SSA”. كما إن استمرار سياسة حافة الهاوية بين الجيش الوطني الليبي بقيادة “حفتر” في الشرق وحكومة الوحدة الوطنية في الغرب يُبقي على خطر القتال بينهما.

وفق الصورة الموضحة آنفًا، فإن تخطيط وتنفيذ عملية استجابة للأزمات في طرابلس يُمثل تحديًا كبيرًا؛ نظرًا لوجود العديد من الميليشيات المتنافسة، وهو ما يجعل هياكل الحوكمة والأمن في المدينة مُجزأة للغاية. ومن شبه المؤكد أن التوازن الهش القائم في المدينة سينهار حال حدوث أزمة حادة، ما يعني أن الاشتباكات ستؤثر على الأرجح على أحياء متعددة. هذا، إضافةً إلى أن القيود المفروضة على التنقل بين المناطق ستجعل الحركة شديدة الخطورة، وغالبًا ما تكون السيطرة على مواقع البنى التحتية الحيوية، مثل مطار معيتيقة الدولي، محل نزاع أثناء التصعيد، وهو ما سيُعقّد عمليات الإخلاء.

هذا التقرير يستعرض معلومات حول التخطيط للأزمات والطوارئ في طرابلس بناءً على بيئة العمل الحالية، والتغيرات المحتملة حال حدوث أزمة، ويحدد السيناريو الأكثر ترجيحًا للأزمة الحادة في سياقها. لكن التقرير سيركز على الاعتبارات التكتيكية ذات الصلة بتخطيط وإدارة جميع أنواع الأزمات الحادة، والتي تشمل: التنقلات، والإخلاء، والاحتماء في الأماكن، والاتصالات.

السيناريو الأكثر ترجيحًا: اندلاع اشتباكات بين الميليشيات:

من المرجح أن تنفذ القوات المرتبطة بحكومة الوفاق الوطني هجومًا على قوات الردع الخاصة في الأيام أو الأسابيع القادمة؛ ففي أيار/ مايو الماضي أطاح “اللواء 444” الموالي لحكومة الوفاق، بإحدى جماعتين مسلحتين رئيسيتين متنافستين في العاصمة، ثم حاول التقدم ضد قوات الردع الخاصة، لكن تم إحباط تقدمه. ووافقت الجماعات بعد ذلك على وقف إطلاق النار الذي صمد حتى الآن، رغم الاشتباكات المتكررة بشكل شبه أسبوعي في العاصمة.

لكن يبدو أن وقف إطلاق النار ينهار الآن؛ فهناك دلائل على أن قوات الأمن المرتبطة بحكومة الوفاق الوطني تُعدّ لهجوم كبير في طرابلس؛ حيث حشدت عدة ميليشيات وتحركت نحو العاصمة خلال الأسبوع الماضي. من جهته، طالب “الدبيبة” مؤخرًا قوات الردع الخاصة بتسليم مواقع استراتيجية هناك، مثل مطار معيتيقة والسجن، لكنها رفضت ذلك، واندلعت اشتباكات مسلحة محدودة في العاصمة. ومن المرجح أن يدور القتال وسط طرابلس، خصوصًا حول المواقع الحيوية لعمليات الإجلاء، مثل الميناء وسط طرابلس ومطار معيتيقة شرقًا، وهذه مواقع استراتيجية رئيسية من شبه المؤكد أن تتنازع الميليشيات على السيطرة عليها.

وعلى الأرجح لن تقتصر الاشتباكات على طرابلس؛ ففي مثل هذه التصعيدات مالت الميليشيات في المدن المجاورة، مثل الزاوية، إلى التعبئة دعمًا للقوات الموالية أو المعارضة لحكومة الوحدة الوطنية، ولا يوجد ما يشير إلى أنها ستتصرف بشكل مختلف هذه المرة، ومن شبه المؤكد أن انخراطها سيُعقّد طرق الخروج المحتملة من طرابلس.

وفيما يلي بعض المؤشرات على قرب اندلاع اشتباكات في طرابلس:

  • انسحاب “الكتيبة 461″، وهي ميليشيا تُنفذ وقف إطلاق النار، من طرابلس.
  • تحذير حكومات أجنبية أو بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من تصاعد الوضع الأمني، ونصحها للمواطنين بالمغادرة فورًا.
  • إعلان حكومة الوحدة الوطني أو قوات الردع الخاصة علنًا عن انهيار أي محادثات غير رسمية تهدف لحل الأزمة.
  • إعلان الميليشيات في العاصمة حظر تجول ليلي.
  • إخلاء شركات الطيران طائراتها من مطار معيتيقة.
  • نقل الجماعات المسلحة أسلحة ثقيلة، مثل المدفعية والدبابات، نحو المناطق المتنازع عليها في العاصمة، مثل معيتيقة ومقرات الميليشيات.
  • وصول تعزيزات إضافية من المدن المجاورة إلى العاصمة.
  • إعلان وسائل إعلام محلية عن محاولات اغتيال قادة ميليشيات رئيسيين (قوات الردع الخاصة أو اللواء 444 تحديدًا).
  • إقامة الجماعات المسلحة المتنافسة حواجز طرق أو اشتباكها على الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة.

صعوبة وخطورة الحركة في طرابلس حال اندلاع اشتباكات:

في حال وقوع اشتباكات بين الميليشيات، من المؤكد أن تصبح الحركة عبر طرابلس خطرة ومحدودة بشدة؛ حيث تسيطر الجماعات المسلحة على مناطق وبنى تحتية رئيسية في جميع أنحاء المدينة، وغالبًا ما تتضمن الاشتباكات في طرابلس استخدام أسلحة ثقيلة في المناطق المكتظة بالسكان؛ ففي أيار/ مايو الماضي أصابت ضربات مدفعية مواقع الميليشيات والبنية التحتية المدنية في الأحياء السكنية. ومن المرجح أيضًا أن يتركز القتال في المناطق المتنازع عليها على طول خطوط المواجهة للميليشيات، وحول المواقع الاستراتيجية مثل مقر الميليشيات والميناء ومطار معيتيقة الدولي، وستمتد الاشتباكات على الأغلب إلى الضواحي الجنوبية.

إن هذا التشتت في السيطرة يزيد من خطر اندلاع أعمال عنف متزامنة ومفاجئة في جميع أنحاء المدينة، ما يقلل بشدة من الطرق الآمنة ويجعل التنقل عبر المدينة شديد الخطورة. كما إن السلطات قد تفرض حظر تجول خلال فترات العنف، ما يحدّ بشكل أكبر من خيارات التنقل؛ فقد أعلنت حكومة الوحدة الوطنية حظر تجول ليلي في جميع أنحاء وسط طرابلس خلال الاشتباكات بين “اللواء 444” وقوات الردع الخاصة في أيار/ مايو الماضي. وهذه القيود ستُفاقم خطورة الوصول وتُعيق عمليات الإجلاء وتحدّ من قدرة المستجيبين أو السكان على الانتقال بأمان. ولا يُعرف أي الطرفين سيُقدّم إعفاءات رسمية للأجانب، وذلك لأن مجموعات مختلفة تُسيطر على نقاط تفتيش مُختلفة، ومن المُرجّح أن يكون تطبيق أي توجيه من هذا القبيل غير مُتسق وغير قابل للتنبؤ.

عمليات الإجلاء واعتبارات الإجلاء الجوي:

تُوفّر الطرق الجوية والبحرية أسرع خيارات للخروج من طرابلس خلال الأزمات، لكن لا يُتوقع أن تكون نقاط الخروج لكليهما مُتاحة خلال التصعيد؛ حيث يعتبر مطار معيتيقة الدولي والميناء موقعين استراتيجيين رئيسيين ونقاطًا محورية مُحتملة للاشتباكات، ما سيجعل استخدامهما غير متوقع بالمرة. وإذا تعذر الوصول إليهما، فسيكون الإجلاء برًا هو البديل الوحيد للاحتماء في المكان، لكن السفر برًا في ليبيا يُمثّل تحديًا كبيرًا؛ فالطريق إلى تونس عبر الزاوية محفوف بالمخاطر حتى في أوقات السلم، مع ارتفاع خطر سرقة السيارات والسطو والعنف عند نقاط تفتيش الميليشيات.

ويعتبر مطار معيتيقة الدولي، الواقع شمال شرق المدينة، المطار الوحيد العامل للرحلات الدولية من طرابلس، وقد كان هذا هو الحال منذ أن تعرض مطار طرابلس الدولي، الواقع على بُعد حوالي 30كلم جنوب المدينة، لأضرار بالغة خلال القتال عامي 2014 و2019. ولا توجد رحلات مباشرة بين طرابلس وأوروبا، لكن العديد من شركات الطيران الإقليمية، بما في ذلك “مصر للطيران” و”الملكية الأردنية” و”الخطوط الجوية التركية”، تُشغّل رحلات شبه يومية من وإلى مدن مثل عمّان والقاهرة وإسطنبول وتونس. كما تتعرض حركة مطار معيتيقة لخطر الاضطرابات خلال فترات النزاع؛ حيث يخضع المطار حاليًا لسيطرة “قوات الردع الخاصة”، التي يقع مقرها الرئيسي بجوار المطار، وغالبًا ما يكون نقطة محورية رئيسية خلال نوبات القتال؛ حيث تُهدد الميليشيات المتنافسة بشن هجمات على المطار أو تُشنّ هجمات عليه، وهذا عادةً ما يؤدي إلى تأخير أو تعليق الرحلات الجوية.

اعتبارات الإجلاء البحري:

في حال استحالة الإجلاء الجوي، يُمثل ميناء طرابلس البحري طريق خروج بديل؛ حيث يتمتع الميناء بسعة إرساء تجارية مناسبة للسفن المتوسطة والكبيرة، ويمكن استخدامه لعمليات الإجلاء البحري الخاصة أو عمليات الإجلاء التي تُنسقها الحكومة، إذا تم تأمين الوصول في الوقت المناسب، لكن موثوقيته في أوقات الأزمات غير مؤكدة. ويعتبر الميناء رصيدًا استراتيجيًا رئيسيًا، ومن المرجح أن يكون نقطة اشتعال خلال التصعيد؛ وإن كانت حكومة الوفاق الوطني هي التي تسيطر على الميناء، لكن الجماعات المسلحة المتنافسة تسيطر على المناطق المحيطة به، وفي أيار/ مايو، تسبب القتال بالقرب من الميناء في تعليق كامل للعمليات لعدة أيام.

ومن المرجح أن تشمل عمليات الإجلاء البحري إما عمليات نشر بحرية بالتنسيق مع الدول الأوروبية، أو سفنًا متعاقدة مع جهات خاصة، كما حدث خلال اشتباكات عامي 2014 و2019. ومن المحتمل أيضًا ترتيب عمليات إجلاء بحري خاصة؛ حيث تشمل وجهات الإجلاء المحتملة فاليتا (مالطا)، وجرجيس (تونس)، ولارنكا (قبرص)، مع أن جميعها تتطلب تنسيقًا مسبقًا ونقلًا آمنًا إلى الرصيف.

وقد اقترح مسؤول أمني موثوق ذو خبرة في عمليات الإجلاء إمكانية استخدام مناقصات لنقل الأشخاص على طول الساحل، ويُمكن الوصول إلى الساحل نفسه في العديد من المناطق، لكن الوصول إليه يتطلب عبور الطريق الساحلي، الذي غالبًا ما يكون متنازعًا عليه أو مغلقًا من قِبل الجماعات المسلحة خلال التصعيد.

اعتبارات الإجلاء البري:

في حال عدم توفر الطرق الجوية والبحرية، سيصبح الإجلاء البري غربًا باتجاه تونس خيار الخروج الوحيد المتبقي؛ إذ يمتد الطريق المباشر على طول الطريق الساحلي عبر الزاوية وصبراتة إلى معبر رأس جدير الحدودي، ومع ذلك فإن هذا الامتداد خطير للغاية حتى في أوقات السلم. فأجزاء كبيرة من الطريق تسيطر عليها جماعات مسلحة متعددة، مثل ميليشيات من الزنتان ومصراتة، وتدير نقاط تفتيش عليه؛ وقد يواجه المسافرون الابتزاز أو الاحتجاز أو السرقة. فهذا الخيار لا يُجدي نفعًا إلا بوجود مُنسقين محليين قادرين على تنظيم المركبات والمرور عند نقاط التفتيش، وبالتالي فإن معبر رأس جدير نفسه يُصبح عائقًا رئيسيًا خلال الأزمات، ما يؤدي للتأخير لساعات إن لم يكن أكثر.

وهناك طريق بديل يمتد جنوبًا من طرابلس عبر غريان باتجاه تونس عبر نالوت ومعبر الذهيبة-وازن، وقد كان أيضًا مسرحًا للقتال خلال الاشتباكات السابقة. وهذا الطريق يتميز بأهمية استراتيجية، ويمكن استخدامه مجددًا كطريق إمداد أو ممر للتعبئة حال وقوع اشتباكات عنيفة بين الميليشيات أو صراع أوسع بين الشرق والغرب، لكن من المرجح أن تقيم الجماعات المسلحة نقاط تفتيش على هذا الطريق أيضًا.

تحديات بقاء الناس في أماكنهم

مع محدودية خيارات الإخلاء، قد يجد الأفراد والمنظمات أنفسهم مضطرين لإصدار أوامر لموظفيهم بالبقاء في أماكنهم لفترات طويلة، ونظرًا لاحتمال تأثير العنف على أحياء متعددة وبنى تحتية حيوية، فقد تستمر فترات تقييد الحركة لأيام أو حتى أسابيع، ما يتطلب توفير سلع أساسية تكفي لهذه الفترات، مثل الغذاء والماء والوقود والمؤن الطبية. ولا توجد تقارير عن نقص كبير حتى الآن، ويُمكن للمولدات واحتياطيات الوقود، التي يبدو أنها ما زالت متوفرة بسهولة، أن تُخفف من حدة انقطاع التيار الكهربائي.

تحدي انقطاع الاتصالات:

تُعد تغطية الهاتف المحمول وقوة الشبكة في طرابلس جيدة بشكل عام في الظروف العادية، خصوصًا في المناطق الوسطى، لكن التغطية قد تُصبح أضعف خلال فترات الأزمات. وقد قامت السلطات الحكومية والميليشيات بإغلاق شبكات الإنترنت والهاتف مرارًا وتكرارًا أثناء الاشتباكات أو الاضطرابات، (بما في ذلك بعد انهيار سد درنة عام 2023)، لكن أنظمة الاتصالات المستقلة، مثل الهواتف عبر الأقمار الصناعية، تُوفر حلولًا احتياطية. وقد أدى الصراع الأهلي على مدى أكثر من عقد إلى تراجع البنية التحتية للاتصالات في ليبيا، وهذا ما يُفاقم ضرر ظاهرة مناخية قاسية، مثل الفيضانات، على البنية التحتية للاتصالات أو يسبب انقطاعًا للتيار الكهربائي، ويؤدي إلى انقطاع خدمات الهاتف المحمول والإنترنت.

المصدر: موقع دراجونفلاي إنتيليجنس Dragonfly Intelligence

ترجمة حصرية 17-9-2025

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews