لماذا عجزت أمريكا وأوروبا عن إجلاء رعاياهم رغم تجاربهم بأفغانستان؟.. هذه أسباب خروج السودان عن سيطرة المجتمع الدولي

محمد الليثي – شبكة مراسلين
ما أن أعلن البيت الأبيض، مساء أمس الجمعة، عن عدم وجود جهود حكومية لإجلاء المواطنين الأمريكيين في السودان، وإعلان الخارجية الأمريكية عدم مسئوليتها عن الأمريكيين المتواجدين في السودان، مبررة ذلك بأنها حذرتهم من الذهاب هناك قبل عام نتيجة هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية هناك، حتى أثارت تصريحات واشنطن، بل عجزها إن صح التعبير عن إنقاذ رعاياها، علامات استفهام عديدة، حول خطورة الوضاع في السودان، خاصة بعد خرق الهدنة للمرة الرابعة على التوالي في أقل من أسبوع، وما هو مدى سيطرة المجتمع الدولي على المتحاربين في السودان، في ظل خرق الهدنة بعد إعلاناها بدقائق معدودة.
السودان خارج السيطرة
وبالرغم من الاتصالات الدولية المكثفة التي يتم الإعلان عنها ما بين الحين والأخر، بأطراف الحرب السودانية، لوقف القتال، خاصة في ظل تدهور الأحوال الإنسانية، والاستغاثات الي يتم توجيها على مدار الساعة من نقابة الأطباء السودانية ومنظمة الصحة العالمية، وخروج المستشفيات عن نطاق الخدمة، إلا أن هذه الاتصالات لم تجد نفعا لوقف القتال ولو لساعتين فقط، من أجل إنقاذ الضحايا أو إجلاء الرعايا.
ومع اشتعال القتال في مطار الخرطوم وحالة عدم الأمان في الأجواء ، لم تتمكن دول من بينها الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسبانيا من إجلاء موظفي السفارة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أمس الجمعة، إن الجيش الأمريكي يعد خيارات لإخلاء السفارة الأمريكية في السودان في الوقت الذي تدرس فيه إدارة بايدن ما إذا كانت ستسحب أفرادًا من عاصمة البلاد غير المستقرة بشكل متزايد.
وقال أوستن في مؤتمر صحفي في رامشتاين إير: “لقد نشرنا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طُلب منا القيام بشيء ما. ولم تتم مطالبتنا بفعل أي شيء بعد”. قاعدة في ألمانيا. ولم يتخذ قرار بشأن أي شيء “.
وقال مسؤولان أمريكيان إن قرارا بشأن إخلاء محتمل للسفارة من المتوقع قريبا ، لكن لم يتضح ما إذا كان سيكون هناك إعلان عام.

اتصالات دون جدوى
وبالرغم من إعلان الهدنة للمرة الرابعة على التوالي، بين الجيش السوداني وبين قوات الدعم السريع، إلا أنها فشلت مجددا قبل أن تبدأ، رغم جهود المجتمع الدولي وزعماء العالم في الاتصال بالمتحاربين لوقف إطلاق النار، من أجل إنقاذ رعاياها، بعد انهيار الأحوال الإنسانية.
بدأت القوات التي يقودها اثنان من زعماء التحالف السابق في المجلس الحاكم في السودان صراعا عنيفا على السلطة في نهاية الأسبوع الماضي. ولقي المئات حتفهم حتى الآن وتوجهت دولة تعتمد على المساعدات الغذائية إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه كارثة إنسانية.
وتكررت اتصالات قادة الدول وزعمائها بالطرفين المتحاربين، في السودان لوقف القتال دون جدوى، حيث تفشل الهدنة في كل مرة، بعد ثوان من الإعلان عنها.
واتصل رئيس الأركان المشتركة بالولايات المتحدة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، بقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، وناقش معه سلامة الأمريكيين في السودان خلال اتصال هاتفي أمس الجمعة، وطالبه بوقف القتال وقبول الهدنة من أجل إعطاء الفرصة لإنقاذ رعايا بعض الدول، على رأسها أمريكا ودول أوروبا، ومع ذلك فشلت الهدنة مجددا.
كما فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقناع المتحاربين في وقف القتال بشكل حقيقي، والجلوس على طائلة المفاوضات.
فضلا عن أن الجيش الألماني الذي يستعد لإجلاء رعاياه من السودان، حتى الآن يعلن صعوبة هذه المحاولة، بعدما فشل في محاولة سابقة بسبب خطورة الوضع الأمني على الأرض.
وكان قد حاول الجيش الألماني يوم الأربعاء الماضي، إجلاء مواطنيه بالطائرة، لكن الوضع الأمني اعتبر خطيراً للغاية ما حال دون تنفيذ المهمة.
تجهز الحكومة الألمانية عدة خيارات لإجلاء مواطنيها من السودان، بحسب ما نقلت “دويتش فيله” عن وزيرة الخارجية أنالينا بربوك.
وقالت بيربوك في برلين أمس الجمعة (21 أبريل 2023) بعد اجتماع لفريق الأزمة في وزارة الخارجية الألمانية: “الوضع مأساوي للغاية ومربك للغاية”. “نحن نعد خيارات مختلفة”.
ويتزايد يومياً عدد الألمان الذين أبلغوا عن الرغبة في إجلائهم من السودان وهو حاليًا في “نطاق أقل من ثلاثة أرقام”.
وقال ناطق باسم وزارة الدفاع الألمانية أمس الجمعة، إن القوات المسلحة تبدأ استعدادات للقيام بمحاولة جديدة لإجلاء مواطنين ألمان من السودان.
وأضاف “تضع القوات المسلحة الألمانية خيارات من أجل ترحيل مواطنين ألمان وأشخاص آخرين من السودان وذلك من أجل حمايتهم .

ارتباك دولي
وقال عبدو دينق ، كبير مسؤولي المساعدات الأممية في السودان ، يوم الخميس إن الأمم المتحدة تحاول إخراج موظفين من مناطق “خطيرة للغاية” في السودان لنقلهم إلى مواقع أكثر أمناً.
وقال دينغ إنه نُقل إلى منطقة أكثر أمانًا يوم الأربعاء.
ولدى الأمم المتحدة حوالي 4000 موظف في السودان ، منهم 800 موظف دولي.
وقال مصدر في الأمم المتحدة ، إن هناك 6000 آخرين من أفراد أسر موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها في السودان.
وقالت سويسرا أمس الجمعة إنها تدرس سبل إجلاء مواطنيها من السودان ، وقالت السويد إنها ستجلي موظفي السفارة والأسر في أقرب وقت ممكن.
وقال جون كيربي ، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض ، إن الرئيس جو بايدن وافق على خطة هذا الأسبوع لنقل القوات الأمريكية إلى مكان قريب في حالة الحاجة إليها للمساعدة في إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين، دون تحديد المكان.
وكانت رويترز قد أبلغت في السابق عن تغيير موقعها إلى جيبوتي.
وقال كيربي للصحفيين “نحن ببساطة نجهز مسبقا بعض القدرات الإضافية في مكان قريب في حالة الحاجة إليها”.
كما أن الطائرات العسكرية الإسبانية في حالة تأهب وجاهزة لإجلاء حوالي 60 مواطنا إسبانيا وآخرين من الخرطوم ، وأرسلت كوريا الجنوبية طائرة عسكرية للوقوف في قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي لإجلاء رعاياها عندما يكون ذلك ممكنا.

لماذا فشلوا؟
وبررت مصادر سودانية في تصريحات لـ”شبكة مراسلين” بأن الهدنة الأخيرة التي تم الإعلان عنها مساء الجمعة فشلت وستفشل الهدنة التي سيتم الإعلان عنها اليوم وغدا، لسبب بسيط جدا، هو أن قوات الدعم السريع هي مجموع من القطعان الخارجة عن السيطرة.
وأضافت المصادر لـ “مراسلين“، أنه في ظل هذه الظروف التي تشهدها السودان، وصعوبة الموقف المبني على تركيبة المتحاربين والحسابات المعقدة في السودان، من قبلية وعرقية ووجود مرتزقة، وتدخل جهات إقليمية تعمل لمصالحها، مثل وجود “فاغنر” في السودان، وبعض المقاليت المرتزقة الذين يعملون لحساب مصالحهم من القيام بأعمال نهب وسرقة، من المؤكد أن يؤدي هذا كله لفشل الهدنة السابقة والهدنة القادمة.
وأشارت المصادر، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ليسوا ساذجين، ويعرفون جيدا خطورة الوضع على الأرض، من وجود قوات لفاغنر واعتماد قوات الدعم السريع على بعض المرتزقة والمجندين بالمال، فضلا عن وجود جهات استخباراتية وإقليمية في هذا الملعب الواسع، وبالتالي خطوة أن تقوم بعملية لإجلاء دبلوماسيين ورعايا صعبة بالقدر، الذي تعرف فيه واشنطن نفسها بأنها مخاطرة كبيرة، وتحتاج لجهد واسع من أجل تحين اللحظة المناسبة لإجلاء الرعايا.
واستشهدت المصادر بوجود القوات المصرية حتى هذه اللحظة في السودان، رغم تحرير قوات الدعم السريع لهم بعد أن احتجزتهم لأيام، وبالرغم من هذا لم يصل الجنود حتى الآن لمصر، وتم تسليمهم للسفارة المصرية بالسودان.

فيما قال دبلوماسي غربي، إن وضع الإجلاء في السودان هو من أصعب الأوضاع التي شهدوها ، حيث يركز الأمريكيون على الأرجح على وقف إطلاق النار واستخدام ذلك لإخراج الأفراد.
وقال الدبلوماسي: “في هذه الحالة ، تبدأ الحرب الأهلية في العاصمة ، والقتال هو بالضبط مكان السفارات والمطار. إنه أمر صعب بشكل غير عادي”.
وقال كاميرون هدسون ، خبير السياسة الأمريكية في إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمدير السابق للشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي ، إن مستوى العنف في الخرطوم يجعل وضع الإجلاء غير متوقع.
وقال هدسون: “التحدي الرئيسي هو أن هناك حربًا تدور في جميع أنحاء المدينة والمطار الدولي في وسط المدينة لا يعمل حاليًا ، لذا فإن التحدي هو نقل الناس إلى مكان آمن لإجلائهم”.

واشنطن تتنصل من رعاياها
ولعل أخطر ما يدلل على صعوبة الوضع في السودان، وخروج الأمر عن السيطرة، البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية مساء أمس الجمعة، حيث قالت إن المواطنين الأمريكيين العاديين في السودان يجب ألا يتوقعوا إجلاءً منسقًا من قبل الحكومة الأمريكية.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة على اتصال بعدة مئات من المواطنين الأمريكيين الذين يُفهم أنهم موجودون في السودان.
في الوقت الذي أكدت وزارة الخارجية الأمريكية وفاة مواطن أمريكي في السودان.
ودافع البيت الأبيض، أمس الجمعة، عن قرار عدم توجيه جهود من قبل الإدارة الأمريكية لإجلاء المواطنين الأمريكيين من السودان، حيث تدور الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، في مؤتمر صحفي، إن وزارة الخارجية الأمريكية تحذر من الذهاب إلى السودان “منذ العام الماضي”، وأضافت أنه “ليس من إجراءاتنا المعتادة إجلاء المواطنين الأمريكيين الذين يعيشون في الخارج”.
وتابعت: “وزارة الخارجية تبذل قصارى جهدها لتوفير المعلومات للمواطنين الموجودين في الخارج وتحذيرهم عند الضرورة”.
وذكرت: “عندما يتعلق الأمر بالسودان، فقدمنا تحذيرا من المستوى الرابع منذ عدة أشهر، وأبلغنا الأمريكيين الموجودين هناك بأن يغادروا البلاد إذا استطاعوا، وكذلك حذرنا من السفر إلى السودان، وكنا واضحين جدا بشأن ذلك”.
وقالت المتحدثة عن الجهود التي قامت بها الإدارة الأمريكية لإجلاء الأمريكيين من أفغانستان أنها “كانت وضعا استثنائيا وليس القاعدة، لأسباب عديدة، بما في ذلك وجود عسكري كبير، وإنهاء صراع استمر 20 عاما هناك”.
وقالت: “على سبيل المثال، في ليبيا واليمن وسوريا، لم نوفر عمليات إجلاء واسعة النطاق للمواطنين الأمريكيين حتى مع انهيار تلك الحكومات، وبدلا من ذلك، كنا نحث الأمريكيين على استخدام الرحلات التجارية لمغادرة البلاد بينما كانت هذه الخيارات لا تزال متاحة بسهولة، كما قدمنا المساعدة المالية لأولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة”.
وحثت السفارة الأمريكية في السودان، الأمريكيين مجددا على البقاء في منازلهم ونصحتهم بعدم الذهاب إلى السفارة.
وقالت السفارة الأمريكية، في تنبيه أمني، إنها “تواصل مراقبة الوضع في الخرطوم والمناطق المحيطة بها عن كثب، حيث يدور القتال، كما وردت تقارير عن حدوث اعتداءات واقتحامات لمنازل وأعمال نهب”.
