محللون سودانيون لـ”شبكة مراسلين”: سرعة إجلاء الرعايا الأجانب معناه غض الطرف عن جرائم حرب محتملة

محمد الليثي – شبكة مراسلين
أثارت مسارعة المجتمع الدولي لإجلاء رعاياه من السودان، علامات استفهام متعددة، حول سر تسرع المجتمع الدولي في هذا الإجراء، فضلا عن غلق عدد من السفارات الأوروبية، مثل السفارة الفرنسية والأمريكية، فضلا عن النصائح المستمرة بعدم خروج أي مواطن من منزله خلال الأيام المقبلة لمن لم يتم إجلائه حتى الآن.
شواهد تؤكد احتمالية ارتكاب جرائم حرب
وأثارت كل من صحيفة “وول ستريت جورنال” ) و “واشنطن بوست” الأمريكيتين، تساؤلات عن سبب إجلاء واشنطن السريع لموظفيها الأمريكيين من السودان وتخلّيها عن الأمريكيين-السودانيين.
وفسر محللون سياسيون وخبراء في الشأن السوداني، أن هناك قراءة ميدانية للوضع في السودان، تكشف أسباب تسرع عدد من دول أوروبا وأمريكا والدول العربية، في إجلاء موظفيهم ورعاياهم من السودان، أبرزها عمليات النهب والسرقة والقتل التي تمت خلال اليومين الماضيين، فضلا عن فشل دول عظمى مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي في إجلاء رعاياهم طوال ثمانية أيام كاملة، بالرغم من الضغط على قوات الدعم السريع لفتح ممرات آمنة لإجلاء رعايا الدول الأجنبية.
وأضاف المحللون، طلبوا عدم ذكر أسماءهم، في تصريحات لـ “شبكة مراسلين” اليوم الاثنين، أن قوات الدعم السريع وافقت مؤخرا، على فتح ممرات آمنة لإجلاء الرعايا الأجانب، رغم الفوضى المنتشرة في قواتها نتيجة اعتماد هذه القوات على عدد كبير من المرتزقة، وذلك بسبب رغبة قادة قوات الدعم السريع في عدم رصد أي مظاهر للجرائم التي يتم ارتكابها في البلاد، خاصة وأن هذه القوات خارجة عن السيطرة، وربما تقوم بعمليات قتل وجرائم حرب في الأيام القادمة.
وأوضح الخبراء، أن هناك شواهد على فوضى قوات الدعم السريع، ومدى همجيتها، أبرزها حرق طائرة ركاب سعودية بمجرد الاستيلاء على مطار الخرطوم، وحرق طائرة أممية، فضلا عن معلومات غير رسمية أثبتت حرق طائرات حربية مصرية، بالإضافة إلى قطع طرق والقتال بوسط الشوارع الرئيسية بالخرطوم، والاحتماء بالمنازل السكنية، والتقاط صور موثقة تثبت عمليات سرقة ونهب لقوات الدعم السريع للمحلات والمتاجر.

وأشارت إلى أن القسوة التي تعرف عن قوات الدعم السريع في حروبها، تشبه بحد كبير حرب الشوارع، فضلا عن أن هناك شواهد تاريخية في دارفور، أثبتتها جرائم قوات الدعم السريع ضد أكثر من 3 مليون سوداني هناك، وصلت لحد جرائم الإبادة و القتل المنهجي لرجال ونساء وأطفال دارفور خلال الصراع غرب السودان، حتى قادت المحكمة الجنائية الدولية لتقديم لائحة اتهام عدة لأشخاص في نظام عمر البشير الذي أمر بتكوين هذه القوات للسيطرة على هذا الإقليم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية واغتصاب النساء والتهجير القسري والتعذيب.
وبحسب المصادر، أشارت إلى فض اعتصامات وتظاهرات 2019، بالخرطوم من قبل قوات الدعم السريع، إبان خروج السودانيين للمطالبة بالديمقراطية وتسليم الحكم للمدنيين بعد التخلص من نظام البشير، منوهة إلى أن المعلومات المؤكدة كشفت أن اللواء عبد الرحيم دقلو شقيق محمد حمدان دقلو هو من أإمر بفض هذه التظاهرات بالقوة المسلحة، ما خلف 127 قتيلا وقتها، بالرغم من عمل قوات الدعم السريع والجيش السوداني معا في هذا التوقيت، لكن قوات الدعم السريع هي من ارتكبت أيضا هذه المذبحة.
صحف تكشف أسباب الإجلاء
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلا عن خبراء أمنيين ومسئولين سابقين في الحكومة الأمريكية، انتقاد واشنطن وحكومات غربية أخرى بأنها أخطأت في قراءة الوضع السياسي في السودان والذي كان ينذر بتهديد وشيك، وبأنها كانت متفائلة أكثر من اللازم بشأن الموافقة السابقة للجنرالات على تسليم السلطة للمدنيين.
ولفتت إلى قول مسئولي الحكومة الأمريكية إنهم، في الوقت الحالي على الأقل، لم يعدّوا خططا لإجلاء المواطنين الأمريكيين غير الدبلوماسيين المقدر عددهم بنحو 20 ألفا، كثير منهم يحملون جنسية مزدوجة، وذلك بسبب استمرار الاشتباكات.
ونقلت عن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإدارية جون باس للصحفيين، بعد مدة وجيزة من هبوط أفراد أميركيين بأمان في قاعدة أمريكية في جيبوتي، القول إنه لا يتوقع إجلاء غير الدبلوماسيين في هذا الوقت أو في الأيام المقبلة نتيجة لعدم توفر مطار مدني.
وأضاف هدسون أن واشنطن والمجتمع الدولي يؤمنون بما تقوله لهم أطراف الصراع في السودان من أنهم ملتزمون حقا بانتقال مدني للسلطة، مفسرا اندلاع العنف بسرعة كبيرة بأن أطراف الصراع كانوا يستعدون للحرب في الوقت الذي كانوا يتحدثون فيه إلى أمريكا والمجتمع الدولي عن استعدادهم لنقل السلطة إلى المدنيين؛ “كنا نخطط للنجاح وتجاهلنا إمكانية الصراع”.
وقال السيد باس للصحفيين إن الولايات المتحدة لديها نصيحة لمواطنيها في السودان منذ أكثر من عقد تحذرهم فيها من السفر إلى البلاد، مضيفا “لطالما كان السودان بيئة خطرة”.
وفي ظل الظروف المثالية، تقول الصحيفة إن الرحلة من الخرطوم إلى بورتسودان يمكن أن تستغرق على البحر الأحمر 14 ساعة، لكن السفر في مجموعات والتعامل مع نقاط تفتيش مسلحة يمكن أن يجعل تلك الرحلة تستغرق 20 ساعة.

جهود أمريكية لتسهيل السفر
وتقول وزارة الدفاع الأمريكية إنها تبحث عن طرق لجعل هذا الطريق البري إلى بورتسودان أكثر أمانا، من ذلك النشر المحتمل لأدوات المراقبة لاكتشاف التهديدات على طول الطريق وإرسال سفن تابعة للبحرية بالقرب من بورتسودان لإجلاء المواطنين الأمريكيين.
ونسبت الصحيفة إلى ديل باكنر، الرئيس التنفيذي لشركة “غلوبال غارديان”، وهي شركة أمنية خاصة مقرها الولايات المتحدة، قوله إنه تلقى مكالمات محمومة من أجانب وأصحاب عمل يسعون جاهدين لإخراجهم من السودان، موضحا أن فريقه نقل عشرات المغتربين من السودان إلى مصر وإريتريا في الأسبوع الماضي، وتعرضوا في بعض الأحيان لنيران المدفعية والهاون والأسلحة الخفيفة.
وأضاف باكنر قائلا إنه يتعين على فرق الإنقاذ التابعة لهم اجتياز عشرات نقاط التفتيش في منطقة حرب نشطة، مشيرا إلى أن لديهم مئات من العملاء الآخرين بالانتظار “لكن الوضع يزداد خطورة”.
فيما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” إن هناك قرابة 16 ألف مواطن أمريكي -غالبيتهم العظمى مزدوجو الجنسية ولا يعملون لدى الحكومة الأمريكية- ما زالوا في السودان.
ونقلت عن مسئولين أمريكيين قولهم إنهم لم يتمكنوا من إجلاء هؤلاء المواطنين لأن الخطر كان كبيرا للغاية، وإنهم يقدمون إرشادات حول طرق الهروب ومعلومات لوجستية أخرى.
ونقلت “واشنطن بوست”، غضب بعض المواطنين من عدم إجلائهم، ونقلت تغريدة من أحدهم وهي داليا محمد عبد المنعم، من سكان الخرطوم هربت من منزلها بعد سقوط قذيفة هاون عليه، تقول فيها: “إلى المفاوضين الغربيين.. وضعتمونا في هذه الفوضى وأنتم الآن تسرعون لتأخذوا أقرباءكم (من يهمكم أمرهم) وتخلفونا وراءكم تحت رحمة هذين المريضين النفيسيين -السيكوباتيين- القاتلين”.
