تقارير و تحقيقاتثقافة وفنسلايدرعربي و دولي
أخر الأخبار

حيفا .. ألبومات العائلات الفلسطينية توثيق للتاريخ ونضال من أجل البقاء

من حيفا : سامية عرموش

تُعدّ مدينة حيفا من أبرز المدن الفلسطينية التي تحمل إرثًا تاريخيًا وثقافيًا عريقًا. ورغم النكبات المتعاقبة والتحديات التي فرضتها التغيرات السياسية، لا تزال العائلات العربية الفلسطينية تُحافظ على هويتها ووجودها في المدينة، متشبثةً بجذورها وموروثها الثقافي. عبر ألبومات الصور العائلية القديمة، يستعيد الفلسطينيون في حيفا ذكريات الماضي، في محاولة لحفظ تاريخهم وتعزيز انتمائهم.

حيفا قبل النكبة: مجدٌ وتاريخ

قبل نكبة عام 1948، كانت حيفا مدينة نابضة بالحياة، تمتاز بتعددها الثقافي وتنوعها الاجتماعي، حيث كان الفلسطينيون يشكلون جزءًا أساسيًا من نسيجها الحضري، مزدهرين في مجالات التجارة، التعليم، الصحافة، والفكر. ومن أحيائها العريقة، وادي النسناس، الحليصة، والكرمل، حيث شهدت هذه الأحياء نشاطًا اقتصاديًا وثقافيًا مزدهرًا. لكن التهجير القسري الذي أعقب النكبة غيّر ديموغرافية المدينة، حيث تحوّل معظم سكانها الفلسطينيين إلى لاجئين، بينما بقيت قلة قليلة تحاول التمسك بموطنها رغم التحديات.

ذكريات العائلات الفلسطينية: شهادات حيّة من الماضي

تحكي الناشطة نوال أبو عيسى، التي تعمل على تطوير المحتوى التربوي في “بيت الكرمة”، عن ألبوم صور عائلتها الذي بقي شاهدًا على تاريخها. تقول: نوال أبو عيسى: “الصورة هي كل ما تبقى من بيت والدي المهدم”

“إحدى الصور العزيزة على قلبي هي تلك التي التُقطت عام 1947، حيث يجلس والدي بين زملائه وأساتذته. لم يكن عمره يتجاوز 14 عامًا حينها، لكنه بدا شامخًا في الصورة، وكأنّه يُدرك أنّ الأقدار ستحمله إلى مستقبل مجهول.”

تضيف نوال أن هذه الصورة هي كل ما تبقى من منزل والدها في طيرة حيفا، وكانت هذه الصورة الوحيدة التي انتُشلت من تحت الأنقاض، ولها مكانة معنوية كبيرة عندي، لأنها ترسخ ذكرى وذاكرة جيل، فالموت يمكنه أن يُغيب الجسد، لكن لا يمكنه تغييب التاريخ، الذاكرة، الألم، الابتسام وكافة التفاصيل التي تكون صورة وحكاية لنا على وجه الخصوص و للأجيال بصفة عامة حول تاريخنا هنا”.

ليلى طباجة كيوان: “الهوية تتجلى في التفاصيل الصغيرة”

تحكي السيدة ليلى طباجة كيوان عن عائلتها التي قدمت من جنوب لبنان واستقرت في حي وادي الصليب في حيفا، محافظةً على إرثها اللبناني والفلسطيني معًا. تتذكر والدتها، فاطمة طباجة، التي كانت تُحضّر الأطباق اللبنانية التقليدية، وتروي القصص الشعبية التي تناقلتها الأجيال، مشددةً على أهمية الترابط الأسري في مواجهة محاولات الطمس الثقافي.


وتحكي ليلى عن أول تلفاز اقتنته العائلة في الحي، حيث كانت العائلات المجاورة تجتمع لمشاهدة البرامج اللبنانية، ومنها البرنامج الغنائي الذي كان يفتتح بـ: “افتح، افتح، افتح… بيروت في الليل، ليلة سعيدة، ليلة أنيسة…”

أما عن التصوير، فتقول إن العائلات كانت تلتقط الصور في المناسبات فقط، وكانت تجربة الذهاب إلى المصوّر تجربة فريدة، حيث كان والدها يُصرّ على أن يبيت الأولاد ملابسهم تحت الوسادة استعدادًا لليوم التالي، وكانوا يكتمون ضحكاتهم عندما يدخل المصوّر رأسه تحت الستار الأسود لالتقاط الصورة.

سامية خضر عودة: “الصورة توثيق وجودي للعائلة”

تروي السيدة سامية خضر عودة من حي الكبابير قصتها مع الصور العائلية، قائلة إن الصور لم تكن مجرد ذكريات، بل كانت وثيقة وجودية تثبت أن الفلسطينيين كانوا هنا، وأن عائلاتهم امتدت عبر الأجيال. تشير إلى صورة عائلية التُقطت عام 1960، حيث اجتمع فيها ثلاثة أجيال من عائلتها، مما يعكس التلاحم العائلي والروابط الاجتماعية القوية.




تقول سامية: “الصورة ليست مجرد لقطة جامدة، بل هي سجل حيّ يكشف عن طبيعة الحياة الاجتماعية، طريقة اللباس، ومستوى المعيشة. إنها شهادة بصرية توثق كيف عاشت العائلات الفلسطينية قبل أن يحاول الاحتلال طمس معالم وجودها.”

بين الماضي والمستقبل: صمود رغم التحديات

تُشكّل الصور العائلية جزءًا من التاريخ غير المكتوب للعائلات الفلسطينية في حيفا، فهي ليست مجرد ذكريات، بل هي شاهدٌ على حقبة من الزمن، ودليلٌ حيّ على أن الفلسطينيين كانوا هنا، وأنهم لا يزالون متمسكين بجذورهم رغم كل محاولات الاقتلاع.

في ظل التحديات التي تواجهها العائلات العربية الفلسطينية في حيفا، يبقى التمسك بالهوية، والرواية التاريخية، والروابط الأسرية، هو الحصن الأخير في وجه الطمس والتهويد. فالموت قد يُغيّب الجسد، لكن لا يمكنه تغييب الذاكرة، ولا إلغاء تاريخ شعب ما زال صامدًا، رغم كل محاولات التهجير والاقتلاع.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews