تركياتقارير و تحقيقاتعربي و دولي

تركيا و”قسد”.. صراع متصاعد ومدنيون في مرمى النيران

تركيا تنفي تورطها في قصف عين العرب

تقرير : وليد شهاب

في ظل تصاعد التوترات العسكرية في شمال سوريا، تتصاعد أيضًا حدة الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتصارعة، حيث تنفي تركيا مسؤوليتها عن قصف أدى إلى مقتل تسعة مدنيين بالقرب من مدينة عين العرب/كوباني، بينما ترد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعمليات عسكرية تستهدف قواعد تركية. هذه الأحداث ليست مجرد تبادل لإطلاق النار، بل هي جزء من صراع أوسع يتشابك فيه السياسي والعسكري والإنساني، مما يترك المدنيين في قلب المعركة، ضحايا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

مساء الأحد 16 آذار/مارس، شهدت منطقة قريبة من مدينة عين العرب/كوباني، التي تسيطر عليها “قسد”، قصفًا جويًا أدى إلى مقتل تسعة أفراد من عائلة واحدة، بينهم سبعة أطفال وامرأة، وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة. وفقًا لبيان صادر عن “قسد”، فإن الطيران الحربي التركي هو من نفذ هذا القصف، الذي استهدف أيضًا محيط سد “تشرين”، وهو موقع استراتيجي يقع جنوبي عين العرب.

لكن تركيا، عبر مركز مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة، نفت مسؤوليتها عن الهجوم. جاء في بيان المركز أن “العمليات التي تنفذها القوات المسلحة التركية تأتي في إطار مكافحة الإرهاب داخل البلاد وخارجها، وتستهدف بشكل مباشر التنظيمات الإرهابية”. وأضاف البيان أن هذه العمليات “يتم التخطيط لها بدقة لضمان عدم وقوع أضرار للمدنيين”، مؤكدًا أن الهدف منها هو “حماية أمن حدودنا ومنع الهجمات التي تستهدف شعبنا وقوات الأمن”.

ردًا على القصف، أعلنت “قسد” عن سلسلة عمليات عسكرية استهدفت قواعد وتحصينات الجيش التركي والفصائل الموالية له، والتي تعرف باسم “الجيش الوطني السوري”. وقالت “قسد” في بيان إن هذه العمليات جاءت ردًا على الهجمات التركية التي أودت بحياة مدنيين في مناطق سيطرتها. كما نشرت “قسد” تسجيلًا مصورًا قالت إنه يظهر استهداف منظومة رادار تركية في ريف حلب الشرقي.

من جهته، نشر قائد “قسد”، مظلوم عبدي، تعزية لذوي العائلة التي قُتلت في القصف التركي، عبر حسابه الشخصي على منصة “إكس” (المعروفة سابقًا بتويتر). وقال عبدي: “على الحكومة المؤقتة تحمل مسؤولياتها تجاه قتل مواطنيها على يد دول أخرى”، في إشارة إلى الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا.

أطراف متشابكة وأجندات متضاربة

الصراع في شمال سوريا ليس جديدًا، لكنه يتخذ أبعادًا أكثر تعقيدًا مع مرور الوقت. تركيا، التي تعتبر “قسد” امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، تشن عمليات عسكرية متكررة في المنطقة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. من ناحية أخرى، تعتبر “قسد” نفسها قوة دفاعية تحمي المناطق الكردية في سوريا، وتلعب دورًا رئيسيًا في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

“الجيش الوطني السوري”، الذي تدعمه تركيا، هو تحالف من الفصائل المسلحة التي تقاتل إلى جانب تركيا في شمال سوريا. على الرغم من الإعلان عن حل هذه الفصائل وانضمامها لوزارة الدفاع السورية تحت اسم الجيش السوري، إلا أن هذه الخطوة لم تؤدِّ إلى توقف العمليات العسكرية، مما يشير إلى استمرار التوترات بين الأطراف.

في خضم هذه التصعيدات العسكرية، يدفع المدنيون الثمن الأكبر. مقتل تسعة أفراد من عائلة واحدة، بينهم سبعة أطفال، هو مجرد مثال واحد على المعاناة الإنسانية التي تسببها هذه الصراعات. تقول منظمات حقوقية إن المدنيين في شمال سوريا يعيشون في خوف دائم من القصف الجوي والعمليات العسكرية، التي غالبًا ما تكون عشوائية وتؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء.

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن النزاع في سوريا أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص، وتدمير البنية التحتية، وانهيار النظام الصحي والتعليمي. في مناطق مثل عين العرب/كوباني، حيث تسيطر “قسد”، يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء، بالإضافة إلى تهديدات مستمرة بالعنف.

على الرغم من الخطابات الدولية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، يبدو أن المجتمع الدولي عاجز عن إيجاد حل دائم للنزاع في سوريا. الولايات المتحدة، التي تدعم “قسد” في حربها ضد داعش، تتجنب في كثير من الأحيان اتخاذ موقف واضح تجاه العمليات التركية في شمال سوريا. من ناحية أخرى، روسيا، التي تدعم النظام السوري، تبدو غير راغبة في التصعيد مع تركيا، التي تربطها بها علاقات اقتصادية وسياسية معقدة.

في الوقت نفسه، تعمل منظمات إنسانية دولية على تقديم المساعدات للمدنيين في المناطق المتضررة، لكن هذه الجهود غالبًا ما تواجه عقبات بسبب استمرار القتال وعدم وجود ممرات آمنة لإيصال المساعدات.

مع استمرار الصراع في شمال سوريا، يبدو أن الأمل في تحقيق سلام دائم يتراجع. التصعيد الأخير بين تركيا و”قسد” يظهر أن الأطراف المتصارعة ليست مستعدة للتنازل عن مصالحها، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المدنيين. في ظل هذا الواقع المرير، يبقى السؤال: إلى متى سيستمر المدنيون في دفع ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ في النهاية، فإن الحل الدائم للنزاع في سوريا يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، بالإضافة إلى تدخل دولي فعال لوقف العنف وبدء عملية سلام شاملة. لكن في غياب هذه الإرادة،
ويبدو أن المدنيين في شمال سوريا سيستمرون في العيش تحت وطأة الحرب، حيث يدفعون الثمن الأكبر لصراعات لا تنتهي

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews