توترات حدودية بين سوريا ولبنان: اشتباكات تعيد إحياء ملف ترسيم الحدود

بقلم: وليد شهاب قصاص
تصاعدت التوترات بين قوات وزارة الدفاع التابعة لحكومة دمشق المؤقتة وعناصر مسلحة يُرجح انتماؤها لـ”حزب الله” اللبناني في قرية حوش السيد علي غرب حمص، مما ألقى الضوء على ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، الذي ظل عالقًا لسنوات. اندلعت الاشتباكات بعد مقتل ثلاثة عناصر من الجيش السوري في 16 آذار/مارس الجاري، حيث تم اختطافهم وتصفيتهم داخل الأراضي اللبنانية.
روايات متضاربة: الجيش اللبناني وحزب الله ينفيان التورط
تباينت الروايات بين الجانبين السوري واللبناني. فقد أعلن الجيش اللبناني أن المهربين السوريين الذين قُتلوا على الحدود نُقلت جثثهم إلى الجانب السوري، بينما نفى “حزب الله” في بيان رسمي أي تورط في الأحداث، مؤكدًا أن الاشتباكات لا علاقة له بها
اتفاق وقف إطلاق النار
بعد تجدد الاشتباكات في اليوم التالي، توصل الجيشان السوري واللبناني إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وفي 19 آذار/مارس، أعلن الجيش اللبناني عن دخول قواته إلى قرية حوش السيد علي وتسيير دوريات أمنية بالتنسيق مع الجانب السوري، مما أثار تساؤلات حول آلية التنسيق بين الطرفين وأعاد إحياء ملف ترسيم الحدود.
قرية حوش السيد علي: منطقة حدودية متداخلة
تقع قرية حوش السيد علي في منطقة متداخلة جغرافيًا وديموغرافيًا بين سوريا ولبنان، وتعتبر جزءًا من الأراضي السورية رغم وجود سكان لبنانيين فيها. استُخدمت القرية لسنوات كممر لعمليات التهريب بين البلدين، كما استغلها “حزب الله” لنقل عناصره بين سوريا ولبنان، خاصة بعد تعرضها لقصف إسرائيلي متكرر.
الخلاف حول الهوية الإدارية
تتعامل الأوساط اللبنانية مع القرية كجزء من الأراضي اللبنانية، رغم اعتبارها سورية من الناحية الجغرافية. وتقع القرية ضمن قضاء الهرمل اللبناني، الذي يضم 32 بلدة لبنانية، مما يزيد من تعقيد الوضع الحدودي.
ترسيم الحدود: ضرورة أم تأجيل؟
يرى الباحث نوار شعبان من مركز “حرمون للدراسات” أن ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان ضرورة أساسية، لكنها ليست الأولوية في الوقت الحالي بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها الدولتان. وأكد أن تثبيت الاتفاق الأمني بين الجانبين يجب أن يسبق أي محادثات حول ترسيم الحدود.
تنسيق عسكري بين الجانبين
أفاد العقيد عبد المنعم ضاهر من وزارة الدفاع بحكومة دمشق المؤقتة بأن الجيش السوري تواصل مع نظيره اللبناني لضمان انسحاب القوات من القرية وضمان عودة المدنيين. كما أشارت تقارير إعلامية لبنانية إلى اجتماع عسكري بين الجانبين ناقش وثائق تثبت لبنانية القرية، لكن الجانب السوري طلب مهلة 24 ساعة للرد.
مناطق حدودية متداخلة
تمتد الحدود السورية-اللبنانية على مسافة 375 كيلومترًا، وتضم عشرات النقاط المتداخلة، خاصة في محافظة حمص ومنطقة القصير. استُخدمت هذه المناطق لسنوات في عمليات التهريب، كما كانت خارج سيطرة النظام السوري في بعض الفترات.
مطالب لبنانية قديمة بترسيم الحدود
طالب لبنان لسنوات بترسيم الحدود مع سوريا، لكن النظام السوري كان يتجاهل هذه المطالب أو يؤجلها. ومن أبرز نقاط الخلاف بين البلدين مزارع شبعا، التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
القرار الأممي 1680: إطار دولي لحل النزاع
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1680، الذي يشجع سوريا ولبنان على ترسيم حدودهما المشتركة، خاصة في المناطق المتنازع عليها. جاء القرار مكملًا للقرار 1559، الذي دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان ونزع سلاح الميليشيات، بما في ذلك “حزب الله”.
رأي قانوني: حدود واضحة ولكن تحتاج إلى تفعيل
أشار القانوني اللبناني الدكتور طارق شندب إلى أن الحدود بين البلدين واضحة، لكنها تحتاج إلى تفعيل عبر اتفاقيات ثنائية أو تدخل دولي. وأكد أن الاشتباكات الأخيرة تدخل ضمن المناطق السورية التي تم استعادتها من “حزب الله”، مما يعكس تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
ملف ترسيم الحدود بين التحديات الأمنية والمطالب الدولية
تظل قضية ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان واحدة من الملفات العالقة التي تتطلب حلولًا دبلوماسية وأمنية. في ظل التحديات الحالية، يبدو أن أي تقدم في هذا الملف سيعتمد على تعزيز الثقة بين الجانبين وضمان استقرار المنطقة الحدودية