تقارير و تحقيقاتعربي و دولي

غزة على شفا المجاعة.. حصار إسرائيلي وتواطؤ دولي وصمت عربي

بقلم: وليد شهاب قصاص

في شارع صلاح الدين بمدينة خان يونس، تتجمع عشرات العائلات أمام مخبز “الأمل” منذ ساعات الفجر الأولى. أم محمد (38 عاماً) تقف مع أطفالها الأربعة في الطابور منذ الثالثة صباحاً، تحمل في يدها كيساً بلاستيكياً ممزقاً تضع فيه حصتها من الخبز التي لا تتجاوز ثلاثة أرغفة لعائلتها المكونة من ستة أفراد. تقول لمراسلنا بصوت منهك: “لم نذق اللحم منذ ثلاثة أشهر، حتى الخبز أصبح رفاهية. أطفالي يبكون من الجوع ليلاً ولا أملك ما أطعمهم به”.

هذه المشاهد ليست استثناءً، بل أصبحت واقعاً يومياً يعيشه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من ستة أشهر.
فاطمة أبو نصر (62 عاماً)، الجدة التي تعاني من مرض السكري، تقول وهي تجلس في زاوية منزل مدمر جزئياً: “أموت ببطء.. لا أدوية ولا طعام. حتى مياه الشرب أصبحت سلعة نادرة”.

الأرقام المفزعة وراء الأزمة الإنسانية

تشير أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 97.5% من سكان غزة يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما وصلت نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 35%، وهي أعلى نسبة مسجلة في العالم حسب منظمة اليونيسف.

المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني يحذر في حديث خاص لمراسلنا من أن “غزة تقف على حافة مجاعة كاملة لم يشهدها العالم منذ عقود”. ويضيف: “لدينا تقارير موثقة عن عائلات كاملة تعيش على وجبة واحدة يومياً، تتكون من خبز جاف وبعض الأعشاب البرية”.

نفاد أدوية الأطفال في المشافي

في مستشفى الشفاء بغزة، يعمل الأطباء والممرضون في ظروف لا إنسانية. الدكتور أحمد الشوبكي، رئيس قسم الطوارئ، يشرح لنا الوضع الكارثي: “نعيش أسوأ كابوس طبي.. لا كهرباء إلا لبضع ساعات يومياً، ونقص حاد في الأدوية الأساسية، ومولدات الكهرباء على وشك التوقف بسبب نفاد الوقود

في قسم الأطفال، نرى عشرات الحالات من الرضع الذين يعانون من الجفاف وسوء التغذية الحاد. ممرضة تقول وهي تحاول تهدئة طفل يبكي من الألم: “نضطر أحياناً إلى استخدام محلول ملحي بدلاً من الغذاء لأن لا شيء متوفر”

الحصار الإسرائيلي.. سياسة العقاب الجماعي

من خلال وثائق حصلت عليها شبكة مراسلين من مصادر دبلوماسية، تبين أن إسرائيل رفضت 87% من طلبات دخول المساعدات الإنسانية خلال الشهر الماضي. الخبير القانوني الدولي د. محمد الحلو يوضح: “هذا الحصار المتعمد يعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وهو شكل من أشكال العقاب الجماعي المحظور”

في مقابلة مع مسؤول إسرائيلي رفض الكشف عن هويته، اعترف بأن “هناك قراراً سياسياً بضرورة زيادة الضغط على حماس، حتى لو كان الثمن معاناة المدنيين”. بينما تؤكد مصادر أمنية أن الجيش الإسرائيلي وضع قيوداً تعجيزية على حركة سيارات الإغاثة، بما في ذلك منع دخول البطاريات والوقود والأدوات الجراحية.

الدور العربي والدولي.. بين التواطؤ والعجز

على الرغم من الخطابات الرنانة، يبدو الموقف العربي متخاذلاً في مواجهة هذه الأزمة. السفير السابق د. وليد المعلم يعلق: “المواقف العربية تقتصر على البيانات والإدانات، بينما لا يوجد أي ضغط حقيقي على إسرائيل لرفع الحصار”

في واشنطن، تقول مصادر دبلوماسية إن الإدارة الأمريكية تواصل دعمها الكامل لإسرائيل، رغم بعض التصريحات النقدية الخجولة. بينما تقتصر ردود الفعل الأوروبية على الدعوات لـ”ضبط النفس” و”حماية المدنيين”، دون أي خطوات عملية ملموسة.

المقاومة والصمود.. كيف يواجه الغزيون الكارثة؟

رغم الظروف القاسية، تظهر قصص صمود مدهشة. مجموعة من الشباب في رفح أنشأوا مبادرة “الحديقة المنزلية”، حيث يقومون بتعليم العائلات كيفية زراعة الخضروات في شرفات المنازل باستخدام أدوات بدائية. المهندس الزراعي معتز أبو شعبان يقول: “علمنا أكثر من 500 عائلة كيف يزرعون طعامهم في أصيصات بلاستيكية”

في مخيم جباليا، أنشأ الأهالي مطبخاً جماعياً يعتمد على التبرعات البسيطة. أم أحمد، إحدى المتطوعات، تقول: “نحاول طهي وجبة واحدة يومياً لأطفال الحي، حتى لو كانت مجرد شوربة خضار بسيطة”.

مستقبل مظلم.. ماذا ينتظر غزة؟

الخبير الاقتصادي د. سمير أبو مدللة يحذر من أن “غزة على وشك الدخول في مرحلة المجاعة الكاملة إذا استمر الحصار لشهر آخر”. ويضيف: “نحن نتحدث عن موت بطيء لمئات الآلاف، خاصة الأطفال وكبار السن والمرضى”

من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن “الأوبئة قد تفتك بآلاف الأشخاص في الأسابيع المقبلة”، خاصة مع تفشي أمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد بسبب تلوث مياه الشرب وانهيار النظام الصحي.

سؤال الضمير الإنساني

بينما تواصل إسرائيل حصارها، والمجتمع الدولي يتفرج، والعالم العربي ينشغل بقضاياه الداخلية، يبقى سؤال واحد يصرخ في ضمير الإنسانية: كم من الأطفال يجب أن يموتوا جوعاً قبل أن يتحرك العالم وكيف يمكن لقوى الخير أن تنتصر على سياسات العقاب الجماعي والتطهير البطيء

في زاوية من زوايا غزة المحاصرة، يقف طفل صغير يحدق في السماء، ربما ينتظر معجزة تنقذه من هذا الجحيم اليومي. المعجزة الوحيدة التي يحتاجها الآن هي ضمير عالمي يستيقظ قبل فوات الأوان.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews