تقارير و تحقيقاتمنوعات

«إدوارد سنودن» ووجه الظل لعصر الرقمنة

عندما تتحوّل وسائل التواصل إلى أدوات مراقبة جماعية

شبكة مراسلين
تقرير: عماد بالشيخ

في صيف عام 2013، هزّ اسم “إدوارد سنودن” الأوساط الإعلامية والسياسية حول العالم، حينما قرر هذا الموظف السابق لدى وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) أن يخرق جدار الصمت، ويكشف واحدة من أضخم عمليات التجسس الإلكتروني في تاريخ البشرية.
سنودن، الذي كان يعمل كمحلل نظم، سرّب آلاف الوثائق السرية التي توضح كيف قامت وكالات الاستخبارات الأمريكية، بالتعاون مع حلفائها، ببناء منظومة مراقبة عالمية تخرق خصوصيات الملايين حول العالم، دون إذن قضائي، ودون أي اعتبار للحقوق الأساسية للإنسان.

وسائل التواصل: منصات اجتماعية أم أدوات رقابة رقمية؟

في الوقت الذي يُروّج فيه لوسائل التواصل الاجتماعي كأدوات لتقريب المسافات، وتعزيز حرية التعبير، أظهرت وثائق سنودن أن هذه المنصات تُستخدم أيضًا – وأحيانًا بتواطؤ صامت أو فاعل – كقنوات لجمع البيانات، وتحليل سلوك المستخدمين، بل وتحديد أنماطهم النفسية والسياسية والدينية.

البيانات التي يتم جمعها لا تقتصر على المنشورات والصور، بل تشمل الموقع الجغرافي، المكالمات، الرسائل الخاصة، وحتى الميكروفونات والكاميرات في بعض الأحيان. هذه “البيئة الذكية” التي تبدو بريئة، تُستخدم في كثير من الأحيان لتغذية خوارزميات التجسس، وصناعة ملفات شخصية دقيقة عن كل مستخدم.

انتهاك صارخ لحقوق الإنسان

ما تقوم به بعض الحكومات وشركات التكنولوجيا يشكّل انتهاكًا مباشرًا للمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه أو سمعته”. بل إن ما كشفه سنودن يُظهر نظامًا عالميًا متطورًا لا يميز بين مشتبه به وبريء، بل يتعامل مع الجميع كمصادر محتملة للتهديد.

ما التدابير اللازمة لحماية الخصوصية الرقمية؟

في ظل هذا الواقع، تصبح حماية الخصوصية الرقمية مسؤولية مشتركة بين الأفراد، والمجتمع المدني، وصناع القرار. ومن أبرز التدابير التي يمكن اتخاذها:

  1. التوعية الرقمية: تعزيز الوعي العام بطرق وأساليب التجسس الرقمي، وكيفية حماية البيانات الشخصية، بدءًا من استخدام تطبيقات مراسلة مشفرة، وتفعيل المصادقة الثنائية، إلى تقليل مشاركة المعلومات الحساسة على الإنترنت.
  2. تشريعات صارمة: الضغط من أجل سنّ قوانين وطنية ودولية تُجرّم التجسس الرقمي غير المبرر، وتُلزم شركات التكنولوجيا بالشفافية، واحترام خصوصية المستخدمين.
  3. الاستقلال السيبراني: تشجيع تطوير تطبيقات مفتوحة المصدر، محلية أو إقليمية، تضمن حماية أفضل للبيانات، بدل الاعتماد الكامل على شركات عابرة للحدود لا تخضع للمساءلة المحلية.
  4. المحاسبة والمساءلة: ملاحقة الجهات التي تنتهك الخصوصيات بشكل منهجي، سواء كانت حكومية أو خاصة، وتعزيز دور القضاء في مراقبة ومحاسبة أجهزة الأمن والاستخبارات.

في الختام
قضية إدوارد سنودن لم تكن مجرد فضيحة تجسس، بل لحظة فاصلة في تاريخ العلاقة بين الدولة والمواطن في العصر الرقمي.
لقد أسقطت القناع عن الوجه الآخر للتكنولوجيا: وجه المراقبة والهيمنة والاختراق. واليوم، أمام كل فرد واعٍ، وكل مجتمع حر، مسؤولية أخلاقية وسياسية في استعادة السيطرة على فضائه الرقمي، والدفاع عن حقه الأساسي في الخصوصية.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews