أخبارتقارير و تحقيقات

السيسي وعبدالله .. الضامنان لاستراتيجية التطبيع الإسرائيلية الجديدة

أبوبكر إبراهيم اوغلو

أعد الباحثان أوفير وينتر وأودي ديكل دراسة حديثة لصالح مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بعنوان:
«כיצד תעלה ישראל מחדש על מסלול הנורמליזציה?» والذي يُترجم إلى العربية: «كيف يمكن لإسرائيل أن تعود مجددًا إلى مسار التطبيع؟».

ترى الدراسة أن على إسرائيل أن تعيد ترتيب أولوياتها في ملف التطبيع، وذلك من خلال تعزيز الشراكة مع مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي والأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني. وتشدد على أن القاهرة وعمّان لا تمثلان مجرد شركاء سلام تقليديين، بل دعائم استراتيجية لا يمكن تجاوزها إذا ما أرادت إسرائيل ضمان استقرار مسار التطبيع وتوسيعه ليشمل السعودية ودولًا عربية وإسلامية أخرى.


إشادات إسرائيلية سابقة بدور القاهرة وعمّان

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، اعتبرت أوساط القرار في إسرائيل أن مصر تمثل “الركيزة الأولى للاستقرار الإقليمي”، ليس فقط لضمان الحدود الجنوبية، بل لكونها الدولة العربية الأهم التي كسرت حاجز الحرب والعداء. كثير من الدراسات الإسرائيلية وصفت مصر بأنها “شريك أمني صامت” قادر على احتواء الأزمات، خاصة في إدارة الملف الفلسطيني وملف التهدئة في غزة.

أما الأردن، فلطالما نُظر إليه في إسرائيل باعتباره “الشريك الأمني الأكثر حساسية”، خصوصًا في ملف القدس والحدود الشرقية. تقارير إسرائيلية عديدة أكدت أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس عنصر لا يمكن تجاوزه، وأن بقاء التنسيق الأمني مع عمّان يمثل “حزام أمان استراتيجي” يحمي إسرائيل من انفجار إقليمي في حال التصعيد.


جوهر الدراسة: من الحرب إلى “استراتيجية جديدة”

بتعتبر الدراسة أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب غزة، ثم المواجهة المباشرة مع إيران (عملية “مع كلביא”)، أعاد صياغة المشهد. ففي حين تضررت صورة إسرائيل في الشارع العربي والإسلامي بسبب الدمار في غزة، فإن إنجازاتها العسكرية ضد إيران وحزب الله أعادت لها مكانة الردع.

الدراسة توضح أن هذه التطورات خلقت نافذة مزدوجة:

  • من جهة، تفاقمت الانتقادات العربية والدولية لإسرائيل، وازدادت الضغوط لتقديم تنازلات في الملف الفلسطيني.
  • من جهة أخرى، برزت فرصة لإعادة صياغة التطبيع عبر استراتيجية جديدة تعتمد على شركاء قدامى موثوقين: مصر والأردن.

أبرز توصيات الدراسة حول مصر والأردن

  1. إشراكهما في غزة:
    • مصر: مسؤولية هندسية–أمنية على المعابر والحدود.
    • الأردن: دور إنساني وخدماتي، مع تعزيز الوصاية على المقدسات في القدس.
  2. إحياء اللجان الثنائية: تفعيل التعاون الاقتصادي والزراعي والمائي، وتوقيع اتفاقيات جديدة تعزز ثقة الشعوب بجدوى السلام.
  3. إدارة الملف الفلسطيني: دعم دور مصر كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، وتعزيز مكانة الأردن كـ”مرجعية عربية” في أي تسوية نهائية.
  4. شرعية إقليمية: بتعتبر الدراسة أن القاهرة وعمّان “جسر عبور” لإقناع السعودية والإمارات وباقي دول الخليج بأن التطبيع محاط بشرعية عربية أوسع، وليس مجرد خطوة منفردة.

تحذيرات الدراسة لإسرائيل

الدراسة تحذر صانعي القرار في تل أبيب من ثلاث نقاط خطيرة:

  • إهمال مصر والأردن سيؤدي إلى تآكل السلام الحالي وتحوله إلى مجرد “سلام بارد” هش.
  • تجاهل الملف الفلسطيني سيجعل السعودية ودول الخليج تمتنع عن أي خطوة إضافية نحو التطبيع.
  • الخطاب الإسرائيلي المتطرف بشأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن يقوّض أساسيات الثقة مع القاهرة وعمّان، وقد يؤدي إلى أزمة وجودية في العلاقات.

الاستراتيجية الجديدة: ثلاثة محاور

بتعتبر الدراسة أن الاستراتيجية الإسرائيلية المقترحة يجب أن تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:

  1. تعزيز العلاقات الثنائية القائمة:
    • استئناف الاجتماعات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل.
    • توسيع التعاون مع الأردن في مجالات الطاقة والمياه.
  2. إشراكهما في إعادة إعمار غزة:
    • إشراف مصري على البنية التحتية والحدود.
    • مشاركة أردنية في مشاريع الإغاثة والتعليم والصحة.
  3. منحهما دورًا سياسيًا في التسوية المستقبلية:
    • مصر والأردن كـ”ضامنين” لأي اتفاق جديد مع الفلسطينيين.
    • إشراكهما في أي مفاوضات تمهيدية مع السعودية.

البُعد الإقليمي والدولي

بتعتبر الدراسة أن الولايات المتحدة ستلعب دورًا حاسمًا في دفع هذه الاستراتيجية. واشنطن – وفق الباحثين – ترى أن إدماج إسرائيل في تحالف إقليمي يتطلب بالضرورة وجود القاهرة وعمّان في قلب المعادلة. لذا تقترح الدراسة إنشاء آليات ثلاثية (إسرائيل–مصر–الأردن) برعاية أمريكية لمتابعة الملفات الأمنية والاقتصادية بشكل دوري.


الخلاصة الإسرائيلية

تعتبر الدراسة أن مصر والأردن ليسا مجرد أطراف مكمّلة، بل هما الشرط المسبق لإنجاح أي تطبيع إقليمي جديد، خصوصًا إذا تعلق الأمر بالسعودية. فبدونهما، ستبقى إسرائيل محاصرة في “سلام بارد” يضمن الأمن الحدودي فقط، لكنه لا يفتح الباب أمام إدماجها الكامل في المنطقة.


من منظور عربي

من الواضح أن هذه التوصيات الإسرائيلية تنظر إلى مصر والأردن باعتبارهما أدوات وظيفية لإعادة تلميع صورة إسرائيل وتجاوز مأزقها مع الرأي العام العربي بعد حرب غزة. فهي لا ترى فيهما شركاء متكافئين، بقدر ما تعتبرهما “شبكة أمان” لإقناع الخليج، أو “جسور” لإعادة إطلاق قطار التطبيع.

وبينما تشدد الدراسة على ضرورة مراعاة مصالح القاهرة وعمّان، فإنها تتجاهل حقيقة أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وغياب أي أفق سياسي جاد للقضية الفلسطينية، يضع الحكومات العربية في مواجهة مباشرة مع شعوبها. ومن ثم، يبقى السؤال: هل يمكن لمصر والأردن أن يلعبا هذا الدور دون أن يخسرا رصيدهُما الشعبي والوطني؟

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews