تقارير و تحقيقات

التعليم في الشمال السوري: رحلة بين القصف والنزوح والعودة

مصطفى حاج سلوم/ حلب -سوريا

في شمال سوريا أصبح التعليم مرآة لصراع طويل أثر على حياة ملايين الأطفال وعائلاتهم منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 تحولت المدارس من أماكن للعلم والتعلم إلى أهداف للقصف الجوي وملاجئ مهددة بالخطر وأحيانا مجرد أطلال تشهد على مرور الحرب آلاف الأطفال وجدوا أنفسهم مضطرين لمغادرة مقاعد الدراسة واضطر ملايين الأسر للنزوح من منازلهم باحثين عن الأمان في مخيمات مكتظة تفتقر إلى أبسط مقومات التعليم من الصفوف الدراسية إلى المعلمين المؤهلين.
ورغم هذه الظروف القاسية حاول المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية سد الفراغ التعليمي عبر إنشاء مدارس مؤقتة وتوزيع مواد تعليمية وتنظيم برامج دعم نفسي للأطفال المتأثرين بالصراع. ومع بداية تحرير المناطق بدأت مرحلة العودة حيث يواجه الأطفال العائدون تحديات جديدة: إعادة بناء المدارس ترميم المرافق التعليمية وتأهيل المعلمين في محاولة لاستعادة فرص التعليم وحقهم الأساسي في التعلم.
يبقى التعليم في الشمال السوري أكثر من مجرد عملية تعليمية إنه مؤشر على قدرة المجتمع على التعافي وركيزة لإعادة بناء المستقبل بعد سنوات من الدمار ويبقى الأمل قائما في أن يجد كل طفل في هذه المناطق طريقه إلى الصف الدراسي بعيداً عن الحرب والدمار بالإضافة للحصول على مستقبل أكثر إشراقا

القصف الجوي وتدمير المنشآت التعليمية (2011–2020)
مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 استهدفت قوات النظام السوري بشكل ممنهج المنشآت التعليمية في مختلف المناطق بما في ذلك إدلب وحلب وقد أدى القصف الجوي المكثف إلى تدمير مئات المدارس وإجبار آلاف المعلمين والطلاب على الانقطاع عن الدراسة خوفا على حياتهم.
يقول المهندس محمد حنون مدير الأبنية المدرسية في وزارة التربية والتعليم لقناة DW في تصريح سابق
“بلغ عدد المدارس المدمرة بشكل كلي أو جزئي في سوريا ما يقارب 7400 مدرسة فيما بلغ عدد المدارس التي تم ترميمها 156 مدرسة” وأشار فريق منسقو استجابة سوريا أواخر عام 2024 أن 2.3 مليون طفل في سوريا يعاني من التسرب المدرسي بينهم أكثر من 386 ألف طفل في شمال غربي سوريا

النزوح الجماعي إلى المخيمات (2012–2020)

مع تصاعد العمليات العسكرية اضطر ملايين السوريين للنزوح نحو مناطق أكثر أماناً في الشمال السوري وتحديداً إدلب وريف حلب أسفرت هذه الحركة عن نشوء مخيمات عشوائية مكتظة غالبا ما تفتقر إلى المدارس والمرافق التعليمية.
داخل المخيمات واجه الأطفال تحديات مزدوجة الحياة في بيئة صعبة ونقص الوصول إلى التعليم وهو ما دفع العديد منهم إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة. وفي ظل هذا الوضع أصبح الأطفال محرومين من حقوقهم الأساسية في التعليم مما يزيد من خطورة تهميش جيل كامل.

  1. التعليم في المخيمات:مبادرات مؤقتة (2020–2025)

على الرغم من الصعوبات بدأت المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني في إنشاء مدارس مؤقتة داخل المخيمات وتوفير مواد تعليمية ودعم نفسي للأطفال ساهمت هذه المبادرات في توفير فرص محدودة للتعلم لكنها لم تكن كافية لتعويض فقدان سنوات التعليم في المناطق الأصلية.
وفي ظل نقص المعلمين المؤهلين اكتظت الصفوف الدراسية بينما أظهرت بعض التقارير تفوقاً ملحوظاً للطلاب الذين تمكنوا من الاستمرار في التعليم مما يعكس عزيمة الأطفال والمجتمعات المحلية على مواصلة التعلم رغم الصعوبات

العودة بعد التحرير (2024–الوقت الحالي)
بعد تحرير سوريا من سيطرة النظام في 8/12/2024 بدأت بعض العائلات العودة تدريجياً إلى قراها ومدنها لتبدأ مرحلة إعادة بناء المجتمع والبنية التحتية التعليمية والخدمية ورغم هذه العودة لا تزال العديد من المدارس والمرافق التعليمية مهدمة كما تواجه العائلات تحديات اقتصادية كبيرة تمنع بعض الأطفال من العودة إلى مقاعد الدراسة.
في مواجهة هذه التحديات أطلق الأهالي في الشمال السوري عدة مبادرات مجتمعية محلية لدعم إعادة البناء أبرزها حملة “الوفاء لإدلب ” التي تهدف إلى إعادة تأهيل المدارس والمرافق الخدمية الأساسية وتجهيز الصفوف الدراسية بالأثاث واللوازم التعليمية الضرورية هذه الجهود المجتمعية ومساعدة من بعض المنظمات الإنسانية المحلية والدولية تساهم في توفير بيئة تعليمية أفضل للأطفال العائدين لكنها لا تزال تواجه صعوبات تتعلق بالتمويل واللوجستيات نتيجة حجم الدمار ونقص الموارد.

التحديات المستمرة
رغم جهود إعادة الإعمار والمبادرات المجتمعية يواجه قطاع التعليم في الشمال السوري تحديات كبيرة تهدد استمرارية العملية التعليمية وجودتها فالمدارس المتبقية في بعض المناطق ما تزال مدمرة جزئياً أو كلياً ما يجعل الكثير منها غير صالحة للاستخدام ويتطلب ترميم شامل
إضافة إلى ذلك
تواجه الأسر العائدة ضغوطا اقتصادية كبيرة تجعل توفير مستلزمات التعليم الأساسية لأطفالها أمرا صعبا مما يؤدي في كثير من الحالات إلى انقطاع الطلاب عن الدراسة أو اضطرارهم للانتقال بين المدارس بشكل متكرر
ولا يمكن تجاهل الأثر النفسي العميق على الأطفال الذين عانوا سنوات من النزوح وفقدان التعليم حيث يعانون من صدمات نفسية تؤثر على تحصيلهم الدراسي وتحتاج إلى برامج دعم نفسي واجتماعي موازية لضمان إعادة دمجهم في البيئة التعليمية بشكل فعال وآمن.

الخاتمة
يبقى التعليم في شمال سوريا قضية محورية ليس فقط كحق أساسي للأطفال بل كركيزة أساسية لإعادة بناء المجتمع وتعزيز الاستقرار بعد سنوات طويلة من الحرب. ومع تضافر الجهود المحلية والدولية يمكن التغلب على العقبات المتراكمة وضمان وصول كل طفل إلى التعليم في بيئة آمنة ومستقرة بما يمكن المجتمع من تجاوز آثار الحرب الطويلة ويفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من الأمل والتنمية المستدامة.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews