تقارير و تحقيقات

دروس مستفادة من عدم الاستقرار الإقليمي..التوترات الإقليمية قد تدفع السعودية لخوض غمار السباق النووي



ترجمة وتحرير: عصام حريرة


خلاصة تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية “IFRI”


• إذا كانت طموحات السعودية النووية تندرج ضمن إطار تنويع مصادر الطاقة، فإن المخاوف الأمنية يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضًا؛ حيث أشار ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مرارًا وتكرارًا إلى أن الرياض ستحاكي القنبلة الإيرانية.
• كشفت حرب حزيران/ يونيو 2025 بين “إسرائيل” وإيران عن حدود الكُمون النووي وهشاشة الردع الخليجي، ما زاد من مخاوف السعودية من تهميشها في النظام الإقليمي الجديد.
• طالما أصرت الرياض على الاحتفاظ بحقها في التخصيب وإعادة المعالجة محليًا، مُقاومةً قيود “المعيار الذهبي” (بين الولايات المتحدة والإمارات)، ومُبديةً استعدادًا محدودًا لقبول ضمانات إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
• رغم أن القدرة التقنية السعودية ما زالت غير كافية للانتشار النووي السريع، فوجود عوامل كثيرة، مثل انعدام الأمن الإقليمي، والشكوك حول الضمانات الأمريكية، والانفتاح الهش على إيران، يدفعها إلى تبني استراتيجية “التحوط النووي” (أي بناء مخزون تقني يحتفظ لها بحق تطوير أسلحة نووية مستقبلًا إذا دعت الحاجة، دون إعلان نوايا مباشرة أو انخراط فوري في السباق النووي).


الاعتبارات النووية السعودية.. طموحات تتجاوز القدرات التقنية:


لا تقتصر طموحات السعودية النووية على تنويع مصادر الطاقة فقط، لكنها أيضًا تعبير عن مخاوف أمنية؛ حيث أكد ولي العهد، محمد بن سلمان، أن الرياض ستطوّر قنبلة نووية إذا فعلت إيران ذلك. ورغم انضمام المملكة لمعاهدة الحد من الانتشار النووي، وبحثها تأسيس برنامج نووي مدني، فإن بنيتها التحتية التقنية ما زالت محدودة، لكنها تصر على حقها في تخصيب اليورانيوم محليًا، ما أثار مخاوف دولية وأدى لتعليق المفاوضات مع واشنطن. بالمقابل، تشكك السعودية في ضمانات الحماية الأمريكية وتحاول تنويع تحالفاتها جيوسياسيًا، خصوصًا مع الصين، وسط تطورات إقليمية معقدة تجعل الحسابات النووية للمملكة تتغير وتتسم بالغموض، بيد أن التهديدات والانعدام الأمن يعززان إغراء التسلح النووي رغم ضعف القاعدة التقنية اللازمة لذلك.


فهم المملكة لنظام حظر الانتشار النووي:


أرسلت المملكة طلب معلومات “RFI” لبناء محطتين للطاقة النووية بقدرة 2.8 جيجاوات في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وبينما لم تستقر بعد على مورد نووي بين فرنسا وكوريا والصين وروسيا، تجدر الإشارة إلى أنها استبعدت الولايات المتحدة من عملية تقديم العطاءات المباشرة عام 2021، مفضلةً التفاوض مع واشنطن بشكل منفصل. فقد كانت المملكة على وشك توقيع اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة في عهد “بايدن”، تشمل نقل التكنولوجيا والضمانات الأمنية مقابل التطبيع مع “إسرائيل”، لكن المحادثات توقفت بسبب التصعيد في الصراع الفلسطيني-“الإسرائيلي” (حرب غزة وما تلاها). وإن كانت الاعتبارات النووية للسعودية تتجاوز قدراتها التقنية الحالية، لكنها تهدف لتنويع مصادر طاقتها وتقليل اعتمادها على النفط ضمن رؤية 2030، مع سعيها لإضافة الطاقة النووية لمزيج الطاقة لتأمين مصدر مستقر غير أحفوري.
ورغم محدودية القدرات النووية والهندسة البشرية، فإن المملكة تتشبث بحقها في التخصيب المحلي متمسكةً بسيادتها النووية، على عكس الإمارات التي تنازلت عن هذا الحق معتمدةً على كوادر أجنبية. ويترافق هذا الطموح النووي مع شعور بالفخر الوطني والرغبة في التحوط ضد التهديدات الإقليمية، خصوصًا من جهة إيران، مع إدراك أن بناء برنامج نووي محلي متكامل يحتاج لسنوات طويلة لتطوير الكوادر والتقنيات، وهو ما بدأت السعودية تفعله عبر تدريب أجيال جديدة من المهندسين النوويين. كما تواجه المملكة قيودًا في قدرات الصواريخ الباليستية التي قد تحمل رؤوسًا نووية، وتتنوع شراكاتها الدفاعية بين واشنطن وبكين.
من جهتها، تميل السعودية إلى التكنولوجيا الكورية بسبب نجاحها في بيئة صحراوية (الإمارات)، لكن الطاقة النووية والإشعاعية المحلية ما زالت تُمثل مشكلة، وقد يكون التعاون مع الصين هو البديل في استكشاف اليورانيوم ودعم تطوير التخصيب المحلي، بسبب المرونة الأكبر من قبل الصين مقارنةً بالقيود الأمريكية. كما ترفض المملكة اعتبار نفسها ملزمة بتوقيع البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرةً ذلك معايير مزدوجة لا تنطبق على دول مثل “إسرائيل”. لذلك، تشعر المملكة بأنها محقة في اتباع نهج مستقل يعزز سيادتها، مع التأكيد على أهمية بناء قدرات محلية للتخصيب رغم محدودية الخبرات الحالية. كما تسعى السعودية لتطوير برنامج طاقة نووية سلمية ضمن رؤيتها للطاقة والتنويع الاقتصادي، مع تمسكها بالحفاظ على الاستقلالية النووية والسياسات الإقليمية المتعلقة بمنطقة خالية من الأسلحة النووية، وإبراز دور إيران والتوترات الإقليمية في دفع السياسة النووية للمملكة نحو التحوط والنفوذ.


التداعيات الإقليمية لطموحات السعودية في الانتشار النووي:


تواجه السعودية والدول المجاورة لها تحديات كبيرة في صياغة استراتيجية توازن قوى للحد من الهيمنة “الإسرائيلية” المتنامية في المنطقة، لا سيما بعد حرب الاثني عشر يومًا التي أكدت حاجة الرياض إلى الاعتماد على نفسها في الدفاع، وسط فقدان الثقة بالضمانات الأمريكية وعدم وجود بدائل موثوقة من روسيا أو الصين. كما إن هناك احتمالًا بأن تضغط “إسرائيل” على الولايات المتحدة لشن ضربات ضد المنشآت النووية السعودية إذا بدا أن المملكة تتجه نحو الانتشار النووي، ما يزيد من المخاطر الأمنية.
في هذا الإطار، تتبع السعودية موقفًا متحفظًا، مع ترك الباب مفتوحًا لتطوير قدراتها النووية سلميًا مع إمكانية الانتشار إذا اقتضى الأمر، بينما تقف إيران على مفترق طرق في برنامجها النووي. وهنا تبرز مخاطر تأثير الدومينو الإقليمي؛ فقد تدفع الخطوات السعودية كلًّا من مصر وتركيا لمحاولة تطوير ترسانات نووية خاصة بها، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها هذه الدول. وهذا الوضع يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي في ظل هشاشة نظام منع الانتشار النووي، وانعدام الاستقرار الذي قد يزيد من السباق النووي في الشرق الأوسط.

المصدر : المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية “IFRI”

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews