تقارير و تحقيقات

كيف تستغل الصين إسرائيل لضرب الولايات المتحدة؟

من غزة إلى واشنطن

في تموز/يوليو 2024 كُشف عن تورط الصين في تأجيج مظاهرات مناهضة لإسرائيل في الولايات المتحدة. وبالتوازي مع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، تعمل الصين علنًا عبر وسائل إعلام رسمية تعرض إسرائيل والولايات المتحدة بوصفهما المسؤولتين الوحيدتين عن معاناة قطاع غزة وعن زعزعة الاستقرار، كما تعمل سرًا من خلال حملات تأثير تروّج لروايات معادية لإسرائيل ومعادية لليهود. على شبكات التواصل الاجتماعي انتشرت نظريات مؤامرة بشأن “السيطرة اليهودية” على السياسة والاقتصاد والإعلام في الولايات المتحدة، بل وهاجمت سياسيين مؤيدين لإسرائيل. ورغم أن الهدف المركزي هو ضرب الولايات المتحدة، إلا أن إسرائيل تتضرر من التداعيات الجانبية للصراع الصيني–الأميركي. وبالنظر إلى الأهمية التي توليها الصين لعلاقاتها مع إسرائيل، يُوصى بإدارة حوار مفتوح معها يهدف إلى تقليص الأضرار على العلاقات الثنائية وعلى الجاليات اليهودية في الشتات.

في تموز/يوليو 2024 قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية آنذاك، أفريل هاينز، إن إيران تؤجج وتموّل الاحتجاجات ضد إسرائيل في الولايات المتحدة بهدف زرع الفوضى وتقويض الثقة بالمؤسسات الديمقراطية. لكنها ليست الفاعل الوحيد في هذا السياق؛ فالصين أيضًا في الصورة. ومع ذلك، هناك فرق بين النشاط الإيراني ونظيره الصيني ضد إسرائيل، فالصين تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية واسعة مع إسرائيل (رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تضررت خلال حرب “سيوف الحديد”).

وتظهر التأثيرات الصينية بأربع طرق رئيسية:

  1. نشاط سري في الفضاء السيبراني – تأثير مباشر وفق خبراء، رغم أن بكين لم تعترف به قط.
  2. التعليقات والمنشورات على شبكات التواصل الصينية – تأثير غير مباشر، تبعًا لقرار السلطات الرقابة أو عدمها.
  3. التقارير في الصحافة الحكومية – للصين الرسمية تأثير مباشر.
  4. نشاط داعمين ومقرّبين من النظام – تأثير محدود، ويبدو أنهم يعملون من تلقاء أنفسهم.

شبكة سنغهام – إيفانز

نُويل روي سنغهام، رجل أعمال أميركي يعيش في شنغهاي، وزوجته جودي إيفانز، يُعدّان من أبرز شخصيات اليسار الراديكالي العالمي، وهما من الداعمين للنظام الصيني، رغم الجدل حول نشاطهما. سنغهام، الذي يتبنى أيديولوجيًا الحزب الشيوعي الصيني، يقف في مركز شبكة من منظمات – جمعيات، وسائل إعلام، وشبكات اجتماعية – يمولها، ترتبط ببعضها عبر التمويل والمضامين. هذه المنظمات تعكس رسائل بعضها البعض وتُقيم فعاليات مشتركة، وغالبًا ما تروّج لمواقف تتطابق مع دعاية صينية رسمية، حتى أن بعضها ظهر في حسابات صينية حكومية.

إحدى القنوات على “يوتيوب” ضمن الشبكة تتلقى تمويلًا من دائرة الدعاية في شنغهاي، بالإضافة إلى قناتين أخريين تعملان لنشر الرواية الصينية عالميًا بالتعاون مع جامعات صينية. كل هذا النشاط يتم من دون أي إفصاح عن ارتباطه بسنغهام أو بالحزب الشيوعي. في تموز/يوليو 2023 شارك سنغهام شخصيًا في ورشة صينية لنشر أفكار الحزب عالميًا. كما تبرع بما لا يقل عن 1.8 مليون دولار لشركة تهدف إلى “تثقيف الأجانب حول معجزات الصين”، وصُوِّر موظفوها في مكتبه وخلفهم لافتة تقول: “دائمًا اتبع الحزب”.

الارتباط بإسرائيل

في السنوات الأخيرة بدأت منظمات شبكة سنغهام بانتقاد إسرائيل بشدة. بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، خطط بعضها وقاد مظاهرات مناهضة لإسرائيل في الولايات المتحدة، من بينها احتجاجات صاخبة في جامعة كولومبيا بنيويورك حظيت بصدى عالمي. أحد أعضاء هذه الشبكة، إلياس رودريغز، نفّذ جريمة قتل ضد اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن – يارون ليشانسكي وسارة ميلغرام – في 22 أيار/مايو 2025.

يبدو أن التحوّل من دعاية مؤيدة للصين إلى دعاية معادية لإسرائيل مرتبط بجودي إيفانز، مؤسسة منظمة Code Pink، المعروفة بمواقفها المتشددة ضد إسرائيل. في الماضي كانت المنظمة تنتقد الصين، لكن منذ 2017 وصل ربع تمويلها من جهات مرتبطة بسنغهام، ومع التمويل اختفت الانتقادات للصين وبدأت بتبرير سياساتها ضد الإيغور، بينما تضاعفت هجماتها على إسرائيل.

الانتقادات الرسمية في الإعلام الصيني

الانتقادات ضد إسرائيل في الإعلام الصيني الرسمي، خاصة China Daily، كانت لاذعة، واستخدمت أساسًا لمهاجمة الولايات المتحدة وإظهارها كـ”قوة شر عالمية”. ففي مقال بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قبل دخول الجيش الإسرائيلي بريًا إلى غزة، كُتب أن الولايات المتحدة تقف في “الجانب الخاطئ من التاريخ” بدعمها لإسرائيل. وفي مقال آخر (نيسان/أبريل 2024) أُبرز فقط عدد الضحايا الفلسطينيين من دون ذكر القتلى الإسرائيليين، واعتُبر أن واشنطن تستغل إسرائيل، وبالتالي معاناة الغزيين، لخدمة أجنداتها.

المقالات استخدمت تكتيكات إضافية:

  • الربط بين حرب غزة وأوكرانيا لتصوير أميركا كمشعل للحروب.
  • زرع الانقسام في المجتمع الأميركي عبر الادعاء بأن دعم إسرائيل لا يحظى بشعبية ويكشف فجوة بين الشعب وقيادته.

استغلال المظاهرات في أميركا

الموجة الطلابية في الجامعات والشوارع الليبرالية الأميركية بعد 7 أكتوبر استُغلت أيضًا. China Daily ومنصات مرتبطة بالجيش الصيني صورت المحتجين ضد إسرائيل كمسالمين يدافعون عن إرادة الشعب، في مقابل سلطات أميركية “قمعية”. بينما صُوّر المتظاهرون المؤيدون لإسرائيل كعنيفين. المتحدثة باسم الخارجية الصينية اتهمت واشنطن بالنفاق – تدين دولًا أخرى لقمع الاحتجاجات، لكنها تقمع نفسها مظاهراتها.

خطاب كراهية ومعاداة السامية

على الشبكات الخاضعة للرقابة الصينية، انتشرت منشورات أكثر حدة وصلت إلى معاداة السامية الصريحة: اتهامات بأن إسرائيل “تسيطر على الولايات المتحدة”، مقارنات مع النازية، واعتبار إسرائيل “منظمة إرهابية”، بينما وُصفت حماس بـ”حركة مقاومة”. هذا أثار قلق وزارة الخارجية الأميركية التي اتهمت الصين بنشر نظريات مؤامرة ومعاداة السامية. السفارة الإسرائيلية في بكين اتهمت قناة تابعة للتلفزيون الصيني الرسمي (CCTV) بسلوك مماثل.

حملات التأثير السرية

إلى جانب النشاط العلني، هناك حملات تأثير سرية تقودها الصين، تستهدف صورة إسرائيل في الولايات المتحدة. مجموعة باحثين (Graphika) كشفت أن بكين، عبر حسابات وهمية، ضخّت روايات حول حرب إسرائيل–حماس بهدف زرع الانقسام الداخلي الأميركي. شركة Microsoft أكدت أن الصين استغلت المظاهرات لتعميق الانقسامات في أميركا.

الخلاصة

الصين ووكلاؤها متورطون بعمق في موجة معاداة السامية ومعاداة إسرائيل التي تجتاح الولايات المتحدة، حتى إن لم يكونوا المحرك الأساسي. لكن من الواضح أن الهدف المركزي لبكين ليس إسرائيل بحد ذاتها، بل الولايات المتحدة. إسرائيل في هذه الحالة تُستَخدم كأداة لإبراز الرواية الصينية التي ترى في أميركا قوة مزعزعة للاستقرار العالمي.

وبالتالي، على إسرائيل أن تدير حوارًا مباشرًا مع بكين حول الموضوع، لأن استمرار هذه الحملات، حتى وإن استهدفت واشنطن أساسًا، يضر بإسرائيل ويهدد الجاليات اليهودية في الشتات. وبما أن العلاقات مع إسرائيل ما زالت مهمة بالنسبة للصين، فمن المتوقع أن تبدي بكين استعدادًا للتعاون في تقليص الأضرار.


المصدر : مباط عل، العدد 2037، 17 أيلول/سبتمبر 2025

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews