تقرير: إيران تختبر إطلاق صواريخ جديدة “عابرة للقارات” بعيداً عن الأضواء

علي زم | طهران
نشرت وكالة أسوشيتدبرس صوراً زعمت فيها أنّ إيران أجرت على الأرجح تجربة صاروخية غير معلنة في قاعدة الفضاء «الإمام الخميني».
لم تؤكد إيران رسمياً حتى الآن إجراء أي تجربة من هذه المنصّة التي سبق أن استُخدمت في عمليات إطلاق مهمة ضمن البرنامج الفضائي المدني للبلاد. ومع ذلك، ادّعى نائب في البرلمان الإيراني أنّ طهران اختبرت صاروخاً باليستياً عابراً للقارات.
هذا الادعاء دفع بعض المحللين إلى الحديث عن احتمال سعي إيران لزيادة مدى صواريخها، وهو ما من شأنه أن يمكّنها في حال اندلاع حرب مقبلة مع إسرائيل من إطلاق الصواريخ من حدودها الشرقية باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
علامات حروق على منصة الإطلاق
في 18 سبتمبر الجاري، نشر مستخدمون إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً من سماء محافظة سمنان، بدت وكأنها تُظهر أثراً لدخان صاروخي عند غروب الشمس. السلطات الإيرانية لم تقدم أي تفسير لهذه المشاهد، كما أنّ وسائل الإعلام الرسمية لم تتناول الأمر وكأنه حدث عابر.
وأظهرت صور أقمار صناعية التقطتها سابقاً شركة Planet Labs أنّ المنصة الدائرية في قاعدة الفضاء «الإمام الخميني» الواقعة على بعد نحو 230 كيلومتراً جنوب شرقي طهران في سمنان، كانت مطلية باللون الأزرق ومحاطة بخطوط حمراء وبيضاء وخضراء.
لكن صور الأقمار الصناعية التي التُقطت بعد 18 سبتمبر أظهرت تغيّر لون المنصة، من دون وضوح كافٍ لتحديد التفاصيل، إلى أن التُقطت صورة أكثر دقة يوم الأربعاء بطلب من وكالة أسوشيتدبرس، أظهرت آثار احتراق كبيرة مشابهة للعلامات التي شوهدت بعد عمليات إطلاق سابقة. عند إطلاق الصواريخ، تترك ألسنة اللهب الناتجة عن المحركات أثراً على منصة الإطلاق.
فابيان هينتز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في شؤون الصواريخ، قال إنّ شدة آثار الاحتراق تشير إلى أنّ إيران أطلقت صاروخاً يعمل بالوقود الصلب، إذ إنّ جزيئات أكسيد الألمنيوم الناتجة عن هذا النوع من الوقود تترك مثل هذه العلامات.
وأضاف: «الآثار الممتدة من الشمال إلى الجنوب تدل أيضاً على أنّه ربما تم استخدام مُحوّل انفجاري لتوجيه ألسنة اللهب».
صاروخ عابر للقارات؟
قال محسن زنكنه، نائب في البرلمان الإيراني، في مقابلة تلفزيونية يوم السبت إنّ صاروخاً باليستياً عابراً للقارات أُطلق إلى الفضاء، واعتبر ذلك دليلاً على قوة إيران في مواجهة تحديات إسرائيل والغرب.
وأضاف: «لم نتراجع عن التخصيب (النووي)، ولم نسلّم اليورانيوم للعدو، ولم نتخلَّ عن مواقفنا الصاروخية. لقد اختبرنا أحد أكثر صواريخ البلاد تقدماً، الذي لم يُختبر حتى الآن، وكان الاختبار ناجحاً».
لكنه لم يوضح مصدر معلوماته ولم يقدم أي دليل يثبت ادعاءه. نواب البرلمان الإيراني سبق أن أدلوا بتصريحات مبالغ فيها في قضايا مشابهة.
الصواريخ الباليستية العابرة للقارات عادةً ما يتجاوز مداها 5500 كيلومتر، أي أبعد بكثير من مدى 2000 كيلومتر، حيث يُقال إنّ المرشد الأعلى الإيراني حدّده كسقف. هذا المدى الأخير يغطي جزءاً كبيراً من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكام)، المسؤولة عن العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، امتنعت عن التعليق على طلب أسوشيتدبرس بشأن الموضوع.
أسئلة بلا إجابة
رغم ادعاء النائب البرلماني، ما زالت هناك تساؤلات عديدة حول ما أُطلق فعلياً إلى السماء.
واستخدمت إيران سابقاً هذه المنصة لإطلاق صواريخ تعمل بالوقود الصلب تُعرف باسم «ذوالجناح»، المسمى تيمناً بحصان الإمام الحسين. هذا الصاروخ قادر على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء، لكن استخدام الوقود الصلب وقدرته على بلوغ الفضاء يثيران مخاوف لدى واشنطن من أنّ طهران قد تستغل هذه التكنولوجيا لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات.
مثل هذه الصواريخ يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، لكن إيران تؤكد منذ فترة طويلة أنّ برنامجها النووي سلمي. أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقيّم حالياً أنّ إيران لا تسعى بشكل نشط لتصنيع قنبلة نووية، رغم أنّها تواصل تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 60 في المئة، أي على بعد خطوة تقنية واحدة من مستوى التخصيب العسكري البالغ 90 في المئة. كما تحتاج إيران إلى تصغير أي رأس نووي محتمل لتركيبه على صاروخ باليستي.
وبما أنّ إيران لم تؤكد رسمياً عملية الإطلاق، ومع عدم انتظام أثر الدخان المتبقي، فقد يكون الإطلاق قد فشل. كما أنّ أياً من المسؤولين الأمريكيين لم يؤكد أنّ إيران أطلقت قمراً صناعياً جديداً يوم 18 سبتمبر.
قد تكون إيران سعت أيضاً من خلال هذا الإطلاق إلى توجيه رسالة للغرب بأنها، رغم العقوبات والضغوط، ماضية في برنامجها الصاروخي. ومع ذلك، وبدون تأكيد رسمي، يبقى غير واضح ما الذي كانت طهران تستهدفه تحديداً.
وقال فابيان هينتز في هذا السياق: «المشكلة تكمن في أنّ أحداثاً كثيرة جداً تقع في ما يتعلق بإيران. من الصعب التمييز بين ما هو عرضي وما يشكل نمطاً متكرراً».