تقارير و تحقيقات

مستقبل العلاقات الأمريكية التركية بعد زيارة أردوغان للبيت الأبيض

ترجمة وتحرير: عصام حريرة– مراسلين

تمهيد:

التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنظيره الأمريكي، دونالد ترامب، في أول زيارة له إلى البيت الأبيض منذ ست سنوات؛ حيث يأتي هذا اللقاء في ظلّ استمرار تجميد العديد من القضايا العالقة في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، مثل المحادثات المتعثرة منذ فترة طويلة بشأن مبيعات طائرات “إف-35” الأمريكية إلى أنقرة، والعقوبات الأمريكية على تركيا، ومطالبة “ترامب” دول حلف “الناتو”، بما فيها تركيا، بوقف شراء النفط الروسي.

فهل تم إحراز تقدّم في أيٍّ من هذه القضايا؟ وكيف يُمكن أن يؤثر لقاء “ترامب”-“أردوغان” على التعاون الأمريكي التركي الأوسع في مجالات التجارة والطاقة والسياسة تجاه الشرق الأوسط؟ فسما يلي استنتاجات بعض خبراء مؤسسة “أتلانتك كاونسل” لهذا اللقاء:

ثلاثة أسباب لنجاح لقاء “ترامب” و”أردوغان”:

كان اللقاء ناجحًا على ثلاثة مستويات:

أولًا: يُعدّ حدث الزيارة بحد ذاته أمرًا بالغ الأهمية؛ فقد أنهى فترة ست سنوات من التباعد بين زعيمي البلدين، رغم مصالحهما المشتركة وقضاياهما الاستراتيجية التي تتطلب تنسيقًا رفيع المستوى. ويُشير هذا إلى تحول إيجابي، وإن كان جزئيًا، في لهجة العلاقات الثنائية. ومن المتوقع أن يتجلى ذلك في تعاون أوثق في مجالات الدفاع والطاقة والتجارة والشؤون الإقليمية خلال الفترة المتبقية من ولاية الإدارة الأمريكية الحالية.

ثانيًا: اتسم المؤتمر الصحفي المشترك بإيجابية بالغة؛ حيث أشاد الرجلان ببعضهما البعض وتجنبا الإحراج، وحددا قائمة بمجالات الاهتمام المشترك والتداخل في السياسات العامة؛ سوريا وأوكرانيا وإنهاء الحرب في غزة وحل قضايا طائرات “إف-35” والعقوبات الأمريكية لاستئناف تعاون صناعي دفاعي أوسع.

ثالثًا؛ بعد الجلسة المغلقة، توجد تلميحات إلى إحراز تقدم ملموس في عدة مجالات؛ فقد أعرب السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، عن تفاؤله بأن إعادة دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في هيكل أمن الدولة السوري تتقدم، ويمكن تحقيقها بشكل كبير بحلول نهاية العام. ومن المتوقع صدور إعلان بعد الاجتماع قد يوفر خارطة طريق لحل الخلافات حول طائرات “إف-35” والعقوبات الأمريكية. وفيما يتعلق بالاتفاقيات الملموسة، يبدو أنه تم إضفاء الطابع الرسمي على اتفاقيتين رئيسيتين للطاقة خلال الاجتماع؛ إحداهما لشراء الغاز الطبيعي المسال لمدة عشرين عامًا بقيمة 43 مليار دولار، والأخرى صفقة نووية مدنية تتضمن مفاعلات نووية صغيرة. وقد يتم الإعلان عن صفقات تجارية أخرى في قراءات رسمية للاجتماع.

ومن المرجح أن تشمل طلبات الولايات المتحدة من “أردوغان” إعادة فتح الدير الأرثوذكسي في جزيرة هيبلي، وهي مهمة ليست بالصعبة حيث أبدى “أردوغان” استعداده لها، وتعليق مشتريات تركيا من النفط الروسي، وهو مطلب أكبر بكثير. ولعلّ أبرز ما استُخلص من الاجتماع هو انعكاس التقارب المتزايد بين السياسات الخارجية للرئيسين على جميع المستويات الثلاثة؛ انعقاد الاجتماع نفسه، والجو العام، ومناقشة القضايا الإقليمية. وإذا تم التوصل لحلٍّ ملموس لقضية طائرات “إف-35” والعقوبات، بدلًا من خارطة طريق، فقد يصبح هذا هو الموضوع الأهم. لكن في الوقت الحالي، تُفيد طبيعة الزيارة الإيجابية كلا الزعيمين والموقف الدبلوماسي لكلا البلدين.

ريتش أوتزن: مستشار جيوسياسي وزميل أول غير مقيم في برنامج تركيا في المجلس الأطلنطي

التعاون بشأن أوكرانيا قد يُسهم في تعزيز العلاقات الأمريكية التركية:

يُتيح اجتماع البيت الأبيض بين “ترامب” و”أردوغان” فرصةً نادرةً للعلاقات الأمريكية التركية، مع التركيز على أوكرانيا؛ فمع تعثر محادثات السلام ورفض موسكو الانخراط البنّاء في جهود الوساطة الأمريكية أو التركية، تتشارك واشنطن وأنقرة مصالح متداخلة في كبح العدوان الروسي في البحر الأسود، ومنع روسيا من تعزيز مكاسبها الإضافية في أوكرانياو. تتطلب هذه الأجندة المشتركة جهدًا مشتركًا؛ إذ سيكون تحقيق اختراق ممكنًا إذا قررت أنقرة حل القضية العالقة بشأن مشتريات تركيا من منظومة الدفاع “S-400” الروسية، ما يُمهد الطريق لعودة تركيا إلى برنامج “F-35” الأمريكية. وستكون هذه الخطوة مربحة للجانبين؛ حيث ستعزز موقف الردع والدفاع لحلف “الناتو” في المنطقة، مع استعادة تركيا لقدرات الحلفاء المتقدمة. وإذا اقترنت هذه الخطوة برفع (جزئي) لعقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات “CAATSA” الأمريكي، فقد تفتح الباب أيضًا أمام تعاون دفاعي وصناعي أعمق بين أنقرة وواشنطن، ما يعزز الركيزة الأوروبية لحلف “الناتو”.

ويعتبر ملف الطاقة أمرًا حاسمة آخر؛ حيث أوضح “ترامب” أن على تركيا تقليل مشترياتها من النفط والغاز الروسيين. حتى التحول التدريجي سيقلل من اعتماد أنقرة على موسكو مع تقليص المصدر الرئيسي لإيرادات الكرملين في زمن الحرب. هذا، إضافةً إلى الاتفاقية الأمريكية التركية الموقعة حديثًا بشأن التعاون النووي، بما في ذلك نشر محتمل لمفاعلات وحدات صغيرة، يشير إلى إيجاد بديل لدور روسيا المهيمن في قطاع الطاقة التركي من خلال محطة أكويو النووية والمشاريع المستقبلية.

وإذا ما نظرنا إلى هذه التطورات مجتمعة، فإنها تشير إلى وضع مربح لكل من الولايات المتحدة وتركيا وأوكرانيا؛ فإذا اغتنمت أنقرة هذه الفرصة فيمكنها مساعدة أوكرانيا في التصدي لروسيا، وتعزيز استقرار البحر الأسود، وإعادة تنشيط شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن وحلفائها في “الناتو”، فالنافذة مفتوحة وهذه الفرصة لا ينبغي إهدارها.

يفجينيا جابر: زميلة أولى غير مقيمة في برنامج تركيا في المجلس الأطلنطي

“ترامب” يُقرّ بنفوذ “أردوغان” الإقليمي:

في المؤتمر الصحفي المشترك بين الزعيمين، استحوذ “ترامب” على معظم الحديث، لكن في ردّه على أسئلة الصحفيين كان مُقتصدًا في التفاصيل ومُتحفظًا بشأن القضايا الشائكة التي تعمل عليها تركيا والولايات المتحدة منذ سنوات، من أنظمة الدفاع إلى سوريا وغزة، إلا أنه أبدى احترامه الكبير للزعيم التركي، وأقرّ بتنامي نفوذ تركيا الإقليمي. وتُؤكّد تصريحات “ترامب” تلك التصريحات الأخرى التي أدلى بها سابقًا المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في نيويورك؛ حيث أشار إلى أنه يُجري مشاورات منتظمة مع كبار صناع القرار الأتراك، بمن فيهم وزير الخارجية، هاكان فيدان، ورئيس المخابرات، إبراهيم كالن، حول قضايا مثل أمن بحر قزوين والبحر الأسود.

في ظلّ المشهد الجيوسياسي الحالي، ثمة ما يُبرّر الاعتقاد بأن هذا ليس مجرد كلام؛ فقد عززت تركيا نفوذها ومكانتها في جميع المناطق التي تدخلت فيها مُباشرةً في السنوات الأخيرة، لا سيما في سوريا، وكذلك في ليبيا وجنوب القوقاز. وكما أشار “ترامب” في المؤتمر الصحفي، فإن قلة من رؤساء الدول الأخرى يمكنهم ادعاء احترام كل من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.

وما زالت تفاصيل أين وكيف ستعمل تركيا والولايات المتحدة معًا في المستقبل، وكذلك ما هي تكنولوجيا الدفاع الأمريكية التي ستشق طريقها إلى تركيا، بحاجة إلى مناقشتها خلف الأبواب المغلقة وتنفيذها على مدى أشهر وسنوات. لكن اجتماع البيت الأبيض قد يولّد التفاؤل بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية التركية؛ حيث أظهر الزعيمان تفاهمًا مشتركًا بأن العمل بالتنسيق هو لصالح كلا الحليفين في “الناتو”.

غرادي ويلسون: نائب مدير برنامج تركيا في المجلس الاطلنطي

واشنطن وأنقرة تُطلقان العنان لإمكانياتهما الهائلة في تجارة الطاقة:

بفضل رؤساءٍ ذوي توجهٍ تجاريٍّ على جانبي الأطلسي، يبرز نموذجٌ عمليٌّ جديدٌ للتعاون بين الولايات المتحدة وتركيا؛ ومن الجوانب المهمة لهذه العلاقة تنامي إمكانات التعاون في مجال التجارة والطاقة، سواءً على الصعيد الثنائي أو في مناطق لطالما كانت ساحاتٍ للصراعات العسكرية والسياسية.

في هذا الإطار، وقّعت شركات “بوتاش” و”ميركوريا” و”وودسايد إنرجي” مؤخرًا صفقةً كبرى لاستيراد الغاز الطبيعي المُسال الأمريكي؛ ما يقارب 70 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على مدى عشرين عامًا. ويكتسب هذا الأمر أهميةً بالغة؛ إذ إنه سيساعد تركيا على تنويع مصادرها من الغاز الطبيعي بشكلٍ أكبر، في وقتٍ يتّخذ فيه “ترامب” موقفًا أكثر حزمًا بشأن دعم أوكرانيا ضد روسيا، وضرورة وقف تجارة الطاقة مع موسكو.

ومن المهمّ النظر إلى هذه الاتفاقيات بالتوازي مع اتفاقياتٍ أخرى وُقّعت قبل بضعة أشهر بين شركاتٍ تركيةٍ وأمريكيةٍ وقطريةٍ رائدةٍ، للاستثمار في بناء محطاتٍ للغاز الطبيعي والطاقة الشمسية في سوريا. علاوةً على ذلك، فإن اتفاق هذه الدول على إزالة العوائق أمام صادرات النفط من حكومة إقليم كردستان العراق إلى ميناء جيهان التركي، بعد انقطاع دام عامين، يوشك أن يُؤتي ثماره، وهو ما سيعود بالنفع على العراق وتركيا والشركات الأمريكية. وقد يكون هناك أيضًا مزيد من التعاون في ليبيا؛ حيث وقّعت شركات تركية وأمريكية صفقات مع شركة النفط الوطنية الليبية هذا الصيف، وسيساهم هذا التعاون المتنامي في رفاه واستقرار هذه المناطق، حيث تتواجد تركيا عسكريًا أيضًا وتساهم في بناء القدرات الحكومية والعسكرية.

بينار دوست: زميلة غير مقيمة في برنامج تركيا التابع للمجلس الأطلنطي ومؤرخة للعلاقات الدولية

تركيا هي صانعة الملوك التي يرغب ترامب بالعمل معها في سوريا:

طغت العلاقة الشخصية الإيجابية بين “أردوغان” وترامب” على اجتماع البيت الأبيض، لكن حتى أبعد من علاقتهما الشخصية، يتشارك الرجلان مصالح متقاربة في الشرق الأوسط؛ حيث تتوافق رؤية تركيا للمسؤولية الإقليمية مع استراتيجية إدارة “ترامب” في تفويض الأعباء إلى حلفائها المحليين. ويتجلى هذا بوضوح في سوريا؛ حيث رفع “ترامب” العقوبات للسماح للشركاء الإقليميين بالمساهمة في إعادة الإعمار. وبالنسبة للرئيس الأمريكي، فإن تركيا هي صانعة الملوك التي يرغب بالعمل معها في سوريا، ونتيجةً لهذا التفكير بدأت بالفعل مشاريع استثمارية تركية-أمريكية-قطرية واسعة النطاق في سوريا.

ومن نافلة القول إن كلًّا من “أردوغان” و”ترامب” يُعرفان بتجاوزهما الأعراف الدبلوماسية لصالح عقد الصفقات الشخصية، وبهذه الطريقة لم تُحسّن زيارة “أردوغان” للبيت الأبيض العلاقات الأمريكية التركية فحسب، بل ولّدت أيضًا، على ما يبدو، زخمًا إيجابيًا في سوريا، التي يسعى “أردوغان” للحصول على دعم أمريكي لآلية أمنية بينها وبين “إسرائيل”، للتخفيف من أثر الضربات “الإسرائيلية” على استقرار البلد تحت الإدارة الجديدة. فمن وجهة نظر أنقرة، فإن الإجراءات “الإسرائيلية” لا تقوض الاستقرار السوري فحسب، بل تُضعف دمشق أيضًا في مفاوضاتها مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تُهيمن عليها وحدات حماية الشعب (YPG)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، والتي تُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي. وبناءً على الدعوة الأخيرة التي وجهها زعيم “حزب العمال الكردستاني” المسجون، عبد الله أوجلان، إلى الحزب لإلقاء السلاح، تُفضل أنقرة تسوية سياسية شمال شرق سوريا تُفضي إلى دمج قوات “قسد” في الدولة السورية.

وبناءً على بيان “باراك”، المبعوث الخاص لسوريا، يتفق “أردوغان” و”ترامب” على ضرورة تنفيذ “قسد” اتفاقية العاشر من آذار/ مارس مع دمشق، والتي تُدمج قواتها في الحكومة. وبطريقة ما، فقد عزز الاجتماع بين “أردوغان” و”ترامب” موقف الرئيس السوري، أحمد الشرع، في المفاوضات مع “قسد”.

عمر أوزكيزيلجيك: زميل غير مقيم في مشروع سوريا ببرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي

المصدر: أتلانتك كاونسل

Atlantic Council

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews