تقارير و تحقيقاتثقافة وفنسلايدر

سمير غانم .. مواقف في حياة ملك الإفيهات الارتجالية

شبكة مراسلين – صفية عامر

“سمير غانم” واحد من القلائل الذين أجادوا فن الارتجال الكوميدي ليس في مصر ولا العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم بلا مبالغة.

“زعيم الارتجال”، و”ملك الخروج علي النص”، صاحب مدرسة قائمة بذاتها، هو فيها المعلم والناظر، بشهادة جميع الفنانين صغار وكبارا، إذا طلبت من أحدهم الاختيار من بين الأفضل بين نجوم الكوميديا، فلابد أن يستثنى سمير غانم على الفور، باعتباره غير قابل للمقارنة، فلا شبيه له أو “مقلد”.

على مدى ستة عقود، شارك سمير غانم في مئات الأعمال المتنوعة على المسرح وفي السينما والتلفزيون، واشتهر بقدرته الفائقة على الابتكار وليد اللحظة دون إخلال بالنص الأصلي بل كانت إضافات محسوبة، بدون السخرية من هيئة الآخرين، أو الاعتماد على الإيحاءات الرخيصة والمبتذلة، سواء في المسرح أو حتى في الأعمال التلفزيونية والسينمائية.

حين تم إنشاء فرقة “ثلاثي أضواء المسرح”، واجهه سمير غانم – كما حكى بنفسه- صعوبة في لفت الأنظار إليه خاصة أنه مع اثتين لديهما قدرة كبيرة في لفت الانظار، وكل واحد منهما يتمتع بصفات جسدية تؤهله لإضحاك الناس، فجورج سيدهم يتمتع بجسد بدين، ولديه قدرة على تقليد السيدات ببراعة، وكذلك الضيف أحمد ذو الحجم الصغير، فكان عليه أن يبذل جهدا كبيرا حتى يراه المشاهد.

فابتكر طريقة في المشي والكلام، وكان دائما ما يصبغ السيناريو بلونه الخاص، ويضع بصمته على كل كلمة، وهو ما ميزه عن غيره، وصرح كثيرا أنه كان دائم مفاجأة الجمهور، في العروض المسرحية بإضافة جملة أو موقف جديد مع كل ليلة عرض.

كان لسمير غانم حتى في تعامله مع مظهره الخارجي، مع رفضه إجراء عملية لزراعة الشعر، واستخدامه للشعر المستعا، بهدف فني ساعده على تغيير شخصيته باستمرار، بدءا من النظارة السميكة، مرورا بالقمصان بطرازها الغريب والوانها المبهجة. وتوظيف الإكسسوارات الشخصية في إضحاك الجمهور. اعتمد على “الإيفيه” بديلا لحركات العيون كعادل إمام، أو حركة الفم كإسماعيل يس.

الارتجال الذكي كان سلاحه الذي اعتمد عليه، مما اقنع المخرجين بالتفكير خارج الصندوق فجعلوه مرجعا لتسمية أعمالهم، أملًا في العثور على الجديد والمختلف، ولم تخطئ رهاناتهم. مثل المخرج عمر عبدالعزيز فأنتجا معًا اسمًا غريبًا على الساحة الفنية في فيلم ”تجيبها كده تجيلها كده هي كده”، وهي تركيبة لغوية غريبة بالنسبة إلى فيلم سينمائي.

روى الفنان سمير غانم لأول مرة عن كواليس مسرحية “المتزوجون”، وقال إنه طلب من المخرج حسن عبد السلام أن يترك له المساحة في تحديد دخلة شخصية “مسعود” المسرحية.

وتابع: “استعنت في المسرحية بالمزمار البلدي، واتفقت مع اللى هيزمر أنه يحط سيجارة في نهاية الزمارة، ودي كانت المفاجأة وبقيت اقول يارب ما تنطفيء السيجارة ودخلت وعملت زفة للعريس والعروسة وكان العريس جورج سيدهم وعمل محمد طه موال رائع، وبعدين دخلت وأخدت نفس منه الزمارة وبعدين الدخان طلع وكانت مفاجأة للجمهور”.

النظرة المختلفة جزء من شخصيته، فبمجرد رؤيته شوكة وملعقة خشبية ضخمة معلقة كقطعة ديكور في منزل أحد أصدقائه، تولدت في ذهنه توظيفها لتخرج في مشهد تناول الطعام في مسرحية “المتزوجون” بطريقة جعلتها أهم فقرات أكثر أعماله المسرحية شهرة وجماهيرية.

كان دائما ما يفاجئ زملائه بالنكات بعيدا عن السيناريو، واثقا أنه سيفوز بسرعة البديهة والقدرة على التخيل وإجادة ملكة الإسقاط على الواقع المعاش.

من أحد تصريحاته: “في كل مسرحية بعمل 10 دقائق خروج عن النص من فكرتي علشان أجذب الجمهور وأضحكه.. المسرح مملكة تانية وأعتبره بيته ولما بدخل وأشوف الناس بعيش معاهم وبمثل معاهم مش بمثل عليهم”.

اعتمد سمير على ملكاته الخاصة في استكمال مواطن النقص في السيناريو، فكان يضيف من وحي خياله جملا يكمل بها الحبكة الفنية أو يرتجل في المفارقات والمواقف، فأصبح وجوده ضمانة للضحك، بصرف النظر عن جودة العمل.

تحدث الفنان سمير غانم، عن قصة “إفيه الهكسوس” الشهير الذي ارتجله في فيلم “عالم عيال عيال”، بطولة الفنان رشدي أباظة وسميرة أحمد، وإخراج محمد عبدالعزيز. وقال: “المخرج كان دمه خفيف، والشغل كان حلو، الإفيه مكنش مكتوب، ولما رشدي أباظة سمعه وقع على الأرض من الضحك”.

لكن خروجه عن النص لم يمر مرور الكرام دائما، فقد سبب له أزمات، أشهرها مع الكاتب فيصل ندا الذي طالب الرقابة بإيقاف عرض مسرحية “أهلًا يا دكتور” بعد عرضها لمدة خمس سنوات، بسبب ارتجاله المستمر وأدت لقطيعة بينهما استمرت ثلاثة عقود.

وعن تغريده خارج سرب الكوميديا المعتاد، تحدث الفنان أحمد فهمي في احد البرامج التلفزيونية، والذي يعد واحد، من اكثر معجبيه، أنه قد يحلم أن يكون في نفس مكانة الفنان عادل إمام، وان يقدم أدوارا متنوعة ومختلفة ولا تقتصر علي الكوميديا، ورغم أن الوصول لمكانة الزعيم صعب لكنه يظل حلم قابلا للتحقيق، لكن الحلم أن اكون في مكانة سمير غانم فهو مستحيل، فسمير في مكانة لا يستطيع أحد الاقتراب منها، فالرجل قادر علي إضحاك الناس مهما كان الوضع مأساويا.

بمجرد انتشار خبر وفاته، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع من أعماله المختلفة “يارب ولد”، “روميو وجولييت”، و”حكاية ميزو” التي حوت جملا ونكات مازالت عالقة في أذهان جمهوره، ويرددها بشكل مستمر، ووضعته في مكان ينافس بها نجوم الكوميديا العالمية.

وُلد سمير يوسف غانم في يناير من عام 1937، والتحق بعد الدراسة الثانوية بكلية الشرطة، لكنه تركها ليلتحق بعد ذلك بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية.

كرمه «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» في دورته التاسعة والثلاثين في نوفمبر من عام 2017، بمنحه جائزة فاتن حمامة التقديرية.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews