تقارير و تحقيقات

غزة ستستفيق على وجع ما بعد الحرب… حين يسكت القصف وتبدأ الصدمة

مولود سعدالله – مراسلين

ربما يدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ خلال الساعات أو الأيام القادمة، بعد مفاوضاتٍ شاقة رعتها أطراف إقليمية ودولية وذلك بعد قبول مبادرة ترامب وهذا ان صمدت
ومع أن العالم سيستقبل هذا الخبر بارتياح كبير وخاصة الغزيين الا انه هذا الارتياح مؤقت ، لأن الهدوء المنتظر في غزة لن يكون سلامًا بقدر ما سيكون استفاقة على وجع أعمق وجع ما بعد النجاة ، فحين تسكت الطائرات وتغيب أصوات الانفجارات، تبدأ الصدمة الكبرى ، صدمة الوعي بالكارثة و الانكشاف على حجم ما فقده الناس والمدينة معًا.

الاستفاقة من تحت الركام

مع أول فجر بعد الصمت سيخرج الغزيين من بين الأنقاض ،لن يجدوا الأمان الذي انتظروه ولو انه اهم مطلب حاليا ، بل مدينة بلا ملامح وأحياء تحولت إلى ذاكرة رمادية.

ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في سبتمبر 2025 بعنوان تحليل الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد قُتل منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023 نحو 63,746 شخصًا، وأصيب أكثر من 161,000 آخرين، أغلبهم من المدنيين بينهم نساء وأطفال ،
كما ذكرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في تقريرها رقم 170 أنّ نحو 1.9 مليون فلسطيني أي ما يعادل 90% من سكان القطاع نزحوا عن منازلهم، وجلهم لأكثر من مرة خلال الحرب.

الصدمة تبدأ حين يزول الخطر

علماء النفس يقولون إن الصدمة لا تُحسّ أثناء الخطر، بل تبدأ حين يزول.
وفي غزة سيتجلّى ذلك بوضوح من فقدوا أطرافهم سيبدؤون استيعاب جرحهم الحقيقي، ومن فقدوا أبناءهم سيواجهون الصمت الذي كان يحميهم من الانهيار.
إنها لحظة “الانكسار بعد الصمود”، حين يدرك الإنسان أنه نجا من الموت ليعيش بين أنقاضه.

يقول تقرير منظمة الصحة العالمية إن «أغلب الناجين يعانون اضطرابات نفسية حادة تشمل القلق المزمن واضطراب ما بعد الصدمة، وإن غياب الدعم النفسي يهدد بانفجار اجتماعي صامت بعد الحرب».

الخراب شبه كلي

تشير دراسة حديثة نشرها باحثون في جامعة أكسفورد عبر منصة (ArXiv) إلى أن تحليل صور الأقمار الصناعية أظهر تدمير أو تضرر أكثر من 191,000 مبنى في قطاع غزة خلال الأشهر الأولى من الحرب، بينها أحياء سكنية كاملة أُزيلت من الخارطة.

وفي الوقت ذاته أكدت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن البنية الإدارية للقطاع شبه منهارة، وأن عدداً كبيراً من السجلات المدنية والإدارية فقد أو تعذر الوصول إليه.
تسأل التقارير الدولية بمرارة: كيف يمكن إدارة مدينة بلا بلديات ولا مؤسسات ولا كهرباء ولا مؤسسات؟

الانهيار الاجتماعي والاقتصادي

النسيج الاجتماعي الذي صمد تحت النار بدأ يتفكك في صمت
فبحسب البنك الدولي بلغت خسائر الاقتصاد الغزي مستويات غير مسبوقة، إذ توقفت أكثر من 80% من الأنشطة الإنتاجية وانهارت شبكات التوزيع والتمويل المحلي .
أما في الجانب الصحي فقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن 94% من المستشفيات والمراكز الصحية في غزة خرجت عن الخدمة كليًا أو جزئيًا ، ما جعل الجرحى والمرضى بلا علاج مستدام.

الأسواق مغلقة والمياه ملوثة،
والكهرباء لا تتوفر إلا لساعات قليلة،
حتى المساعدات الإنسانية أصبحت غير قادرة على تغطية الحد الأدنى من احتياجات الغذاء والدواء.

أين دور علم النفس والاجتماع والاقتصاد؟

المرحلة القادمة لا تحتاج فقط إلى شاحنات المساعدات، بل إلى تدخل شامل لخبراء النفس والاجتماع والاقتصاد.
فبحسب تقرير للأونروا بعنوان ” غزة بعد الحرب احتياجات إنسانية عاجلة “، فإنّ نحو 700 ألف طفل بحاجة إلى دعم نفسي مباشر بينما تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 60% من الأسر فقدت مصدر دخلها بالكامل.

إعادة البناء هنا لا تقتصر على الحجر بل تشمل إعادة بناء الإنسان الفلسطيني نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ، والاهتمام خاصة بالأطفال لتستعيد غزة قدرتها على النهوض من تحت الرماد.

الصمت الذي يوجع أكثر من الحرب

حين يسكت القصف يبدأ الوجع الحقيقي ، ستواجه غزة أصعب امتحان وهو النهوض من تحت الرماد، واستعادة معنى الحياة في مدينة فقدت كل شيء إلا إصرارها على البقاء.
فالحرب قد تتوقف لكن معركة الوعي والبناء لم تبدأ بعد وغزة كما كانت دائمًا ستخوضها وحدها ثم يكتب التاريخ من جديد من رمادها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews