تقارير و تحقيقات

المرتزقة وتآكل الولاء القبلي في قوات الدعم السريع

ممدوح ساتي -مراسلين

في المشهد المتبدل لحرب السودان، تبدو قوات الدعم السريع وكأنها تسير على حافة مفارقة قاتلة: تتسع جبهاتها العسكرية بينما تضيق دوائر تأييدها الشعبي.

ازدياد اعتمادها على المرتزقة الأجانب لم يعد تفصيلاً ثانوياً، بل تحوّل إلى مفتاح لفهم طبيعة الأزمة داخلها ، فهو في آنٍ واحد نتيجة لانحسار القاعدة القبلية وسبب لتعمق هذا الانحسار.

مشهد من نيالا إلى الضعين

في مدن دارفور الكبرى (نيالا، الجنينة، والضعين) يظهر أثر الحرب في كل زاوية.
الأسواق تئن من الجبايات، الطرق تحولت إلى سلاسل تفتيش، والمطارات إلى رموز غامضة لرحلات لا تُعلن وجهتها.
تقارير ميدانية متقاطعة تشير إلى أن طائرات شحن استخدمت في نقل مقاتلين وعتاد من خارج البلاد، وأن الضربات الجوية التي استهدفت بعض هذه المواقع كشفت عن وجود شبكات لوجستية تمتد أبعد من حدود الإقليم.

القادمون من الخارج

تحقيقات حديثة ومصادر استخباراتية مختلفه، OSINT وغيرها، رصدت تزايد حضور مقاتلين من دول إفريقية عدة، إلى جانب تقارير متفرقة عن عناصر من أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية.


هؤلاء لا يرتدون زيًّا موحداً ولا يرتبطون بعقود واضحة، بل يتم استقدامهم عبر وسطاء وشركات صغيرة متخصصة في “الأمن الخاص”، تُدير العملية بمزيج من الوعود المالية والصفقات الميدانية.


الأجر هنا هو المحرّك الأساس ، دفعات نقدية، حصص من الذهب، أو مكافآت نهاية مهمة.

المال بديلاً عن الولاء

التحول في بنية قوات الدعم السريع لم يكن مجرد تغيير في نوع المقاتل، بل في طبيعة الدافع ذاته.

فبينما يقاتل المرتزق بعقود قصيرة الأمد تشتري ولاءه مؤقتاً، يتراجع حماس المقاتلين المحليين الذين باتوا يشعرون بأن “الحرب لم تعد حربهم”.

كثير من الشباب الذين انضموا سابقاً بدافع الحماية القبلية أو الولاء المحلي بدأوا في الانسحاب، تاركين فراغاً يُملأ بأجانب لا يعرفون تضاريس الأرض ولا وجوه من يسكنها، او بأطفال يتم اختطافهم من ذويهم واجبارهم على حمل السلاح.

السبب والنتيجة في دائرة واحدة

تزايد أعداد المرتزقة هو في حد ذاته انعكاس لأزمة داخلية أعمق: فقدان الثقة بين القيادة والمجتمع القبلي الذي مثّل الحاضنة الأولى للدعم السريع.

ومع انحسار التأييد الشعبي، لجأت القيادة إلى المال كبديل عن الانتماء، لكن ذلك لم يوقف النزيف بل سرّعه.

فكل مقاتل أجنبي جديد يعني مزيداً من الشكوك داخل المجتمعات المحلية، ومزيداً من الانفصال بين ميليشيا الدعم السريع وسكان الأرض.

انهيار العقد الاجتماعي القبلي

تاريخياً، كانت بعض القبائل ترى في قوات الدعم السريع مظلة حماية وفرصة نفوذ. لكن مشاهد النهب والانتهاكات، وانهيار الخدمات، وتراجع الأمن، أضعفت هذا الرابط إلى حد التآكل.

الآن، الولاء في مناطق نفوذ الدعم السريع لم يعد قبلياً بقدر ما هو مالي، علاقات قائمة على المصالح لا على الهوية.
في المقابل، تنشأ نزعات رفض متزايدة بين القبائل المتضررة، ما يعمّق عزلة القوة المقاتلة عن نسيجها الاجتماعي الأصلي.

تبعات اقتصادية وإنسانية

مع هذا التحول، غرق الإقليم في اقتصاد حرب مغلق:
ذهب يُهرَّب، ضرائب تُفرض بالقوة، وأسواق تعيش على حافة الانهيار.

عجز المقاتلين المحليين عن تحمّل أعباء القتال الطويلة، وتنامي شعورهم بأنهم وقود حرب لا تعود عليهم بشيء، فتح الباب أمام موجات انسحاب واسعة.

كل ذلك جعل من المرتزقة ركناً ثابتاً في منظومة الدعم السريع، لكن بثمن باهظ، إذ كل مقاتل أجنبي يُضاف، يخصم جزءاً من الثقة والشرعية داخل السودان نفسه.

خلاصة المشهد

دارفور اليوم ليست مجرد ساحة مواجهة عسكرية، بل مرآة لصراع أعمق بين المال والانتماء، بين الولاء الموروث والعقد المدفوع. فحين تتحول الحرب إلى مهنة، يصبح الانتصار مسألة حسابات لا قناعات.

وكلما ازدادت صفوف المرتزقة، تضاءل ما تبقى من صورة القوة التي كانت يومًا ترفع راية “القبيلة والسودان” لتجد نفسها الآن تقاتل من أجل من يدفع أكثر.

الصحوة الوطنية ودور الجيش السوداني

على الأرض، يتقدّم الجيش السوداني ليس فقط بالقوة العسكرية بل أيضاً بفضل صحوة وطنية بدأت تنتشر بين شباب القبائل التي كانت تُستغل سابقاً كوقود لحرب قوات الدعم السريع.

هذا التحوّل الاجتماعي يعزز قدرة الجيش على السيطرة، ويضعف أسس ولاء الميليشيا، مما يمكّن القوات النظامية من استعادة زمام المبادرة على الأرض ويُعيد إشراقة الأمل في حماية المجتمع المدني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews