تقارير و تحقيقات

وقف الحرب في غزة.. فرحةٌ يمنية وآمالٌ بالتعافي الداخلي

أمل وحيش – مراسلين

أتى إعلان وقف الحرب في غزة ليترك أثرًا بالغًا لدى الشارع اليمني، الذي يجد في هذا الحدث بارقة أمل وسط صراعاته الممتدة منذ أكثر من عشر سنوات.

فاليمنيون، الذين أنهكتهم الحروب والانقسامات، تابعوا مأساة غزة بقلوبٍ مثقلة بالوجع، يرون فيها صورةً أخرى لمعاناتهم التي طال أمدها.

فحرب غزة، رغم ألمها وتأثيرها النفسي العميق على اليمنيين، كانت مصدر خوفٍ من أن يتكرر السيناريو ذاته في بلادهم، خصوصاً بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي أوقعت ضحايا وخسائر في الممتلكات.

فرحة الشارع اليمني بوقف الحرب في غزة لم تكن مجرد تضامنٍ عابر، فمشاهد الموت والدمار القادمة من غزة كانت تذكيرًا يوميًا لليمنيين بمأساتهم المستمرة منذ عشر سنوات، وبالدماء التي أُريقت على أرضهم بين أطرافٍ يمنية متصارعة، فيما ساهمت التدخلات الخارجية في تعقيد الأزمة وإطالة أمدها، سواء منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية عام 2015 بدعوة من الحكومة المعترف بها دوليًا، أو عبر محاولات الزجّ باليمن في حرب غير متكافئة مع طرف لا يعرف للإجرام حدود، ولا يمت للإنسانية بصلة كإسرائيل، وما حدث في غزة خير شاهد.
مفارقات عديدة جعلت اليمنيين لا ينشدون اليوم سوى السلام، متمنّين أن يعمّ الأمن أرجاء وطنهم وأن تضع الحروب أوزارها.

سعادة غامرة
عبد الكريم أمين يعمل مبرمج حاسوب في صنعاء، يصف شعوره بإعلان وقف إطلاق النار في غزة قائلاً:” سعيد جداً بانتهاء الحرب في غزة، وانتهاء معاناة أهل غزة، فقد عانوا لسنتين متواصلتين، من التشرد والنزوح والجوع والعطش”. ويتوقع أن انتهاء حرب غزة تكون سبباً في أن تتوجه الأنظار إلى اليمن لإنهاء معاناته الدائرة منذ سنوات.

أما يوسف الذي يعمل مصمم جرافيك فيبدي سعادة كبيرة بهذا الإعلان ، ويتمنى أن يكون وقف النار في غزة دائم، وأن تتوقف الحرب في اليمن أيضاً، وتوقف الحرب بغزة برأيه يعني أن يتوقف الحوثي عن مهاجمة إسرائيل وبالتالي فإسرائيل ستتوقف عن الاعتداء على اليمنيين وتدمير الممتلكات العامة.

أم محمد تقول إن خبر إنهاء الحرب أجمل خبر سمعته، خاصة وأنها كانت كلما سمعت دوي انفجارات تهز العاصمة صنعاء، تترقب متى سيأتي عليها الدورهي وأطفالها ويزداد خوفها حين يكون زوجها خارج البيت أثناء القصف، وهو ما خلق الرعب والقلق المستمر من إمكانية تجدد القصف الإسرائيلي العنيف بأي لحظة، وتؤكد أن فرحة أهل غزة بوقف الحرب تساوي فرحة اليمنيين الباحثين عن الأمان في وطن تحرقه الصراعات والحروب منذ سنوات.

فرحة مزدوجة
يرى محمد أمين، وهو طبيب أسنان، أن فرحة اليمنيين كانت كبيرة بوقف الحرب على غزة، لأن القلوب أنهكتها مشاهد الدم والدمار والجوع التي عصفت بأهل غزة طوال عامين، مشيدًا بخطوة السلام، قائلًا: “الحرب لا تُسعد أحدًا، والسلام وحده هو الذي يعيد للإنسان حقه في الحياة الكريمة والأمان المفقود”.
ويعتبر أن الفرحة مزدوجة، إذ يقول: “اليمني في كلّ بارقة أملٍ إقليمية يرى انعكاسًا محتملًا على واقعه المرير، فيما يُعرف بتأثير (الدومينو)”.

ويُكمل حديثه قائلًا: “تتوقف الأزمات من حولنا، نتفاءل بأن تنفرج عُقد الملف اليمني الذي طال انتظاره، لعل نسمة سلامٍ تصل إلى هذا البلد المنهك”.

ويضيف أمين أن اليمنيين تعبوا من حالة “اللا حرب واللا سلم”، التي يصفها بالمنطقة الرمادية التي أرهقت أرواحهم أكثر من الحرب ذاتها، فاليمني حسب تعبيره ما زال يعيش معاناة تتجاوز قسوة الأمس، يبحث عن بصيص ضوءٍ في نهاية نفقٍ لم يعد يرى له خاتمة.

ويرجو أن يعم السلام اليمن أرجاء قريباً:” إنها ليست مجرد فرحة بانتهاء حربٍ هناك، بل رجاءٌ عميق بأن يحين الدور على اليمن، ليعرف السلام بعد طول عذاب، ويكتب فصلًا جديدًا من الحياة بعد أن اعتاد على الانتظار”.

مغامرات
يفترض أن ينعكس الوضع الجديد في غزة، وإعلان إيقاف الحرب، بشكلٍ إيجابي على الأوضاع في اليمن، باعتبار أن جماعة الحوثي تُرجع الفضل لنفسها في مساندة الفلسطينيين للوصول إلى هذه النتيجة، وفقًا لرأي الدكتور فارس البيل، رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية. الذي يؤكد في تصريح لشبكة “مراسلين” أن المأساة تكمن في أن الحوثي لم يتدخل أساساً بدوافع إنسانية تجاه أهل غزة ونصرة لهم، وبالتالي فهو يجد نفسه في مأزق عسكري وسياسي.

ويرى البيل أن الهجمات التي ينفذها الحوثي باتجاه إسرائيل ما هي إلا مغامرات جاءت تلبية لرغبات النظام الإيراني في التصعيد والتهديد وابتزاز الغرب، واستنزافه في منطقة البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب، لا نصرةً لفلسطين، وإنما حمايةً للنظام الإيراني وتشكيل حائط صدٍّ أولي له.

ويضيف: “كانت حرب غزة أشبه بيافطة دخلت تحتها أذرع إيران شكلاً باسم فلسطين، وواقعًا لأجل إيران “. ويرى البيل أن الحوثي بتلك الهجمات على إسرائيل أو السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب لم يجلب سوى الدمار لليمنيين.

دائرة اللهب
يقول البيل إن المعادلة اختلفت الآن بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة، إذ تجاوز الحوثي الحدّ المسموح به، وخسر التعاطف والدعم الذي كان يحظى به من بعض الأطراف الدولية سابقًا.
ويضيف ” وقع عليه ثأر من إسرائيل لا يمكن تجاهله، خسر التفاوض السياسي، وأدخل اليمنيين إلى المحرقة، ولم ينفع معه التعاطف ولا البطولة الوهمية التي كان يمني نفسه بها”.

إسرائيل تتفرغ للحوثي
ويتابع البيل أن الحوثي، بعد وقف حرب غزة، بات في صدارة المشهد، وستتفرغ له إسرائيل حسب قوله، ما يعني أن الحرب بين الجانبين ستستمر، كونها مرتبطة بالمواجهة الأوسع بين إسرائيل وإيران التي تتخذ من الحوثي ذراعًا لتنفيذ أجنداتها.
ويضيف: “يبدو أن سيناريو الحرب بين القوتين قادم نحو جولة أكثر حسمًا، وسيكون الحوثي في قلب دائرة اللهب، ومعه اليمن ومقدراته للأسف”.

ويبدو أن البيل غير متفائل بمستقبل الساحة اليمنية عقب اتفاق غزة، فبرغم تراجع حدة التوترات الإقليمية نسبيًا بعد إضعاف ما يُعرف بأذرع إيران، إلا أنه يرى أن السيناريوهات القادمة تستكمل خطة إعادة تشكيل النفوذ الأمني في المنطقة ومحاولة إخراج إيران من اللعبة، وهو ما قد يُعيد التوتر من جديد.
ويرى أن المشكلة اليمنية ستظل مستمرة وربما تتفاقم، في ظل الارتباط الوثيق بين الحوثي وإيران، ولن تُحل الأزمة اليمنية ما لم يُضعف النظام الإيراني بشكل كامل، ويُكبح نفوذه الخارجي، وتُقلّص قوة الحوثي للوصول إلى حالة من الاستقرار في الشارع اليمني.

يتفق الجميع على أن اليمن بحاجة ماسّة إلى الراحة، وإلى إنهاء الحرب ونبذ الخلافات، والبدء بإعادة بناء ما دمّرته سنوات الصراع.
وما معاناة أهل غزة على مدى عامين من القصف والدمار والإبادة والتجويع إلا عاملٌ إنساني مؤثر يدفع اليمنيين إلى الفرح والتصفيق لأي بارقة سلام، على أمل أن يعمّ السلام وطنهم قريبًا، وتنتهي معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews