أخبارتقارير و تحقيقات

اليوم العالمي للصحة النفسيه.. صلابة غزة وانكسار إسرائيل

ممدوح ساتي -مراسلين

“لنلتزم بدعم الصحة النفسية لدى جميع المجتمعات المحلية، في جميع الحالات، وعلى الخصوص في الأحداث المأساوية.”
— الأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية

في اليوم العالمي للصحة النفسية، تتقاطع المأساة مع المعنى.
فبينما يتحدث العالم عن شفاء الأرواح المنهكة، تقف غزة كأكثر البقاع صدقًا في اختبار النفس البشرية، حيث لا تنتهي الحرب بانتهاء القصف، بل تبدأ داخل الإنسان الذي نجا.

غزة…تتنفس من بين الركام

في غزة، النجاة ليست حدثًا بل حياةٌ تُمارس تحت الرماد.
المدينة التي أنهكتها سنوات الحرب لا تزال تسير بخطى ثابتة على جراحها، كما لو أن البقاء ذاته صار طريقتها في المقاومة.

تقول هبة، وهي أم لثلاثة أطفال فقدت منزلها في قصفٍ مدفعي:
“لم أعد أصرخ حين أسمع الانفجارات… لكن قلبي يصرخ في داخلي كل يوم، أحاول أن أضحك مع أطفالي حتى لا يظنوا أن العالم انتهى”.

تقدّر تقارير أممية أن أكثر من مليون طفل في غزة يعانون اضطرابات نفسية متفاوتة ( اكتئاب، قلق، فقدان النوم، أو أعراض ما بعد الصدمة).
لكن المدهش هو أن الحياة لم تغب رغم كل شيء.
الأطفال يرسمون على جدران الخيام،والأمهات يروين القصص القديمة ليحافظن على ذاكرة العائلة، والشباب ينظمون مبادرات طوعية بين الركام لإعمار النفس قبل الحجر.

ويقول طبيب نفسي يعمل في أحد مراكز النزوح شمال القطاع:
(ما يدهشني ليس حجم الألم، بل حجم التماسك، لا يشبه أماكن أخرى، ما رأيته هنا كان ليكفي لانهيار جماعي،في غزة، الناس يتعاملون مع الكارثة كأنها اختبار للإيمان بالحياة).

ذلك الإيمان، هو جوهر الصمود الغزّي:
أن تعيش رغم أن كل أسباب الحياة تآمرت عليك.

الجنود الإسرائيليون… انتحارات وجنون

وعلى الضفة المقابلة من الحرب، تكشف التقارير الإسرائيلية عن مأساة مغايرة ، مأساة أولئك الذين حملوا السلاح ثم لم يحتملوا ما فعلوه أو ما رأوه.

وفقًا لتقارير عسكرية وإعلامية عبرية، فإن أكثر ظن خمسين جنديًا إسرائيليًا أقدموا على الانتحار منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، في معدل هو الأعلى منذ سنوات.
التحقيقات الداخلية تشير إلى أن أغلب الحالات كانت مرتبطة باضطرابات ما بعد الصدمة، أو بما وُصف بـ“الأعباء الأخلاقية” بعد العمليات القتالية داخل المناطق المأهولة.

يقول ضابط سابق شارك في العمليات البرية:
(الكثير من الجنود لا ينامون ليلًا، إنهم لا يستطيعون التوقف عن رؤية الأطفال والبيوت، بعضهم يقول: لم نكن نعرف أن ما نفعله سيطاردنا بهذه الطريقة).

وفي شهادةٍ لجندي يتلقى علاجًا نفسيًا في مستشفى “شيبع”، قال بصوتٍ خافت:
(في الميدان كنت أنفّذ الأوامر، الآن فقط بدأت أرى الوجوه التي لم أرها هناك، أعتقد أنني فقدت نفسي في غزة).

تؤكد التقارير أن بعض حالات الانتحار حدثت بعد جلسات تحقيق داخلية أو ضغوط نفسية حادة، وأن منظومة الدعم النفسي العسكري عاجزة عن احتواء الأعداد المتزايدة من المصابين باضطرابات نفسية.

من الحرب إلى الندم… من الصمود إلى الإلهام

تكشف الحرب في غزة عن وجهين متناقضين للإنسان:
وجهٌ يتشبّث بالحياة رغم كل ما فقده، ووجهٌ آخر ينهار لأنه لم يعد يحتمل ما ارتكبه أو شهده.

هذا التباين لا يجعل المقارنة عادلة، بل إنسانية؛ فغزة تُظهر أن الروح يمكن أن تصمد حتى حين تتكسر الجدران، بينما يبرهن الجنود المنهارون على أن العنف مهما تجمّل بالقوة، يبقى مرضًا للنفس قبل أن يكون سلاحًا للقتال.

السلامٌ يبدأ من الداخل

إن اليوم العالمي للصحة النفسية ليس دعوة للاحتفال، بل للتفكير العميق:
كيف يمكن أن يتعافى العالم من نفسه؟

من غزة التي تتنفس بالصبر، إلى الجنود الذين يُطاردهم الذنب، تتجلى الحقيقة الكبرى ،أن الحرب لا تنتهي بتوقيع الاتفاقيات، بل حين يجد الإنسان في داخله سلامًا يعيد إليه القدرة على النظر في عيون الآخرين دون خوفٍ أو خجل.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews