تقارير و تحقيقات

من أرض النوبة إلى ضفاف الأمل: شمال السودان يواجه الحرب بالرياضة والسياحة والحياة

ممدوح ساتي -مراسلين

في أقصى شمال السودان، حيث يمتد النيل كشريانٍ بجدار اخضر يشق قلب الصحراء، يختار الناس أن يقاوموا بطريقتهم الخاصة. فبينما تدور ماكينة حرب التحرير ، تتحول الولاية الشمالية ” أرض النوبة القديمة ومهد الحضارة الإنسانية ” إلى فضاءٍ مختلف: فضاءٍ للحياة، وللإصرار على البدء من جديد.

اختُتم أمس طواف الدراجين الذي انطلق من مدينة وادي حلفا إلى دنقلا، في رحلةٍ تجاوزت 500 كيلومتر عبر طرقٍ تلامس النهر وتخترق القرى النوبية العريقة.

وفي مشهد رمزي لافت، أمسك والي الولاية الشمالية عبد الرحمن عبد الحميد بمقود دراجته وقاد بنفسه المسافة الأخيرة من الطواف، في إشارةٍ إلى أن التنمية يمكن أن تُقاد بالفعل، لا بالتصريحات وحدها.

لم يكن الحدث مجرد فعالية رياضية، بل إشارة إلى تحولٍ أعمق في ذهنية الناس. فالشمال السوداني، الذي ظل لعقودٍ أرض هجرةٍ وصبر، بدأ ينهض اليوم كوجهةٍ جديدة للرياضة والسياحة والاستثمار، حيث يجد الزائر في ضفاف النيل متعة التجديف والسياحة النيلية، وفي البوادي متسعاً لهدوءٍ نادرٍ لا يُشبه سواه.

النيل، الذي شكّل ذات يوم نواة الحضارة الانسانية ، عاد ليمنح الحياة من جديد.

من مروي الى الدبه ،ومنها الى دنقلا و جزر أرقو ثم دلقو وحلفا، تتحرك القوارب الصغيرة محملةً بالسياح والرياضيين في مشهدٍ يبعث الطمأنينة، فيما تستعيد الصحراء المجاورة نشاط الصيد التقليدي في مناطق تزخر بالغزلان والأرانب البرية، لتفتح الباب أمام شكلٍ من السياحة البيئية المستدامة التي تحافظ على الطبيعة وتنعش الاقتصاد المحلي.

ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، تعمل حكومة الولاية على تنفيذ خطة استراتيجية لتنشيط السياحة والرياضة، تشمل تطوير الموانئ النيلية وإنشاء مسارات خاصة للدراجات وتنظيم مهرجانات ثقافية ورياضية دورية.
ووفقاً

للمسؤولين المحليين، تهدف هذه المبادرات إلى تحويل الشمالية إلى مركز إقليمي للسياحة الرياضية والبيئية، واستقطاب الزوار من داخل السودان وخارجه.

تقول مصادر حكومية إن هذا التوجه يأتي ضمن رؤية أوسع لخلق بدائل اقتصادية خارج نطاق الحرب، وتعزيز الانسجام المجتمعي عبر الأنشطة الثقافية والرياضية التي توحّد الناس حول قيم البناء والسلام.

وفي مشهدٍ يحمل أكثر من دلالة، تفرح الأرض النوبية أرض كوش بأبناء السودان الوافدين من مناطق النزاع، وتفتح ذراعيها لهم كما لو كانت تستعيد دفء التاريخ. هنا، حيث نُقشت أولى الحروف وبُنيت أولى المعابد، ينهض السودان من جديد ، بسواعدٍ تؤمن أن الأمل يمكن أن يكون مشروعاً وطنياً قابلاً للتطبيق.

فمن وادي حلفا إلى دنقلا، تدور عجلات الدراجات كما تدور عجلة الحياة، ويبدو أن الشمال السوداني قرر أن يكتب قصة السودان القادمة بلغةٍ لا تعرف اليأس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews