تقارير و تحقيقات

بين الحلف والاختلاف هل تمر العلاقات الجزائرية الروسية بإختبار صامت ؟

مولود سعدالله – مراسلين

تعيش العلاقات الجزائرية الروسية خلال الأيام الأخيرة مرحلة دقيقة من التباين الدبلوماسي، بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي فُسّرت في الأوساط الإعلامية على أنها انتقاد غير مباشر للموقف الجزائري من بعض الملفات الإفريقية، لا سيما قضية الحدود الموروثة عن الاستعمار والنفوذ الروسي في منطقة الساحل.

فخلال رده على سؤال صحفية جزائرية حول نشاط “الفيلق الإفريقي الروسي” والمخاوف من ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، اختار لافروف أن يُوجّه رسائل تتجاوز مضمون السؤال ملمّحًا إلى أن بعض التساؤلات تأتي بتأثير أو بتوجيه، قبل أن يربط الموضوع بمشكلة الحدود الاستعمارية التي تعاني منها القارة الإفريقية في إشارة فُهمت على نطاق واسع بأنها تمسّ الجزائر ضمنًا.

هذا التصريح أحدث ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية والإعلامية في الجزائر، بين من رأى فيه سوء فهم عابر ومن اعتبره تعبيرًا عن استياء روسي من تحفظ الجزائر على توسع النفوذ الروسي في الساحل، خاصة بعد تحركات موسكو العسكرية المتزايدة في مالي والنيجر، وهي مناطق تعتبرها الجزائرغ جزءًا من مجالها الأمني الحيوي.

وتطرح هذه التطورات جملة من التساؤلات حول خلفيات التباين في وجهات النظر بين الجزائر وموسكو: هل يعود الأمر إلى تمسّك الجزائر بسياسة الحياد الإيجابي وعدم ميلها التام لأي محور دولي؟ وتغير سياستها إلى الندية والمصلحة المتبادلة ؟ أم أن روسيا ترى في مشروع أنبوب الغاز النيجيري الجزائري منافسًا لمصالحها في سوق الطاقة الأوروبية؟ أم أن الخلاف يكمن في حساسية الجزائر تجاه أي نفاذ روسي مباشر في فضائها الإقليمي الإفريقي دون تنسيق مسبق؟

تساؤلات تبقى مفتوحة أمام مراقبين على يرون أن ما يجري لا يتعدى حدود “التجاذب الصامت” بين حليفين يتقاطعان في المصالح الكبرى، لكنهما يختلفان أحيانًا في طرق إدارتها.

ورغم هذا التباين لا يبدو أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو القطيعة، إذ يؤكد مراقبون أن الجزائر ما تزال ترى في موسكو شريكًا استراتيجيًا في الدفاع والطاقة والتوازن الدولي، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى استعادة استقلالية قرارها الدبلوماسي، عبر تنويع شراكاتها وتجنب الانخراط في محاور النفوذ المتصارعة.

ويُضاف إلى ذلك أن الجزائر ما تزال من أبرز زبائن السلاح الروسي، حيث تواصل اقتناء منظومات حديثة من الدفاع الجوي والطيران القتالي، دون أن تتأثر هذه العقود بالتجاذبات السياسية الراهنة، في مؤشر على أن التعاون العسكري بين البلدين يسير في مساره التقليدي المستقر رغم بعض الغيوم الدبلوماسية العابرة.

ويرى متابعون أن الموقف الجزائري الأخير يعكس تحولاً تدريجياً في السياسة الخارجية الجزائرية، من الشراكة المطلقة إلى الشراكة المشروطة بالمصالح المتبادلة واحترام السيادة الوطنية، وهو ما قد يفسّر تحفظ الجزائر على بعض الأنشطة الروسية في دول الساحل التي لم تُنسّق معها بشكل مباشر.

في المحصلة تمرّ العلاقات الجزائرية الروسية بمرحلة إعادة ضبط ناعمة ، تفرضها التحولات في إفريقيا والتنافس الدولي المتصاعد على هو النفوذ فيها.

لكن ما يجمع البلدين من تاريخ ومصالح كبرى يبقى كفيلاً باحتواء أي خلاف ، وتحويله إلى فرصة لتعزيز حوار أوضح بين شريكين يعرف كلٌّ منهما حدود قوّته وحدود صمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews