تقارير و تحقيقات

اللاجئون السودانيون في مصر.. بين ألم الحرب وتحدي اللجوء

مصعب محمد- خاص مراسلين

مصر- لم يكن الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 يومًا عاديًا في السودان. كانت هدى أحمد، الموظفة بإحدى الشركات السياحية، محتجزة في مقر عملها بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، إثر اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قبل أن تتمكن من الخروج بعد احتجاز دام عشرة أيام متواصلة. تمكنت بعدها من العودة إلى أسرتها، واتخاذ قرار بالسفر إلى مصر، حالها كحال العديد من الأسر السودانية التي لجأت إلى مصر مع اندلاع الحرب في السودان، لبدء حياة جديدة لا يعرفون عنها شيئًا.

يُقدَّر عدد السودانيين الذين عبروا الحدود إلى مصر منذ اندلاع الحرب بنحو 672,930 لاجئًا، وفقًا لإحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وصل كثير منهم لمصر بطرق غير شرعية في رحلة وصفوها ب “الخطيرة والمأساوية” نظراً لارتفاع أسعار التأشيرات إلى مصر وانعدامها أحيانا، و جاء أغلبهم من ولايتي الخرطوم والجزيرة، واستقروا في محافظات مصرية مختلفة مثل القاهرة والإسكندرية وأسوان.

ويواجه السودانيون تحدياتٍ اقتصاديةً ومعيشية، وصعوباتٍ اجتماعيةً وتعليميةً ، في ظل انعدام فرص العمل، وقلة الدخل، وغلاء في المعيشة والخدمات الأساسية.

أدت الحرب التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم إلى عمليات نهبٍ واسعة طالت منازل ومتاجر المواطنين، وانتقلت بعدها إلى عدة ولايات سودانية، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية، والقطاعين الصحي والتعليمي، وفقدان مصادر الدخل، وهو ما دفع مئات الأسر السودانية اللجوء إلى مصر.

سبل العيش وتوفير دخل بديل

يقول المختص بالشؤون السودانية، الدكتور هاشم علي حمد، في تصريحاتٍ صحفية:
“إن النازحين في دول الجوار يواجهون العديد من التحديات، أبرزها السكن وتكاليف المعيشة والإقامة، إضافةً إلى صعوبة الاندماج بسبب عدم معرفتهم اللغة وثقافات تلك الدول”.

وتحدث لاجئون سودانيون يقيمون في محافظة الإسكندرية إلى “مراسلين”، قائلين إن التحدي الأكبر هو إيجاد فرص عمل، فبسبب انعدام الدخل اضطر عمر عبد الله، أحد اللاجئين السودانيين، إلى العمل في مخبز لمدة تقارب 12 ساعة مقابل 150 جنيهًا مصريًا (أي أقل من 5 دولارات في اليوم).

ولجأ بعضهم إلى فتح مشاريع خاصة، مثل محالّ العطارة والمنتجات السودانية والمخابز ومحالّ إكسسوارات الهواتف الذكية. كما تقوم بعض السيدات بصنع المخبوزات وبيعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بفتح صالونات تجميل نسائية توفر لهن دخلًا يكفي حاجات أسرهن.

وتُظهر إحصاءات أممية أن اللاجئين السودانيين يُشكّلون نحو 73% من إجمالي اللاجئين وطالبي اللجوء المسجَّلين لدى المفوضية في مصر.

وبحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، انقطعت المساعدات المالية عن 85 ألفًا من مستحقيها من اللاجئين في مصر، بانخفاضٍ نسبته 36% مقارنة بما قبل نيسان/أبريل الماضي.

بين المعاناة ومحاولة التأقلم

لم تقتصر صعوبة الحياة على الجانب المادي فقط، بل امتدت لتطال المعاملة الاجتماعية اليومية. ففي ظل المعاملات الروتينية اليومية، يواجه اللاجئون السودانيون أشكالًا متعددة من التمييز والعنصرية.

وتتجسّد هذه الأشكال في مواقف كثيرة، إذ ذكرت صفاء التوم، إحدى السودانيات المقيمات في مصر، أنهم يواجهون “معاملة سيئة وإذلالًا” عند الذهاب لتجديد بطاقة الإقامة. وفي أحيانٍ أخرى، يتحول التمييز إلى استغلالٍ مادي مباشر، كما تقول سمر حسين، المقيمة في محافظة القاهرة:

“أنا وأبنائي نتعرض لمضايقات في العمارة، ويتم إجبارنا على دفع ضعف ما يدفعه السكان الآخرون لقاء خدمات العمارة، فقط لأننا سودانيين “.

الأمر يصل أحيانًا إلى الاعتداء الجسدي، كما روت لاجئة سودانية فضلت حجب اسمها:
“ضُرِب ابن عمي في وسط الشارع، وفقد الوعي وسُرِق هاتفه”.

وأضافت أن هذه المضايقات تشمل “النصب والاحتيال والمشاجرات، والتنمر والاستفزاز”، بالإضافة إلى التعرض “للصراخ في الوجه”، مما يزيد من صعوبة التكيف والشعور بالأمان في بيئة اللجوء.

يقول نور خليل، المدير التنفيذي لمنصّة اللاجئين في مصر، في تصريحاتٍ صحفية، إنّ “التعليقات السلبية ضد اللاجئين موجودة ومستمرة، وتتعالى مع حدوث الأزمات أو توجّه الدعوات لاستقبال لاجئين”.

ويضيف: “بعض هذه التعليقات، أو معظمها، منقولة، مع ترويجٍ لكمٍّ هائل من المعلومات الخاطئة حول أعداد اللاجئين أو الخدمات المقدَّمة لهم، وكلّ ذلك يجري بدوافع قومية أحيانًا، أو بدعوى أنهم سيتسبّبون في مشكلات اقتصادية”.

التعليم ومأساة الرسوم الدراسية
يعتمد أكثر من 60% من الأسر السودانية في مصر على المدارس السودانية لتعليم أبنائها. وقال أولياء أمور سودانيون لـ”مراسلين” إنهم يعانون من ارتفاع الرسوم الدراسية وكثرة إغلاق هذه المدارس، نظرًا لعدم التنسيق مع السلطات المصرية، مما يعرّضها للإغلاق المستمر من حينٍ إلى آخر.

تقول وفاء السيد، والدة إحدى التلميذات السودانيات:
” إدارة مدرسة ابنتي حجبت رقم جلوسها قبل موعد الامتحانات بيومٍ واحد، نسبة لعدم سدادنا جزءًا من الرسوم الدراسية، مما يجعلنا تحت ضغطٍ نفسي مستمر”.

يُعزي أحمد البشير، أحد الأساتذة العاملين في المدارس السودانية بالقاهرة، الزيادةَ في الرسوم الدراسية إلى التدهور المستمر للجنيه السوداني مقابل الجنيه المصري، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الدراسية من جانب إدارة وتشغيل المدارس السودانية في مصر.

تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود تحديات كبيرة في التعليم بالنسبة للاجئين السودانيين في مصر، إذا أن نصف الأطفال اللاجئين خارج المدرسة بسبب نقص التمويل، والعقبات البيروقراطية مثل عدم وجود تصاريح إقامة، والمقاعد المحدودة في المدارس. بينما تعمل الأمم المتحدة (بشكل أساسي مفوضية اللاجئين واليونيسف) مع الحكومة المصرية لدعم التعليم من خلال الدعم المالي واللوازم، فإن الحاجة لا تزال تفوق التمويل المتاح والقدرة الاستيعابية للمدارس.

بين ألم العودة وتحدي الذكريات
رغم كل الصعاب والتحديات التي يواجها اللاجئون السودانيون في مصر، يظل الحلم الأكبر والوحيد لهم هو العودة إلى بلادهم. تقول صفاء التوم:
“بالنسبة لنا، لا تمثل الإقامة في مصر استقرارًا دائمًا بقدر ما هي فترة انتظارٍ مؤلمة”.

كل إفاداتهم تشير أن أحلامهم وطموحاتهم تدور حول محورٍ واحد: العودة إلى السودان “الرجوع للأمان والاستقرار في السودان”، و”السودان يتحسن ونرجع”. وبعضهم يحلم فقط بـ”وقف الحرب”.


ما يفتقدونه ليس مجرد الأمان ، بل تفاصيل الحياة اليومية المفقودة. تقول علا الطالبة بجامعة الخرطوم :
“أكثر ما أفتقده هو بيتنا وشارع بيتنا وشارع الجامعة، والأهل، وكل معالم الحياة في السودان”.

وفي خلاصةٍ مؤثرة ، تصف وفاء السيد الوضع قائلة:
“حياتنا ليست سهلة؛ الرجوع في الأوضاع الحالية صعب، والبقاء هنا أكثر صعوبة، ولا يمر علينا يومٌ واحد من دون ذكريات الوطن”.

هذه الكلمات تلخص مأزق اللاجئ السوداني في مصر: استقرارٌ مؤقت ماديًا ونفسيًا، لا يُغني عن المعاناة، ولا يُسقط حقهم في حلم العودة إلى وطنٍ مستقر وآمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews