تقارير و تحقيقات

تحذير عاجل من برنامج الأغذية العالمية: السودان يقترب من الانهيار الغذائي الشامل

ممدوح ساتي -مراسلين

برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة (World Food Programme – WFP)

أطلق برنامج الأغذية العالمية تحذيراً وصفته بـ”الأخطر منذ اندلاع الحرب”، مؤكدا أن السودان بات على حافة انهيار غذائي شامل، بعد أن تداخلت حلقات الجوع والنزاع وانقطاع التمويل الدولي في مشهدٍ يُنذر بانفجارٍ إنساني غير مسبوق في تاريخ البلاد المعاصر.

تمت الاشارة إلى أن الانخفاض الحاد في التبرعات العالمية ( الذي خفّض موازنتها التشغيلية بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي ) يُهدد بقطع شريان الحياة عن ملايين السودانيين، ويجعل البلاد مرشحة للانتقال من حالة “الأزمة” إلى “الطوارئ الغذائية”، بل إلى “المجاعة” في بعض البؤر المعزولة إن استمر الوضع على حاله.

تضاؤل التمويل وانسداد الممرات: الصورة الميدانية الآن

في الميدان، تتقاطع التحذيرات مع واقعٍ مأساوي: مدنٌ محاصَرة، مزارع محروقة، وطرقات مقطوعة.
تقول المنظمة إنّ مساحاتٍ شاسعة من مناطق الإنتاج الزراعي في وسط وغرب البلاد خرجت عن الخدمة، فيما أُجبر ملايين المزارعين على النزوح تاركين وراءهم أراضيهم وبذورهم ومحاصيلهم.

في دارفور، وتحديداً في مدينة الفاشر، تتحدث فرق الإغاثة عن حصار خانق ونقص في الغذاء والمياه والدواء، وعن معدلات سوء تغذية حادّة بين الأطفال والنساء الحوامل، بينما تتحول المرافق الصحية القليلة إلى نقاط إنقاذ عاجزة عن الاستيعاب.

الأرقام التي ترسم مشهد الكارثة القادمة

  • 24.6 مليون شخص يعيشون اليوم حالة انعدامٍ حادٍّ في الأمن الغذائي.
  • مئات الآلاف يصنفون ضمن الفئة الخامسة (كارثية/مجاعة) وفق تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC).
  • تحتاج عمليات برنامج الأغذية العالمي إلى أكثر من 600 مليون دولار خلال الأشهر الستة المقبلة للحفاظ على خطوط الإمداد وتفادي توقف المساعدات لنحو ثمانية ملايين شخص شهرياً.

ومع تقلص التمويل الدولي، تتجه بعض المراكز إلى خفض الحصص الغذائية أو تبديل السلال بمواد أقل قيمة غذائية، فيما يواجه السكان تضخماً خانقاً جعل شراء أبسط السلع شبه مستحيل.

العوامل التي تقود إلى الانهيار

  • الحرب الطويلة: دمّرت الحقول والبنية الزراعية، وأفقدت المجتمعات مصادرها الإنتاجية الأساسية.
  • النزوح الجماعي: أكثر من سبعة ملايين شخص فقدوا سُبل معيشتهم وألقوا بثقلهم على مناطق ضعيفة الموارد.
  • تعطّل الأسواق وسلاسل الإمداد: القوافل تُستهدف، الطرق تُغلق، والسلع تتعفن قبل أن تصل إلى المستهلك.
  • انكماش التمويل الدولي: أكبر برنامج غذائي في العالم يجد نفسه مضطراً لتقليص وجوده في واحدة من أكثر الأزمات احتياجاً.
  • الغلاء وانهيار القدرة الشرائية: الجوع لم يعد نقصاً في الطعام فقط، بل في المال اللازم لشرائه. كيف تُبنى استنتاجات “الانهيار الغذائي” علمياً؟

تؤكد المنظمة أن إعلان حالة “الانهيار الغذائي” لا يُبنى على الانطباعات أو المشاهدات فقط، بل على منظومة علمية صارمة من القياس والتحقق تشارك فيها وكالات متعددة، من بينها الفاو واليونيسيف واللجنة المستقلة لمراجعة المجاعة.

  1. تصنيف IPC:
    يُعدّ الإطار المرجعي العالمي لتقييم الأزمات الغذائية، ويقسّم الحالة إلى خمس مراحل تبدأ من “آمنة” وتنتهي بـ”مجاعة”. يتم تحديد المرحلة من خلال مقارنة مؤشرات الاستهلاك الغذائي وسوء التغذية ومعدلات الوفيات.
  2. المسوحات الميدانية الدقيقة:
    فرق مشتركة تجري قياسات تغذوية (MUAC وSMART) لتحديد نسب سوء التغذية بين الأطفال دون الخامسة والنساء الحوامل، وتعد هذه النتائج من أهم الأدلة العلمية على حدة الأزمة.
  3. رصد الأسواق والقدرة الشرائية:
    تُجمع بيانات أسبوعية عن أسعار الحبوب واللحوم والزيوت، ويُقارن ذلك بمتوسط دخل الأسر. انخفاض القدرة الشرائية إلى أقل من نصف احتياج الأسرة اليومية يُعدّ مؤشراً على انهيار اقتصادي وغذائي متزامن.
  4. تحليل الوصول الإنساني:
    تدرس الوكالات إمكانية الوصول إلى المتضررين، فحين تتعذر الطرق أو تتعرض القوافل للنهب، يصبح حتى الغذاء المتوفر بلا جدوى.
  5. التحقق المستقل (FRC):
    لجنة خبراء دولية تُراجع البيانات قبل إعلان أي منطقة “في مجاعة” لضمان المصداقية والحياد العلمي في التصنيف.

بحسب أحدث بيانات المنظمة، فإن السودان لم يسقط بعد في المجاعة الشاملة، لكنه يسير نحوها بخطى متسارعة.
إن أيّ خفضٍ إضافي في التمويل أو أيّ تأخير في فتح الممرات الإنسانية قد يعني دخول ملايين آخرين إلى حافة الهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews