تقارير و تحقيقات

الطاقة تعبر المتوسط: مشروع الربط المصري الأوروبي يرسم ملامح خريطة جديدة للتعاون العربي

عبدالله الحبابي – مراسلين

وقّعت القاهرة وأطراف إماراتية، في 16 أكتوبر 2025، إطارَ اتفاقٍ للتعاون في إعداد الدراسات الفنية والبيئية والمالية الخاصة بمشروع ربط الشبكة الكهربائية المصرية بالشبكات الأوروبية عبر كابلٍ بحريٍّ يتجه نحو إيطاليا.
وتُعدّ

هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية مصر الهادفة إلى التحوّل إلى محورٍ إقليمي لتداول الطاقة، واستثمار فائض إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة لتصديرها إلى الأسواق الأوروبية.

تركّز المرحلة الأولى على تمويل وإجراء دراسات الجدوى التي ستحدّد المسار الهندسي للكابلات البحرية، ونقاط الربط على السواحل، والتأثيرات البيئية، والتكاليف التشغيلية. وتشير التقديرات الأولية إلى أن المشروع، عند تنفيذه، قد يتيح تصدير نحو ثلاثة آلاف ميغاواط من الطاقة النظيفة، مما يفتح سوقًا جديدة أمام الصادرات الكهربائية المصرية.

من الجانب المصري، يؤكد مسؤولو الطاقة أن الربط مع أوروبا سيسهم في تعظيم الاستفادة من مشروعات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح القائمة والمخطط تنفيذها في الصعيد وسواحل البحر الأحمر.

أما الجانب الإماراتي، فيتمثّل دوره في المساهمة في الدراسات الفنية ودعم جذب الاستثمارات التي تؤهّل المشروع للانتقال إلى مرحلة التصميم والتنفيذ. وقد جرى الإعلان عن الاتفاق في العاصمة الإدارية الجديدة بحضور ممثلين حكوميين وخبراء من قطاع الكهرباء في البلدين.

ويرتكز الأثر الاقتصادي والإقليمي للمشروع على محورين رئيسيين:
أولًا، تمكين مصر من تصدير فائض الطاقة النظيفة بما يعزّز مواردها المالية ويدعم التحوّل نحو الطاقة المستدامة.
وثانيًا، إيجاد قناة مستقرة لتبادل الكهرباء مع أوروبا، ما يحفّز الاستثمارات في محطات التوليد المتجددة ويعزز التكامل الطاقي مع دول حوض البحر المتوسط.

ورغم الفرص الكبيرة، تواجه المبادرة تحديات تقنية وتنظيمية وبيئية، أبرزها تعقيدات مدّ الكابلات البحرية في أعماق متفاوتة، والحاجة إلى تنسيق بين الهيئات الرقابية في أكثر من دولة، إلى جانب الالتزام بمعايير بيئية صارمة لحماية النظم البحرية وأنشطة الصيد والملاحة.

كما يتطلّب المشروع هيكلة تمويلية متكاملة تجمع بين الموارد العامة والخاصة، مع إبرام اتفاقيات تشغيل وتبادل طاقة مع الشركاء الأوروبيين لضمان الجدوى الاقتصادية.

ومن المنتظر أن تبدأ المراحل التنفيذية بإنجاز دراسات الجدوى، تليها مفاوضات مع الجانب الأوروبي حول آليات الربط والتسعير والشروط التشغيلية، ثم تأمين التمويل وبدء أعمال التصميم والبناء.

وسيكون التنسيق الدبلوماسي والالتزام بالمعايير البيئية عنصرين حاسمين لضمان نجاح المشروع واستدامته.

وفي زمنٍ تتسارع فيه التحولات نحو مصادر طاقة أنظف، يمثل إطلاق هذه الدراسات خطوة رمزية وعملية في آنٍ واحد، تتجاوز فكرة الكابل البحري إلى رسم أدوار جديدة للطاقة العربية في السوق العالمية.

فإذا ما تُرجمت الدراسات إلى التزامات تنفيذية واضحة، فإن العالم العربي قد يجد في هذا المشروع جسرًا حقيقيًا نحو مستقبلٍ طاقيٍّ متوازن ومستدام، يربط بين ضفّتي المتوسط على قاعدة من التكامل والمصالح المشتركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews