الساحل الإفريقي بين الهرولة الروسية والبرود الغربي

مولود سعدالله – مراسلين
في خضمّ تحولات عميقة تشهدها منطقة الساحل، تتسارع الخطوات الروسية بشكل لافت ما يثير تساؤلات عديدة: ما الذي جعل موسكو تندفع بهذه السرعة نحو مالي والنيجر وبوركينا فاسو؟ هل هو بحث عن حلفاء في زمن العزلة الدولية، أم محاولة لفتح منافذ جديدة تكسر الطوق الغربي وتعيد رسم موازين النفوذ في القارة الإفريقية؟
التحركات الروسية تُقرأ في أكثر من اتجاه: فمن جهة تسعى موسكو إلى تثبيت حضورها العسكري والاقتصادي عبر بوابة الساحل، بحثًا عن موارد طبيعية ومساحات نفوذ سياسي، ومن جهة أخرى تريد أن تجعل من المنطقة منفذًا إستراتيجيًا بديلًا عن أوروبا التي أغلقت أبوابها بعد الحرب الأوكرانية.
لكن المثير أن الانزعاج الغربي ظلّ محدودًا.
فرنسا التي انسحبت من مالي بعد فشل عملية “برخان”، تكتفي بالمراقبة وكأنها تنتظر أن تغرق موسكو في المستنقع الذي خرجت منه.
أما واشنطن فترى في الحضور الروسي عاملًا معطِّلًا للتمدّد الصيني عبر مشاريع التجارة والبنى التحتية التي تمرّ من الجزائر نحو غرب إفريقيا، ما يجعلها تتعامل مع الموقف ببرود محسوب.
في المقابل تتابع الجزائر التطورات بقلقق واضح وحذر دبلوماسيّ.
فهي تدرك أن عسكرة الساحل واحتدام الصراع بين القوى الكبرى قد يهددان أمنها الحدودي ومجالها الحيوي جنوبًا.
ورغم تمسكها بعلاقات قوية مع موسكو، إلا أن الجزائر لا تُخفي انزعاجها من التغلغل المفرط للقوى الأجنبية في جوارها، وتفضّل مقاربة إفريقية خالصة تقوم على الحوار والتنمية لا على الاستقطاب العسكري.
وبين برود الغرب واندفاع روسيا وحذر الجزائر، يظلّ السؤال مطروحًا: هل ما يحدث اليوم مجرد سباق نفوذ مؤقت، أم مقدمة لإعادة رسم خارطة القوة في إفريقيا، حيث تتقاطع مصالح موسكو وواشنطن وبكين والجزائر على أرضٍ واحدة من الرمال والمصالح؟