تقارير و تحقيقات

عودة نشاط تنظيم داعش في سوريا: ملء الفراغ الأمني وسط التحولات

تقرير : أحمد العكلة – مراسلين

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 23 أكتوبر 2025 تقريراً يحذر من عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الواجهة في سوريا، مستغلاً الفراغ الأمني الناجم عن سحب القوات الأمريكية والاضطرابات السياسية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

أشار التقرير إلى تصعيد التنظيم لهجماته في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي البلاد، حيث نفذ 117 هجوماً منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية أغسطس 2025، مقارنة بـ73 هجوماً طوال عام 2024.

يتزامن هذا التصعيد مع بدء الولايات المتحدة في أبريل 2025 سحب نحو 500 جندي من أصل 2000 كانوا منتشرين في سوريا، معظمهم في محافظة دير الزور، التي تشهد تركزاً واضحاً لنشاط التنظيم.

حققت قوات التحالف الدولي انتصاراً على التنظيم في مارس 2019، بعد سيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق. بقي التنظيم يعمل كشبكة خلايا نائمة، مستفيداً من معسكرات الاعتقال مثل الهول في الحسكة، حيث يحتجز عشرات الآلاف من أنصاره وأسرهم.

تزامنت عودته في 2025 مع سقوط الأسد، الذي كان يتهم بدعمه غير المباشر للجماعات المتطرفة لصرف الانتباه عن معارضيه. بعد الإطاحة به، أعلنت قوى المعارضة السورية سابقاً عن حكومة انتقالية، لكن الفراغ الأمني في المناطق الشرقية أتاح للتنظيم إعادة تنظيم صفوفه.

وفقاً لتقرير فورين أفيرز في سبتمبر 2025، تحول التنظيم إلى شبكة متنقلة لامركزية، تعتمد على مجموعات صغيرة للكمائن والاغتيالات، مما يجعله أكثر صعوبة في التصدي له.

قال العميد المتقاعد أحمد اليحيى لشبكة “مراسلين” إن عودة التنظيم ليست مفاجأة استراتيجية، بل نتيجة متوقعة للفراغ الأمني الذي خلقه السحب الأمريكي المفاجئ. أضاف أنه في دير الزور، حيث أشرف شخصياً على تفكيك أكثر من 40 خلية نائمة بين 2017 و2020، أصبحت الخلايا اليوم أكثر تطوراً، تعتمد على الاغتيالات الدقيقة، المتفجرات المؤقتة، والحرب النفسية عبر منصات مشفرة.

أوضح أن الـ117 هجوماً في ثمانية أشهر تعكس قدرة تجديدية لم ترَ منذ 2016.سحب القوات الأمريكية ودوره في الفراغ الأمنيبدأت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا في أبريل 2025، بناءً على قرار إدارة ترامب الثانية، للتركيز على آسيا والحد من الالتزامات الإقليمية. نقلت بعض القواعد إلى قوات سوريا الديمقراطية، لكن العدد انخفض إلى أقل من 1000 جندي، معظمها في الرقة والحسكة.

وأعلن البنتاغون في سبتمبر 2024 عن إنهاء المهمة العسكرية في العراق بحلول سبتمبر 2025 وسوريا 2026. أدى ذلك إلى إعادة توجيه الجهود نحو سوريا، حيث يرى التنظيم كتهديد أكبر بسبب الفوضى السياسية.

أكد مسؤول دفاعي أمريكي في تصريحات ليو إس إيه توداي في أكتوبر 2025 أن التغييرات في ديناميكيات القوى خلقت إمكانية لعودة التنظيم. في دير الزور، حيث تركز 70 بالمئة من الهجمات، أدى السحب إلى ضعف الدوريات الجوية، مما سمح للخلايا بالتحرك بحرية أكبر.

أضعفت التوترات مع تركيا، التي تهاجم قوات سوريا الديمقراطية بانتظام، القدرة على مواجهة التنظيم.

أشار الباحث عبد الله الخير لشبكة مراسلين إلى أن الفوضى السياسية بعد سقوط الأسد ليست مجرد فراغ، بل بيئة خصبة لإعادة إنتاج التطرف.

وأوضح أن الـ117 هجوماً في مناطق قوات سوريا الديمقراطية ليست أرقاماً عشوائية، بل استهداف ممنهج لنقاط الضعف مثل اغتيال شيوخ عشائر، تفجير أسواق، ترويع عمال حقول النفط. وأكد أن التنظيم يعيد بناء نفسه كحركة مقاومة ضد الاحتلال الكردي، مستغلاً التوترات العرقية.

الجهود المضادة وتحديات الحكومة السورية الجديدة

أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مقابلة مع روناهي في أكتوبر 2025 عن تفاهمات مع الحكومة السورية لإدراج اتفاق 10 مارس ضمن الدستور، وتشكيل قوة مشتركة ضد التنظيم. ستوسع وحدات مكافحة الإرهاب عملياتها إلى كامل الأراضي السورية، مع لجنة عسكرية تتوجه إلى دمشق قريباً لمناقشة الاندماج. أكد رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني تنسيقاً أمنياً عالي المستوى مع سوريا لملاحقة خلايا التنظيم وشبكات المخدرات.

تواجه الحكومة الجديدة تحديات عدة: الطائفية، الضربات الإسرائيلية المتكررة، النزاعات الداخلية. ألغت بريطانيا تصنيف هيئة تحرير الشام كإرهابي لدعم مكافحة التنظيم، لكنه يستغل الشكوك حول الهيئة للتوظيف.

أضاف العميد أحمد اليحيى لشبكة مراسلين أن الحكومة السورية الجديدة يجب أن تسرع اندماج قوات سوريا الديمقراطية في هيكل عسكري موحد تحت قيادة وزارة دفاع مركزية، مع إنشاء قاعدة بيانات مشتركة للمعلومات الاستخبارية. شدد على معالجة معسكر الهول جذرياً من خلال إفراج مشروط عن النساء والأطفال غير المتورطين، مع برامج إعادة تأهيل نفسية ومهنية، ونقل المقاتلين الأجانب إلى دولهم الأصلية. حذر من أنه بدون ذلك، سنواجه موجة ثانية من الإرهاب بحلول صيف 2026، قد تتجاوز حدود سوريا إلى الأردن ولبنان.

التداعيات والتوصيات

تهدد عودة التنظيم الاستقرار السوري الوليد، وقد تمتد إلى لبنان والعراق عبر شبكات المخدرات. ترى إسرائيل، التي ضربت أهدافاً في دمشق في يوليو وأغسطس 2025، في التنظيم تهديداً، لكن ضرباتها تزيد الفوضى. أكد السفير الأمريكي توم باراك في أكتوبر 2025 أن سوريا عادت إلى صفنا، مشيراً إلى عمليات مشتركة كدليل.

ختاماً أوصى عبد الله الخير بأن الحل ليس عسكرياً فقط، بل يجب إطلاق برنامج تنموي طارئ في دير الزور والرقة بقيمة 500 مليون دولار، يركز على توظيف الشباب، إعادة بناء المدارس، دعم المزارعين. دعا إلى إبقاء الولايات المتحدة على 300 مستشار عسكري على الأقل، مع دعم جوي محدود، لضمان استمرار العمليات المشتركة. اقترح تشكيل لجنة وطنية لمكافحة التطرف تضم علماء دين، ناشطين مدنيين، ممثلين عن العشائر، لمواجهة الخطاب الداعشي في المساجد والمنصات الرقمية. حذر من أنه بدون رؤية شاملة، سنخسر الربيع السوري قبل أن يزهر.للتصدي، يوصى بتسريع اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، تعزيز الدعم الدولي لمراقبة الهول، برامج توظيف اقتصادي في الشرق، تنسيق إقليمي مع العراق وتركيا. بدون ذلك، قد يتحول الربيع السوري إلى شتاء إرهابي جديد.

يذكر تحذير وول ستريت جورنال بأن الاستقرار ليس مضموناً. تتطلب عودة التنظيم تعاوناً وطنياً ودولياً، لتحويل الفراغ إلى فرصة لبناء دولة قوية. تستحق سوريا، بعد سنوات من الدمار، أمناً مستداماً.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews