تقارير و تحقيقات

حوار خاص … السودان والوضع المعقد

مصعب محمد- خاص مراسلين

السودان- أكد محمد السر مساعد القيادي بحزب المؤتمر الوطني أن” القول بأن المستفيد الوحيد من حرب 15 أبريل بالسودان هو التيار الإسلامي والوطني العريض داخل السودان، لا يعدوا سوى تبسيط مخل ومُغرض لأزمة معقدة نشأت نتيجة لإخفاقات سياسية وأمنية ما بعد 2019 “.
وأضاف أن ” تأسيس قوات الدعم السريع كان خطأ استراتيجياً جسيماً تم ارتكابه عبر مراحل زمنية متعددة. ورأى أن ” هناك إخفاقات واضحة في الإدارة الاستراتيجية للملف العسكري والسياسي للحرب”.
وتحدث محمد السر مساعد في حوار خاص ل”مراسلين” عن الآلية الرباعيةوالتطورات السياسية والعسكرية الراهنة في السودان و رؤية الحزب للأوضاع السياسية ورؤيتهم لمستقبل البلاد في ظل المشهد الحالي المعقد في السودان.
وهذا نص الحوار:

  1. بدايةً، كيف تقيّمون المشهد العام في السودان اليوم بعد التطورات الأخيرة في المشهد السوداني؟

إن المشهد السوداني اليوم هو مشهد مأساوي بامتياز، تسيطر عليه حالة من الفوضى المؤسسية والتهتك الاجتماعي غير المسبوق.

نحن نرى أن البلاد تعيش الآن مرحلة هي الأصعب منذ الاستقلال، حيث تحوّل الصراع السياسي إلى صراع وجودي يهدد بتمزيق النسيج الوطني وتقسيم الدولة.

التطورات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بمسارات القتال وانهيار الخدمات في البلاد، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستمرار في هذه الحرب دون الإسراع في حسمها سيقود إلى كارثة شاملة، وتجريد الدولة السودانية من مقومات بقائها وسيادتها.

  1. أين يقف حزب المؤتمر الوطني في المشهد السياسي منذ سقوط نظام الإنقاذ إلى اندلاع حرب 15 أبريل في السودان؟

منذ” أحداث أبريل 2019″ تعرّض حزب المؤتمر الوطني لمحاولات ممنهجة ومغرضة لإقصائه وتجفيفه سياسياً وتنظيمياً، عبر آليات التفكيك والحل التي قامت على أساس الكيدية السياسية وليس العدالة الموضوعية.

رغم ذلك، ظل الحزب حاضراً على الساحة بصفته قوة سياسية واجتماعية راسخة لا يمكن إلغاؤها أو تجاوزها ، كنا ولا زلنا نؤكد على ضرورة العودة إلى المسار الدستوري والابتعاد عن التسويات الثنائية التي أفضت في النهاية إلى هذا الفشل الذريع الذي انفجر حرباً.

موقفنا كان دائماً داعماً لإنهاء الفراغ الدستوري وعودة الحياة السياسية الطبيعية التي تشمل الجميع دون إقصاء.

  1. الآن هناك أكثر من قيادة واحدة لحزب المؤتمر الوطني هل يشهد الحزب حالة من الانقسام والتشظي الداخلي؟

من الطبيعي أن تتعرض الأحزاب الكبرى وخصوصاً تلك التي مرت بتجربة حكم طويلة وواجهت تحديات التفكيك القسري، إلى نقاشات داخلية حول الرؤى المستقبلية وأساليب إدارة المرحلة الجديدة.

ما تصفونه بأكثر من قيادة هو في جوهره تعدد في مقاربات إدارة التنظيم في ظل ظروف قاسية، حيث واجه جزء من قياداته حملات اعتقالات وملاحقات مستمرة ماقبل” إندلاع التمرد” ، لكن يجب التنويه أن الأرضية الفكرية والأهداف الاستراتيجية للحزب تظل موحدة.

قيادات وعضوية الحزب تعمل على معالجة أي تباينات إجرائية داخل الأطر التنظيمية المعتادة ونؤمن بأن وحدة الصف القيادي والاِلتزام بالنظام الأساسي واللوائح المنظمة داخل الحزب هي ضرورة قصوى لتجاوز تحديات المرحلة الحالية والمساهمة الفعالة في صياغة مستقبل السودان.

  1. منذ بدء هذه الحرب وحتى ما قبلها هناك اتهامات كثيرة تقول بأن المستفيد الوحيد من إشعال هذه الحرب واستمرارها هو التيار الإسلامي أو فصيل منه ما ردكم؟

انا لست منتسباً لأي تيار إسلامي بما في ذلك الحركة الإسلامية السودانية حالي حال الأغلبية من القيادات والعضوية داخل حزب المؤتمر الوطني .حيث لا تمثل القيادات والعضوية المنتسبة للحركة الإسلامية داخل الحزب أكثر من (20%-25%) كحد أقصى ، لذا من غير المناسب أن أوضح وجهة نظري نيابة عن الإسلاميين.

ولكن إن كان هذا السؤال يعني “الإسلاميين” بمظلتهم الكبيرة( إسلاميين و مؤتمر وطني) فأنني أقول حينها بأن هذه الاتهامات ليست أكثر من محاولة يائسة لصرف النظر عن المسؤوليات الحقيقية وإلقاء اللوم على طرف ثابت ومُستهدف باستمرار.

القول بأن المستفيد الوحيد هو التيار الإسلامي والوطني العريض داخل السودان لا يعدوا ذلك سوى تبسيط مخل ومُغرض لأزمة معقدة نشأت عن تراكم الإخفاقات السياسية والأمنية في فترة ما بعد 2019م، وعن تضارب المصالح الإقليمية والدولية حول السودان.

المستفيد الوحيد من الحرب هو كل من يريد إضعاف الدولة الوطنية السودانية وتفتيت قوتها العسكرية والسياسية، سواء كانوا أطرافاً داخلية سعت للقفز على السلطة بقوة السلاح أو قوى خارجية لها مطامع في السودان، ونحن نرفض هذه الرواية جملة وتفصيلاً.

  1. كيف تدرجت قوات الدعم السريع من قوات شبه عسكرية في 2013م إلى ما يشبه قوات موازية للجيش السوداني قبل اندلاع الحرب في 2023م ومن يتحمل المسؤولية الكاملة عن ما حدث؟

تأسيس قوات الدعم السريع يمثل خطأ استراتيجياً جسيماً تم ارتكابه عبر مراحل زمنية متعددة، ونتحمل جميعاً كقوى سياسية وعسكرية ومجتمعية جزءاً من مسؤولية الصمت أو القبول الضمني.

ولكن المسؤولية المباشرة والمحورية تقع على عاتق القرارات السيادية والتشريعية التي أتاحت لهذه القوات التحوّل من قوة دعم وإسناد تتبع للقوات المسلحة، إلى قوة موازية ذات هيكل منفصل وولاءات مشكوك فيها.
المسؤولية الكاملة عن هذا التطور تقع على عاتق كل القيادات التي تعاقبت على رأس الدولة والجيش منذ العام 2013م وحتى 2023م، والتي تغاضت عن مخاطر ازدواجية القيادة العسكرية وحادت عن مبدأ وحدة الجيش.

هذا التدرج لم يكن ليتم لولا وجود غطاء سياسي وتشريعي سمح لها بالتمدد والتمويل خارج الأطر النظامية للجيش.

  1. ما موقفكم العام من هذه الحرب الدائرة في السودان وهل هي نتيجة لتراكمات سياسية وعسكرية أم صراع على السلطة؟

موقفنا ثابت ونعتبرها عملاً عدوانياً غير مبرر يهدف إلى تدمير الدولة لا يمكن اختزال هذه الأزمة في سبب واحد، بل هي نتيجة لتراكمات معقدة أساسها اطماع قائد قوات الدعم السريع التي تمردت والاحزاب المتحالفة معه والمتحورة وما تعرف (بقحت وصمود) ، خاصة بعد أن فشلت التسويات السياسية الهشة التي قادتها القوى الانتقالية قيادة أحزاب(قحت)في إرساء دعائم دولة مدنية حقيقية.

هذا الصراع استغل الخلل الهيكلي العسكري (ازدواجية القوات) والفراغ السياسي الذي سبّبته إجراءات الإقصاء والتفكيك لينفجر في النهاية كحرب شاملة تهدد بإنهاء فكرة الدولة السودانية الموحدة.

7.في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة، ولا سيما دخول قوات الدعم السريع إلى مقرّ الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر بعد حصارٍ استمر لأكثر من عام، كيف تقيّمون تعامل القيادة العسكرية الحالية مع مجريات الحرب؟ وهل ترون أن أداءها يسير في الاتجاه الصحيح بما يخدم الدولة واستقرارها؟

إن تقييمنا للقيادة العسكرية الحالية يرتكز على نتائج الأداء الملموسة ، فبالرغم من التضحيات الجسيمة التي يقدمها الضباط والجنود في الميدان، إلا أن هناك إخفاقات واضحة في الإدارة الاستراتيجية للملف العسكري والسياسي للحرب.

فالانسحاب من بعض المدن الرئيسية وعدم حسم معارك حاسمة في فترة مبكرة والغموض المحيط بعمليات اتخاذ القرار، كل ذلك يثير تساؤلات جدية حول كفاءة وفعالية القيادة العليا.

إن إدارة الحرب في هذه المرحلة تتطلب شفافية أكبر ووحدة قيادة فاعلة وتخطيطاً استراتيجياً يتجاوز مجرد الرد على التكتيكات اليومية “للتمرد”وهو ما لمسنا فيه قصوراً يتعين تداركه بشكل عاجل.

  1. . هناك من يرى أن الآلية الرباعية تمثل أحد المسارات القليلة الجادة لإنهاء الأزمة السودانية، خاصة مع انسداد الأفق الداخلي كيف تردون على هذا الطرح؟

مجموعة الرباعية والتي كانت تُذكر مع الترويكا تضم دول الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وبعد اندلاع الحرب في 15 إبريل 2023م ، اِنسحبت المملكة المتحدة عملياً من الرباعية وحلت محلها جمهورية مصر العربية.

والرباعية لا تندرج تحت مظلة التنظيمات الدولية بالصيغة القانونية المُتعارف عليها، كالأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي.

ويتسم الدور الذي تضطلع به هذه المجموعة بهشاشة الشرعية المؤسسية على الصعيدين الدولي والإقليمي.
كما أنها لا تُعد تحالفاً دولياً مُجازاً بموجب تفويض رسمي صادر عن مجلس الأمن الدولي، يخولها التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من التنسيق المشترك بين الدول الأربع، إلا أنّ هذا المسعى لا يخلو من تباينات كامنة ناتجة عن التنافس الإقليمي بين أعضائها وهو ما يلقي بظلاله على الاتساق وفعالية التأثير في المشهد السوداني.

كما يُلاحظ وبشكل مفضوح للغاية ، ميل أغلب دول الرباعية نحو تفضيل أطراف سياسية محددة ضمن الخارطة الانتقالية، الأمر الذي يُعتبر تجاوزاً للاختصاص الأصيل للشعب السوداني ونخبه الوطنية في صياغة واختيار قيادات الدولة.

إنّ تقييم المستقبل للرباعية يضعها في سياق محدود الصلاحية الزمنية، خاصةً بعد استقالة الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، فهو من طالب بتكوين هذه المجموعة وفرض وجودها على المشهد السوداني، تماماً كما كان الحال باستجلابه للبعثة الأممية بقيادة فولكر تحت الفصل السادس، مما دفع السودان لتقديم طلب إنهاء للبعثة في وقت لاحق، وهو ما تحقق.

ويظل النجاح الجوهري لأي مساعٍ دولية يكمن في مساعدة السودانيين على استعادة زمام قرارهم السياسي، بدلاً من التغول على هذا الحق وصياغة هذا القرار نيابةً عنهم.

  1. في حال انسحبت الآلية الرباعية من المشهد، هل تعتقدون أن السودانيين وحدهم قادرون على التوصل لتسوية سلمية سياسية تنهي هذه الحرب؟

نعم، نحن على يقين راسخ بأن السودانيين وحدهم هم القادرون على إيجاد حل مستدام فأي تسوية مفروضة من الخارج ستكون هشة وقابلة للانهيار.

إن القوى السياسية والمكونات المجتمعية السودانية تمتلك الوعي الكافي بمتطلبات المرحلة ودروس الأخطاء السابقة.

لكن هذا يتطلب أولاً هزيمة” التمرد” في كل ولايات كردفان ودارفور وثانياً فتح الباب لكل القوى الفاعلة بما فيها القوى التي تم إقصاؤها لإجراء حوار شامل لا يستثني أحداً.

اِنسحاب الآلية الرباعية قد يدفع الأطراف الداخلية إلى تحمل مسؤوليتها الوطنية كاملة، والجلوس على طاولة المفاوضات دون وسيط يفرض شروطاً أو يُمثّل مصالح خارجية.

  1. في ظل الحديث المتكرر عن الحوار السوداني–السوداني، ما التصور الذي يراه حزبكم مناسباً لهذا الحوار؟ ومن هي الأطراف التي يجب أن تكون حاضرة حتى يكون حواراً حقيقياً لا شكلياً ؟

إن الحوار السوداني-السوداني هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لإعادة بناء الدولة ، تصور حزبنا لحوار مناسب يتمحور حول النقاط التالية:

يجب أن يكون حواراً شاملاً يضم كل القوى السياسية الفاعلة في المشهد، بما في ذلك الأحزاب التي حكمت سابقاً والتي لديها قاعدة جماهيرية وتأثير تنظيمي على الأرض.

يجب أن يشارك فيه جميع القوى السياسية الفاعلة (دون استثناء)، ومكونات المجتمع المدني والقيادات الأهلية ، بالإضافة إلى ممثلين عن المنظومة العسكرية والأمنية في الدولة للتوصل إلى تسوية عسكرية تضمن وحدة الجيش.

يجب أن يهدف الحوار إلى مناقشة قضايا بناء الدولة المستدامة وفي مقدمتها دستور دائم وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وليس مجرد تقاسم للمناصب الانتقالية.

  1. في ظل هذا المشهد المعقد سياسياً وعسكرياً، ما رؤيتكم لمستقبل السودان؟ وهل أنتم متفائلون بإمكانية الوصول إلى تسوية تُنهي الحرب وتعيد الدولة إلى مسارها الطبيعي؟

رؤيتنا لمستقبل السودان تقوم على حتمية انتصار إرادة بهزيمة “التمرد” وفي إعادة بناء دولته وندرك تماماً التعقيد الراهن، لكننا نتمسك بالتفاؤل الحذر والمشروط.

التفاؤل ينبع من إيماننا بأن الجبهة الداخلية ستتوحد في نهاية المطاف أمام خطر التفتيت الذي يهدد الجميع.

الشعب السوداني يرفض بشكل قاطع أن تكون بلاده مسرحاً لصراعات الوكلاء الإقليميين أو مطية لمشروعات ” التمرد”.

لكن هذا التفاؤل مشروط بإدراك القيادات العسكرية والسياسية الحالية لحجم الكارثة والتنازل الفوري عن المصالح الذاتية والضيقة والبدء في حوار وطني شامل كما ذكرنا.

مستقبل السودان يكمن في إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس العدل والسيادة الوطنية وعدم الإقصاء.

أي مسار آخر لن يكون سوى مجرد تأجيل لمشكلة أكبر ونحن على ثقة بأن السودان سيتجاوز هذه المحنة ويعود إلى مساره كدولة قوية وموحدة ومؤثرة في محيطها الإفريقي والعربي

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews