تقارير و تحقيقات

انتخابات العراق 2025… المال السياسي وتأثيره على سير العملية الديمقراطية

عباس مهجر – مراسلين

العراق – منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003، وهيمنة الأحزاب الإسلامية السياسية على السلطة، لم تخلُ أي دورة انتخابية في العراق من ظاهرة استخدام المال السياسي، فمع كل موسم انتخابي تتكثف الإعلانات والحملات الممولة، وتزداد الاتهامات بشراء الذمم واستغلال حاجة المواطن، في مشهد واضح يهدد نزاهة العملية الديمقراطية.

ومن بين هذه الأساليب برز ما يعرف بـ”المال السياسي” الذي لم يقتصر على تمويل الحملات الإعلانية فقط، بل شمل عددًا من الأساليب الأخرى كـ شراء بطاقات الناخب، ووعود بوظائف لاستغلال لصالح فعاليات انتخابية.

هذا التحقيق بالمصادر المفتوحة يكشف عن خوارق في القوانين العراقية من قبل الأحزاب، وحجم الإنفاق المالي وأساليب المرشحين التي تؤثر على سير العملية الديمقراطية قبل انطلاق انتخابات مجلس النواب العراق المقررة يوم 11 تشرين الأول /نوفمبر 2025.

شراء الأصوات الانتخابية بذريعة مراقبة الانتخابات أو ما تسمى بـ”الكيانات السياسية”

أظهرت نتائج البحث في مواقع التواصل الاجتماعي تحديدًا منصة فيسبوك، عن عروض للعمل بصفة كيان سياسي لمراقبة سير العملية الانتخابية في محطات مراكز الاقتراع بأجور متفاوتة تتراوح بين 100 دولار إلى 300 دولار ليوم واحد فقط، وهذا ما يؤثر على نزاهة الانتخابات، وفي تصريح للمحلل السياسي علي حمزة أشار إلى أنّ “ما يعصف بالعملية الديمقراطية هو استغلال بعض الكتل السياسية للمراقبين حيث تستمد قوتها الانتخابية من خلال تسويق نفسها عبر شراء ذمم مراقبين داخل مراكز الاقتراع، كما لا يوجد تدقيق فعلي من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على قراراتها المتعلقة بالدعاية الانتخابية”.

وفي مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر تجمعًا جماهيريًا بحضور أمل علي إسماعيل المرشحة عن “حركة الرواد الوطني” في محافظة بغداد، تحدثت خلاله عن حاجتها ما بين 1000 و1500 مراقب، وقد أشارت إلى أنّ كل شخص يجلب “100 مراقب” سيحصل على “100 ورقة” ما يعادل 100,0 دولار أمريكي، وهذا ما يعني إجمالي المبالغ المخصصة تصل إلى 150,000 دولار أمريكي في حال حصلت على 1500 مراقب.

إعلانات بالآلاف الدولارات على منصات Meta

عند مراجعة تقرير مكتبة الإعلانات المتابعة لشركة Meta، تظهر النتائج إنفاق آلاف الدولارات على الإعلانات الممولة عبر صفحات تدار لصالح مرشحين، وقوائم، وتحالفات انتخابية.

وقد تصدرت “حركة حقوق” – الجناح السياسي لكتائب حزب الله المصنفة إرهابيًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية – حجم الإنفاق الإعلاني خلال الفترة من 22 أيلول/سبتمبر 2025 ولغاية 21 تشرين الأول/أكتوبر 2025، حيث بلغ الإنفاق الإجمالي على صفحتها الرسمية 13,366 دولار أمريكي.

كما أنفقت الحركة مبالغ على صفحاتها الفرعية، كالآتي:

  • صفحة “حركة حقوق – البصرة”: 11,340$
  • صفحة “حركة حقوق – ميسان”: 6,218$
  • صفحة “حركة حقوق – المثنى”: 5,943$
  • صفحة “حركة حقوق – واسط”: 5,676$
  • صفحة “حركة حقوق – الديوانية”: 5,304$
  • صفحة “محافظة بابل – حركة حقوق”: 5,102$
  • صفحة “حركة حقوق – بغداد”: 7,886$
  • صفحة “محافظة النجف – حركة حقوق”: 5,028$
  • صفحة “حركة حقوق – ذي قار”: 3,515$
  • صفحة “محافظة كربلاء – حركة حقوق”: 3,231$
  • وأخيرًا صفحة “حسين مؤنس – رئيس حركة حقوق”: 635$

وبهذا فقد بلغ إجمالي إنفاق صفحة “حركة حقوق” وصفحاتها الفرعية خلال المدة من 22 أيلول/سبتمبر 2025 ولغاية 21 تشرين الأول/أكتوبر 2025 نحو 73,244 دولار أمريكي، أي ما يعادل 95,949,640 دينار عراقي وفقًا لسعر الصرف المعتمد من البنك المركزي العراقي. ولا يزال متبقي 14 يوم على موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 من تاريخ نشر هذا التقرير.

كما أن قائمة إئتلاف الإعمار والتنمية، التي يرأسها رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، بلغ إنفاق صفحتها وصفحاتها الفرعية في مكتبة الإعلانات التابعة لشركة Meta نحو 24,115 دولار أمريكي، بالإضافة إلى صفحة “شباب الإعمار والتنمية” المقربة من الائتلاف التي واصلت التمويل بمقدار 4,160 دولار أمريكي، ليصل المجموع الكلي إلى 28,275 دولار أمريكي، أي ما يعادل 37,040,250 دينار عراقي.

أما التحالفات والقوائم الأخرى، فكان الإنفاق كالآتي:

  • حركة الصادقون: أنفق 40,836 دولار أمريكي، برئاسة محافظ بابل عدنان فيحان الغنام، وهي الجناح السياسي لقوات عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي والمصنفة إرهابيًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
  • تحالف صقورنا: أنفق 25,696 دولار أمريكي، برئاسة يزن مشعان الجبوري.
  • تحالف البديل: أنفق 7,789 دولار أمريكي، برئاسة النائب الحالي عدنان الزرفي.
  • ائتلاف الأساس العراقي: أنفق 7,961 دولار أمريكي، برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي محسن المندلاوي.
  • ائتلاف دولة القانون: أنفق 11,668 دولار أمريكي، برئاسة نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إجمالي مبلغ الإنفاق مع صفحة رئيس الائتلاف.
  • تحالف قوى الدولة الوطنية: أنفق 8,946 دولار أمريكي، برئاسة عمار الحكيم، بالإضافة إلى صفحة قناة الفرات وصفحة رئيس التحالف.

أما بقية التحالفات والقوائم الأخرى، فتقدر حجم الإنفاق بعشرات الآلاف من الدولارات للحملات الإعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أن أعلاه هو الأعلى إنفاقًا للحملات الإعلانية، كما أن نتائج الإنفاق لا تشمل صفحات المرشحين، حيث تُظهر النتائج الصفحات الرسمية للقوائم وبعض رؤساء التحالفات.

وبهذه النتائج، اتضح أن للمال السياسي له الدور الفعال في تحديد نتائج الانتخابات مقارنة ببعض التحالفات الأخرى، حيث تابع المحلل السياسي علي حمزة بالقول: “أصبح للمال السياسي القرار الحاسم في تغيير موازين القوى قبل الانتخابات وبعدها، وبمشاركة الهوية الفرعية (الانقسامات الطائفية) والتنصل عن مفهوم الدولة، حيث يلجأ أصحاب المال السياسي إلى تمكين مدراء الحملات الانتخابية وشعراء وإعلاميين وصفحات ممولة لتشتيت رأي الناخبين”.

دعايات انتخابية علنية مخالفة لشروط المفوضية العليا المستقلة للانتخابات

لا يزال حتى اليوم نشاهد استغلال دور العبادة للدعاية الانتخابية، رغم أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تمنع استغلال الأماكن الدينية لترويج لمرشح معين، حيث يمكن تحديد بعض من المرشحين روجوا لانفسهم بشكل مباشر في دور العبادة، في مخالفة واضحة لشروط وضوابط المفوضية، إذ ينص نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025 في المادة (19) الآتي: “لا يجوز استخدام دور العبادة في الدعاية الانتخابية للمرشح أو الحزب أو التحالف السياسي، ويسمح باستخدامها في حث الناخبين للمشاركة في الانتخابات والترويج للعملية الانتخابية”.

إلا أنّ هذا المادة تشهد خرقً علنيًا، حيث شارك النائب في مجلس النواب العراقي ومرشح ائتلاف الإعمار والتنمية عبد الأمير المياحي، بتأريخ 20 تشرين الأول 2025، عبر صفحته في منصة فيسبوك، منشورًا جاء فيه: “في حسينية الحاج محسن حاتم المياحي، اجتمع أبناء مياح بيت علوان بدعوة من الشيخ عيدان المياحي، حيث أعلنوا دعمهم الكامل والثابت للنائب عبدالأمير نجم المياحي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدين أنه ممثلهم الوحيد وصوتهم الصادق تحت قبة البرلمان”.

وتعتبر”الحسينيات” لدى الطائفة الشيعية من الأمكان المخصصة للعبادة وإقامة الصلاة، إلا أنها قد سيست بعضها لدعاية الانتخابية لصالح مرشحين معينين، وهذا يعتبر خرقًا لنظام الحملات الانتخابية وفق المادة رقم 19 إعلاه.

وفي منشورات النائب الأسبق في مجلس محافظة البصرة والمرشحة ضمن قائمة “منظمة بدر” أمطار رحيم المياحي لوحظ استغلاها لدور العبادة، وذلك من خلال رصدنا لعدد من مقاطع الفيديو التي تُظهر منابر خطباء ولافتات لشعارات دينية داخل الأماكن التي تقيم بها دعايتها الانتخابية، بالإضافة إلى استخدامها للنعرات الطائفية داخل الأماكن، بينما تنص المادة (14) لنظام الحملات الانتخابية على حظر كل مرشح أو حزب أو تحالف سياسي يستخدم النعرات الطائفية، إذ جاء في المادة: “يحظر على كل مرشح او حزب او تحالف سياسي مشارك في الانتخابات ان يضمن حملاته الانتخابية افكارا تدعو الى اثارة العنف والكراهية أو النعرات القومية أو الدينية أو الطائفية أو التكفيرية أو القبلية أو الإقليمية، سواء كان ذلك عن طرق الشعارات او الصور أو الخطابات أو وسائل الاعلام المرئية او المسموعة او اية وسيلة اخرى من وسائل الاعلام والاتصالات المختلفة”.

ومع هذا المخالفات العلنية، الذي توضح مدى ضعف الالتزام بشروط وضوابط الحملات الانتخابية التي وضعتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حيث ما زال بعض المرشحين يوظفون الرموز الدينية ودور العبادة لتحقيق مكاسب انتخابية، كما يؤكد هذا السلوك الحاجة الماسة إلى تفعيل الرقابة والمساءلة الحقيقية، لضمان أن تبقى العملية الانتخابية بعيدة عن التسييس الديني والطائفي، وأن تُبنى على أسس المساواة واحترام القوانين.

استغلال المنصب الوظيفي للحصول على مؤيدين ضمن الحملة الانتخابية

تداول موخرًا أخبار ومقاطع فيديو تُظهر أستياء الطلبة بعد ما تحولت فعالية اعلن عنها في جامعة بغداد على انها احتفال لتكريم أصحاب المبادرات التطوعية ولقاء مع وزير التعليم العالي نعيم العبودي، إلى تجمع انتخابي تابع لـ”حركة صادقون” المرتبطة بقوات “عصائب أهل الحق” المصنفة أرهابيًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

حيث وزعت الدعوات على الطلبة داخل الحرم الجامعي على أنها مخصصة لتكريم المتطوعين ومناقشة مطالب الطلبة مع الوزير، خصوصًا من كانوا يطالبون بتخفيض أجور التعليم الموازي وتحسين أوضاع السكن الجامعي، الا أنّ احد الطلبة المشاركين في الفعالية قد صرح لـ “شبكة مراسلين” أنهم تفاجئوا بنقلهم بحافلات من قاعة الجامعة إلى قاعة في موقع آخر خارج الجامعة، بحجة ضيق القاعة داخل الجامعة، ليتبين لاحقًا أن موقع المكان تابع لـ”حركة صادقون” معقلة عليه لافتات وصور حزبية.

وأضاف الطالب: “أول ما دخلنا القاعة، بدأوا يوزعون وشاحات مكتوب عليها اسم “حركة صادقون” وشغلوا أغاني حزبية، وبساعتها عرفنا أن الموضوع سياسي”.

كما جرى تصوير الطلبة خلال الفعالية بطريقة توحي بدعم انتخابي للحركة، وفي نهاية التجمع، تم تكريم مجموعة من الطلبة داخل المقر نفسه، لمحاولة إضفاء طابع رسمي على فعالية سياسية.

حيث أعتبره الطلبة على أنه استغلال للمنصب الوظيفي، وتورط الحكومة مؤسساتها لأغراض انتخابية، إذ جاء في المادة (10) من قانون نظام الحملات الانتخابية على: “عدم جواز استغلال النفوذ الوظيفي من قبل موظفي الدولة والسلطات المحلية للترويج لصالح انفسهم او لمرشحين بعينهم بما في ذلك الاجهزة الامنية والعسكرية”.

من دعوة إلى التوظيف… إلى دعاية إتخابية لمرشحي منظمة بدر

بعد حادثة إستغلال المنصب الوظيفي، ظهرت حادثة أخرى مشابهة، إلا أنها كانت دعوة للتوظيف، حيث تداولت مقاطع فيديو تُظهر مجموعة من الشباب ادّعوا أنهم تلقوا دعوات للتقديم على وظائف، إلا أنه تبيّن بعد وصولهم أن المكان مخصّص لفعالية انتخابية لمرشّحي منظمة بدر.

إذ أظهر مقطع فيديو مصوَّر من داخل القاعة المخصَّصة للدعاية الانتخابية احتجاج الحاضرين، حيث قالوا: “وين التعيين” و”جايين على تعيين“، كما أظهر مقطع آخر أن الحاضرين جاؤوا من محافظات مختلفة، وقال أحدهم “كالوا النا أكو تعيين واجينا، وطلع چذب”، وتُظهر لقطات أخرى حدوث مشاجرات داخل القاعة، بينما ردد الحاضرون شعارات “شلع قلع كلهم حرامية”.

هذه الحالات رغم تكرارها في كل موسم انتخابي، تكشف ضعف الرقابة الرسمية على الحملات وغياب آليات حقيقية لضبط الإنفاق الانتخابي، كما تعكس حجم التداخل بين النفوذ السياسي ومؤسسات الدولة وإستمرار إستغلال حاجات المواطنين، ومع اقتراب يوم الاقتراع تبقى المخاوف من أن يعيد المال السياسي رسم الخارطة الانتخابية على حساب إرادة المواطن الناخب العراقي.

ملاحظة: تقرير مكتبة الإعلانات يتغير مع مرور الساعات من الوقت.

© التحقيق خاص لشبكة “مراسلين” 

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews