الصحراء الغربية بين القرار الأممي وتباين الروايات

مولود سعدالله – مراسلين
عاد ملف الصحراء الغربية هذه الأيام إلى دائرة الضوء، بعد أن صوّت مجلس الأمن الدولي مساء اليوم على قرار جديد يُمدد ولاية بعثة الأمم المتحدة “مينورسو” لسنة إضافية، ويدعو الأطراف إلى إستئناف المفاوضات على أساس ما وصفه بـ” الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية” ، باعتباره خياراً عمليا وممكنا لإنهاء النزاع المستمر منذ عقود.
القرار الذي مرّ بأغلبية 11 صوتا مقابل إمتناع ثلاث دول (روسيا، الصين، باكستان)، أثار موجة واسعة من القراءات والتأويلات بين الجزائر والمغرب، حتى بدا وكأن كل طرف خرج منه منتصراً بطريقته.

في الإعلام الجزائري تعديل المسودة دليل على الصمود
الإعلام الجزائري ركز على أن النسخة النهائية من القرار تم تعديلها بعد مفاوضات مطوّلة داخل أروقة المجلس، وقال إن الصيغة الأصلية كانت “تميل لصالح المغرب”، قبل أن تُخفَّف نبرتها بفضل تحرّكات دبلوماسية تقودها الجزائر وحلفاؤها،
في هذا السياق تحدثت بعض المنابر الجزائرية عن أن “مجلس الأمن لم يتخلّ عن حق تقرير المصير”، معتبرة أن النص النهائي يُبقي الباب مفتوحا أمام جميع الخيارات، بما فيها الاستفتاء الذي تطالب به جبهة البوليساريو .
بالنسبة للإعلام الرسمي الجزائري القرار ليس انتصارا لأحد بقدر ما هو “تكريس للشرعية الدولية” وللموقف الذي يرى أن الحل يجب أن يكون عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين، دون فرض رؤية جاهزة من الخارج.
في الإعلام المغربي الاعتراف الواقعي بالمقترح
أما في الجانب المغربي فقد قوبل القرار بارتياح كبير واعتبر تحولا نوعيا في مقاربة الأمم المتحدة ،
منابر مغربية تحدثت عن إجماع دولي متزايد حول مبادرة الحكم الذاتي ، ورأت في التصويت الأممي اعترافا عمليا بمغربية الصحراء ،
وبحسب ما نشرته صحف مغربية فإن القرار يعكس نجاح الدبلوماسية الهادئة للمملكة في إقناع القوى الكبرى بواقعية مقترحها، معتبرة أن مرحلة ” الاستفتاء ” أصبحت خلفنا .

ماذا جرى في الواقع :
لكن بعيدا عن لغة البيانات والاحتفالات الإعلامية، فإن القراءة المتأنية للقرار تكشف أن الأمم المتحدة لم تحسم الموقف بعد ،
فالحديث عن ” الحكم الذاتي الواقعي “لا يعني اعترافا صريحا بالسيادة المغربية، كما أن الإشارة إلى ” مواصلة المسار السياسي تحت إشراف المبعوث الأممي ” تبقي التفاوض مفتوحا على جميع الاحتمالات.
بمعنى آخر ما جرى اليوم هو تعديل في اللهجة وليس في الموقف الأساسي ، إذ لا يزال مجلس الأمن متمسكاً بصيغة “حل سياسي متفاوض عليه” دون فرض نهاية محددة للنزاع.

بعثة المينورسو :
بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO) أُنشئت سنة 1991 بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو ، بهدف تنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم .
لكن المشروع تعثر بسبب الخلاف حول اللوائح الانتخابية فتحوّل دور البعثة إلى مراقبة الهدنة وتوثيق الخروقات ، دون أي تقدم فعلي في المسار السياسي .
اليوم ومع تجديد ولايتها يطرح القرار سؤالاً قديما جديدا , هل ما زال الحديث عن ” استفتاء تقرير المصير ” قائماً فعلا أم تحول تدريجيا إلى مجرد ذكر رمزي؟

الخلفية التاريخية حول القضية :
الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية حتى عام 1975 ، حين انسحبت مدريد بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية التي منحت المغرب وموريتانيا إدارة الإقليم.
لكن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر ، رفضت الاتفاق وأعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لتندلع حرب استمرت أكثر من 15 سنة، انتهت بوقف إطلاق النار في 1991 ، ومنذ ذلك الحين ظل الإقليم منقسما بين منطقة تسيطر عليها المغرب وأخرى تديرها البوليساريو شرق الجدار الرملي.

القرار الأممي الأخير لم يُغلق الملف، بل أعاد ترتيب قواعد اللعبة ،المغرب كسب اعترافا ضمنيا بخطته ، والجزائر كسبت بقاء مبدأ تقرير المصير في النص ولو بصيغة خافتة.
وفي ظل هذا التوازن الهش يبدو أن الصحراء الغربية ستبقى ورقة مفتوحة تتأرجح بين الواقعية السياسية والشرعية التاريخية، في انتظار تسوية ترضي الجميع .



