بعد سنوات من التهميش.. الفنان الفطري هشام الكيلاني يعرض نتاحه في المتحف الوطني

محمد سمير طحان – خاص مراسلين
دمشق – في زوايا المتحف الوطني بدمشق، يفتح الفنان الفطري السوري محمد هشام شكيب الكيلاني صفحة جديدة من تاريخه الفني الطويل ، بعد سنوات من التهميش والتجاهل من قبل المؤسسة الثقافية في عهد النظام السابق.
بات اليوم من المتاح الاطلاع على أعمال الفنان ابن مدينة حماة من خلال معرضه الاستعادي الذي ضم 21 لوحة فسيفسائية والذي حمل روح حضارة سورية الأصيلة، فهنا المعرض ليس مجرد احتفاء بفنان كبير، بل هو انتصار لإبداع ظل مهمشاً لعقود طوال.

لم يحظ الكيلاني بالاعتراف في أيام النظام السابق ، رغم ابتكاره مدرسة فنية جديدة في فن الفسيفساء، وتطوره الذي امتد لأكثر من أربعين عاماً، حيث بقي صامتاً في الظل مهمشاً، حتى ظن أن الجميع تقريباً قد نسوه.
في حديث خاص لمراسل شبكة مراسلين في دمشق يروي الكيلاني قصته التي بدأت من شغف شخصي وهواية، حيث قال: “أنا مدرس متقاعد، ولم أدخل مجال الفن من باب الدراسة، بل اخترعت طريقتي بنفسي مستنداً إلى عناصر وراثية من أجدادي ، مع الاجتهاد والتجريب حتى وصلت لتقنية خاصة بي في فن الفسيفساء”.

يحول الكيلاني بتقنياته الفريدة الفسيفساء من فن تقليدي محصور في الكتب والمتاحف، إلى فن تشكيلي معاصر يحمل روح الإبداع بلا حدود.
ويرى الفنان أن فن الفسيفساء في منطقتنا تعرض لتشويه كبير عبر التاريخ، إذ نُسبت حضاراته إلى شعوب أخرى مثل اليونان وتركيا، بينما هو جزء أصيل من التراث السوري.

يقول الكيلاني: ” أعدت عبر لوحاتي الحقوق لأصحابها الحقيقيين، للهوية السورية التي لطالما حملت حضارات متعددة تحت سقف واحد”، ويؤكد بكل فخر أن فن الفيسفساء في اليونان وورما وتركيا مأخوذ من اللن السوري الأقدم والأعرق.

ويتجاوز معرض الكيلاني في المتحف الوطني بدمشق حدود الفن ليحمل رسالة إنسانية وحضارية؛ فكل لوحة تحمل قصة ، فمن مشاهد حياة السيد المسيح، و معجزاته، إلى العشاء الأخير، ورسائل المحبة والتسامح ، إلى الجامع الأموي وغيرها من اللوحات المرتبطة بوجدان سوريا والسوريين ، لتؤكد مجمل الأعمال أن سورية أرض الانتماءات الدينية المتعددة التي تعايشت عبر التاريخ بسلام ووئام.
يقول الكيلاني: “سوريا تحتضن كل الديانات والحضارات، ولا تفرق بين الإنسان على أساس انتمائه الديني”.

من خلال فنه، يدعو ابن حماة العالم إلى فهم أعمق لسوريا الحقيقية، الموحدة بكل تنوعها ، ويؤكد أن ” الطريق لم يكن سهلاً،”، مبيناً أنه عانى من نفسياً واجتماعياً من التهميش المتعمد كونه فنان فطري وابن مدينة حماة مهد الثورة السورية الأولى في ثمانينات القرن الماضي .
تمسك الكيلاني بفنه كوجه حضاري يفتخر به وطنه، وفي خطوة تعكس تحولا هاماً، جاء اعتراف النظام الجديد به كفنان تشكيلي معترف به رسمياً، وأُقيم معرضه الأول في المتحف الوطني.
كان هذا الاعتراف محصلة معركة طويلة من الصبر والإبداع.ليس هذا فقط، بل يسعى الكيلاني الآن إلى تطوير فن الفسيفساء من خلال تعليم الأجيال الجديدة عبر ورشات فنية تطبيقية، مؤمناً بأن الفن لغة حياة تُربط بين الماضي والحاضر، وأنه السبيل لبناء مستقبل فني وحضاري للسوريين.

من دمشق، يحكي الكيلاني قصة صمود فنان كان مهمشاً لكنه ظل يبدع في صمت، حتى أصبح صوته اليوم يعلو في أروقة الفن السوري والإنساني، مجسداً رسالة الحب والسلام التي تنبع من حضارة سورية العريقة.







