تقارير و تحقيقات

أطفال اليمن.. حياة بائسة ومستقبل مجهول

تقرير : أمل صالح – مراسلين

يصادف 20 نوفمبر اليوم العالمي للطفل الذي أقرته الأمم المتحدة، وفي هذا اليوم، كما في كل يوم، يعيش أطفال اليمن وسط واقع مظلم لا حاضر يسر ولا مستقبل يبعث على الأمل.
فقد التهمت الحرب كل شيء, الأخضر قبل اليابس. وبلغ الفقر مستوىً غير مسبوق، بينما يعيش اليمن عقدًا كاملًا تحت صراعٍ بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي التي أحكمت قبضتها على السلطة منذ 2014. انقسم البلد إلى شطرين، لكن كليهما يواجه المصير ذاته: موت بطيء وسط انهيار تام لمقومات الحياة الكريمة.

عشر سنوات مضت، والناس يعانون مرارة الحرب وويلات الانقسام والتشظي بين أبناء الوطن الواحد. وخلال هذا العقد غرق اليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

ووفق آخر الإحصاءات، يحتاج أكثر من 19 مليون شخص، بينهم 10 ملايين طفل، إلى المساعدات الإنسانية خلال عام 2025.

سوء تغذية خانق

أكدت تقارير أممية أن الوضع في اليمن يزداد سوءًا مع استمرار الصراع، إذ يعاني أكثر من 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يقرب من نصف السكان، بينهم 5 ملايين في مستويات طارئة من الجوع. كما يعاني 55% من الأطفال دون الخامسة من سوء تغذية مزمن، وهو مؤشر خطير على مستقبل أجيال كاملة.

نزيف التعليم
أصبح التعليم في اليمن متأرجحًا بين منهجين مختلفين وتوجهين سياسيين متصارعين، إضافة إلى عجز كثير من الأسر عن تحمل تكاليف الدراسة، خاصة مع انقطاع الرواتب. وكنتيجة لذلك اضطرت آلاف الأسر إلى سحب أبنائها من المدارس، فيما زُجّ بآخرين في جبهات القتال.
وبحسب البيانات المتاحة، يوجد أكثر من 3.2 مليون طفل خارج المدارس، بينما يعيش 4.8 مليون شخص في نزوح داخلي، ما يعرقل انتظام التعليم. وتُعد أزمة النزوح في اليمن خامس أكبر أزمة نزوح في العالم.

قطاع صحي منهار

من أبرز تداعيات الحرب تدهور النظام الصحي في البلاد، إذ توقفت أو تعثرت خدمات كثيرة نتيجة تقليص الدعم الدولي وسوء الإدارة. ولا يعمل اليوم سوى 40% من المنشآت الصحية في ظل أزمة إنسانية خانقة يفترض أن يكون القطاع الصحي في مقدمة أولوياتها.

وتشير التقارير إلى ارتفاع انتشار الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا والإسهالات الحادة، في حين يعيش 17 مليون شخص دون مياه نظيفة، وأكثر من 5 ملايين من ذوي الإعاقة، بينهم 21% من الأطفال بين 5 و17 عامًا.

تمويل إنساني متراجع

مع كل هذه المعاناة، يشهد عام 2025 أدنى مستويات التمويل الإنساني منذ بدء الحرب، مما أدى إلى فجوات خطيرة في مجالات الأمن الغذائي والصحة والمياه والصرف الصحي. الأمر يستدعي تحركًا دوليًا جادًا لحماية مستقبل ملايين الأطفال والأسر.

جوع يتصاعد
أكدت الأمم المتحدة مطلع الأسبوع الجاري أن 17 مليون شخص في اليمن ما يزالون يعانون من الجوع الشديد، مع توقعات بارتفاع العدد بمليون إضافي.
وقالت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن الصراع أدى إلى تدمير البنية التحتية وتعطيل الواردات ونزوح السكان، مما تسبب في تدهور اقتصادي وانعدام أمن غذائي ممنهج.
وأكدت أن القيود المفروضة على العمل الإغاثي تعرقل وصول المساعدات إلى المناطق الأشد احتياجًا.

انتهاكات بحق الطفولة
في ظل الانهيار الاقتصادي، يتزايد تجنيد الأطفال في جبهات القتال، في كثير من الحالات بدافع الحاجة أو الإكراه.
واتهمت منظمات حقوقية جماعة الحوثي بارتكاب 21,342 انتهاكًا بحق الأطفال خلال الفترة من يناير 2015 حتى يوليو 2025، بينها 9,914 حالة قتل و6,417 إصابة.
كما وثقت الفرق الميدانية 598 حالة اختطاف و51 جريمة اغتصاب بحق أطفال، إلى جانب تجنيد أكثر من 30 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا، زُج بمعظمهم إلى ساحات القتال.

تجنيد مستمر رغم القوانين
وقّعت الأطراف اليمنية اتفاقيات دولية تمنع تجنيد الأطفال، بما فيها خطة عمل أبرمها الحوثيون مع الأمم المتحدة عام 2022، إلا أن التقارير تشير إلى استمرار تجنيد الأطفال من مختلف الأطراف، لا سيما في جبهات مأرب وشبوة والمناطق الخاضعة للحوثيين.
وتفيد التقارير بأن بعض الأطفال المجندين لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا، رغم تحريم القانون الدولي لذلك.

وضع كارثي

يعد وضع الطفولة في اليمن كارثيًا للغاية في مختلف المجالات الحقوقية؛ إذ لا يوجد تعليم مناسب ولا بيئة صحية جيدة، ولا تنمية أو استقرار يمكن التعويل عليه بالنسبة للأطفال.

وبحسب أحمد القرشي، رئيس منظمة “سياج لحماية الطفولة”، الذي صرّح لـشبكة مراسلين، فإن اليمن تعاني من النزوح منذ 11 عامًا، وقد بلغ عدد النازحين منذ بداية الحرب قرابة 5 ملايين شخص، يشكل الأطفال والنساء نسبة 70% منهم، ما يعكس خطورة الوضع واتساع حجم المأساة.

كما أشار القرشي إلى أن ما يقارب 4 ملايين طفل حرموا من حقهم في التعليم، والعدد مرشح للارتفاع، وقد يتجاوز ستة ملايين طفل خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمثل ـ بحسب قوله ـ خطرًا كبيرًا على الحاضر والمستقبل معًا.

وتطرّق القرشي أيضًا إلى مأساة أخرى يعاني منها أطفال اليمن، وهي التجنيد ، حيث أكد أن أعدادًا كبيرة من الأطفال يتم تجنيدهم ضمن أطراف الصراع، وخصوصًا الجبهات التابعة لجماعة الحوثي، مما يشكل خطراً بالغًا؛ إذ يعني ذلك أنهم مرشحون ليكونوا جزءًا من جماعات العنف والجريمة المنظمة والبطالة والعزلة الاجتماعية، وعدم القدرة على الانخراط في عمليات التنمية بعد وقف إطلاق النار.

عمالة واستغلال

يتحدث القرشي عن مئات الآلاف من الأطفال اليمنيين المنخرطين في ما وصفه بأسوأ أشكال عمالة الأطفال، وجميعهم معرضون للاستغلال بكافة أنواعه، بما في ذلك الأذى الجسدي والنفسي.

كما أشار إلى انهيار المنظومة التعليمية في اليمن على مستوى المناهج والمعلمين، ما يدفع الأطفال نحو الجبهات أو الزيجات المبكرة أو إلى سوق العمل القسري بحثًا عن لقمة العيش.

ويؤكد القرشي أن الأطفال اليوم ينخرطون في أشكال من العمل تمس كرامتهم وصحتهم وسلامتهم وبقاءهم، مضيفًا بأسف:
نحن أمام مشاكل خطيرة وكبيرة ومترامية الأطراف، والحلول ما تزال شبه معدومة.”

بين الجوع والمرض والنزوح والحرب، يقف أطفال اليمن أمام مستقبل ضبابي عنوانه الخوف واللا يقين. وفي ظل انحسار الدعم الدولي، تبقى الحاجة ملحة لتحرك إنساني عاجل يعيد لليمن حقه في السلام، ولأطفاله حقهم في الحياة الكريمة.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews