من هو نوح زعيتر؟ القصة الكاملة بين المطلوبية، الشائعات، التوقيف… وتصريحات المحامي بعد سقوطه بيد الدولة

ريتا الأبيض – مراسلين
يشكّل اسم نوح حسين زعيتر واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في لبنان خلال العقدين الأخيرين. ليس بسبب الملفات القضائية الضخمة فحسب، بل بسبب الظاهرة التي تكوّنت حوله: رجل من بيئة مهمّشة، ظهر علنًا رغم كونه مطلوبًا، تحوّل إلى شخصية تتجاوز حدود القانون والإعلام والسياسة والاجتماع. توقيفه الأخير أعاد فتح ملف طويل ومتشعّب، دفع المحامي إلى الظهور علنًا لتوضيح ما يُشاع، ووضع النقاط على الحروف.
هذا التقرير يحاول أن يروي القصة الكاملة: من هو نوح زعيتر؟ لماذا أصبح “أسطورة شعبية” عند البعض و”مطلوبًا خطيراً” لدى الدولة؟ ماذا تكشف الملفات القضائية عنه؟ وهل فعلاً يرتبط بأي جهة سياسية مثل حزب الله؟ وكيف تم توقيفه؟ وما الذي ينتظره؟
جذور نوح زعيتر… البيئة التي صنعت الرجل
وُلد نوح حسين علي إسماعيل زعيتر في بلدة بريتال في قضاء بعلبك، داخل منطقة تُعدّ من الأكثر حساسية في لبنان، حيث تداخل النفوذ العشائري مع التاريخ الطويل لزراعة الحشيشة وغياب الدولة عن أجزاء واسعة من السلسلة الشرقية.
بيئة مهمشة وانتشار السلاح
البقاع الشمالي منطقة عانت لسنوات من:
• ضعف حضور الدولة
• انتشار السلاح العشائري
• البطالة
• غياب الخدمات
• اقتصاد قائم على الزراعة غير الشرعية
هذه البيئة ساهمت في خلق “رجال نفوذ” محليين، يتجاوز دورهم الحدود القانونية ليصبحوا وسطاء، ومقاتلين أحيانًا، وحماة للمحيط، وخصومًا للدولة. وسط هذه الفوضى، ظهر نوح زعيتر.
بدايات ظهوره… التحول من مطلوب إلى ظاهرة إعلامية
بين 2013 و2015 بدأ اسم نوح زعيتر يتداول بشكل واسع.
ومع صعود “الفيسبوك” والفيديوهات، وجد الرجل منصة مثالية ليُظهر نفسه.
لماذا أثار الانتباه بسرعة؟
لأنه:
• ظهر مسلّحًا علنًا في فيديوهات.
• كان يتجوّل بقوافل رباعية الدفع.
• يتحدث بلهجة شعبية مباشرة.
• ينتقد الدولة بلا خوف.
• يوجّه رسائل أمنية وسياسية.
• يعلن نفسه “مدافعًا عن البقاع”.
هذه المشاهد كانت صادمة للإعلام والجمهور معًا: رجل مطلوب لكن حاضر يوميًا أمام الكاميرا دون أن يُمسك.
وهكذا بدأ “أسطورة نوح زعيتر”.
ملفاته القضائية: أضخم ملفات المطلوبين في لبنان
وفق محاميه أشرف الموسوي، يواجه زعيتر أكثر من 150 حكماً مبرماً، وما يقارب 1000 قرار غيابي. وتشمل الاتهامات الرسمية:
• زراعة وترويج المخدرات
• إطلاق النار
• تشكيل مجموعات مسلحة
• التعرّض لعناصر أمنية
• مقاومة السلطات
• قضايا جنائية متفاوتة
لا تتضمن الملفات أي اتهامات بتهريب أسلحة أو الارتباط بجهات سياسية، رغم حجم الشائعات التي نُشرت عبر وسائل التواصل.
تصريحات المحامي: نفي العلاقة بحزب الله وتوضيح الاتهامات
خرج المحامي أشرف الموسوي بتصريحات واضحة بعد توقيف زعيتر، نافياً بشكل قاطع أي علاقة له بحزب الله، وقال: “المعلومات المتداولة عن ارتباطه بالحزب بحاجة إلى تدقيق ولا تستند إلى أي مستند قانوني”. وأضاف أنّ زعيتر مطلوب حصراً في ملفات تتعلق بالمخدرات، مؤكداً أنّ توقيفه تمّ من دون مقاومة، وأن عشرات المطلوبين الآخرين في قضايا مشابهة ما زالوا خارج قبضة الدولة.
الشائعات حول ارتباطه بحزب الله: سرديات غير مثبتة
انتشرت عبر سنوات روايات تربط نوح زعيتر بحزب الله، مستندة إلى وجوده في منطقة تُعد حاضنة للحزب. إلا أنّ المعطيات الرسمية تقول:
• القضاء لم يربط اسمه بالحزب
• الأجهزة الأمنية لم تذكر أي صلة
• الحزب لم يعلّق يوماً على وجود علاقة
• لا يوجد أي دليل على صعيد التهريب أو التعاون
وبالتالي تبقى هذه الأخبار ضمن خانة السرديات الشعبية وليس الملفات القضائية.
أسلوب حياته وحضوره الإعلامي
ظهر زعيتر لسنوات بشخصية استعراضية: مجوهرات ثقيلة، مواكب مسلحة، سيارات فارهة، فيديوهات من جبال بريتال، ورسائل يتحدى فيها الدولة. هذا الخطاب عزّز صورته كمتمرد في نظر جمهوره، وكرجل مطلوب في نظر القانون.
كيفية توقيفه: عملية دقيقة وهادئة
رغم صعوبة البيئة التي يتحرك فيها، تشير المعلومات إلى أنّ عملية توقيفه تمت بهدوء كامل، دون إطلاق نار، بعد مراقبة تحركاته لفترة ومتابعة مكثفة من الأجهزة الأمنية. سلّم نفسه من دون مقاومة، وبدأت فوراً عملية التحقيق وإعادة فتح الملفات القديمة.
هل يرتبط نوح زعيتر بأي جهة سياسية أو عسكرية؟
أكثر الأسئلة حساسية، لكن الحقائق الثابتة تقول:
لا يوجد أي دليل رسمي أو قضائي يثبت علاقة بين زعيتر وحزب الله.
المعطيات:
• لا ذكر للحزب في أي ملف قضائي.
• لا بيان أمني رسمي يتحدث عن علاقة معه.
• الحزب نفسه لم يعلّق يومًا عليه.
• المحامي نفى ذلك.
• الإعلام الإسرائيلي لم يذكره حتى.
إذن لماذا انتشرت الشائعة؟
لسببين:
1. وجوده في بيئة مؤيدة للحزب.
2. ظهوره مسلحاً أعطى انطباعًا بوجود “غطاء ما”.
لكن لا يوجد دليل.
شخصية نوح زعيتر… ما وراء الصورة
- الكاريزما الشعبية
الرجل يجيد مخاطبة جمهوره:
• كلام مباشر
• لغة شعبية
• تحدٍّ للدولة
• خطاب قريب من الناس
- حياة استعراضية
ظهر في:
• سيارات فاخرة
• مجوهرات ثقيلة
• مقاطع مسلحة
• مقاطع “قوة ونفوذ”
- توازن بين التخفي والظهور
كان يعرف أين يظهر ومتى يختفي.
ظهر علنًا في مكان، واختفى في آخر.
- صورة الرجل الذي “تخافه الدولة”
صورة روّج لها كثيرون في البقاع.
لكن توقيفه كسر هذه الرواية.
لماذا لم يُوقَف قبل الآن؟
وفق مصادر أمنية:
• تضاريس بريتال والطفيل صعبة جدًا.
• المنطقة مليئة بالأنفاق والجبال الوعرة.
• دعم عشائري قوي يعقّد المداهمات.
• أي مواجهة في المنطقة قد تتحول لاشتباك واسع.
لذلك تأخر توقيفه لسنوات.
كيف تمت عملية التوقيف؟
• تمت مراقبة تحركاته بدقة.
• لم يُعلن أي هدف قبل التنفيذ.
• العملية جرت بصمت كامل.
• تم توقيفه دون طلقة واحدة.
• سُلّم مباشرة للتحقيق.
المصادر تشير إلى أن العملية تُعد “نقطة تحوّل” في ملف المطلوبين في البقاع.
ماذا ينتظر نوح زعيتر قضائيًا؟
المرحلة المقبلة معقدة:
• مراجعة أكثر من 150 حكماً
• إعادة فتح قرارات غيابية
• جلسات حضورية
• احتمالات دمج بعض الأحكام
• تحقيقات جديدة حول الشبكات التي كان يتعامل معها
قد يستغرق الملف سنوات.
أثر توقيفه على البقاع والمطلوبين الآخرين
توقيفه يُفهم على أنّه:
• إعادة تكريس هيبة الدولة
• رسالة لبقية المطلوبين
• بداية تغيير في ملف المخدرات
• خطوة لإعادة بسط الأمن في البقاع
بعض المصادر تعتبره:
“الخطوة الأهم منذ سنوات ضد المطلوبين الكبار”.
الحقيقة بين الأسطورة والواقع
نوح زعيتر ليس سياسيًا، ولا قائدًا عسكريًا، ولا زعيمًا رسميًا. هو ابن بيئة مهمّشة أنتجت رجالاً خارج إطار القانون وهو أيضًا شخصية إعلامية خلقت حالة فريدة من نوعها.
في النهاية، يعود زعيتر اليوم إلى قلب الدولة، وتبدأ مرحلة جديدة… مرحلة يحكم فيها القانون، لا السرديات الشعبية.
ومهما تعددت الروايات حول علاقاته أو قوته أو نفوذه، تبقى الحقيقة الأساسية:
لا يوجد في ملف نوح زعيتر ما يشير إلى ارتباط سياسي أو حزبي… بل مجرد مئات الأحكام المتراكمة في ملفات المخدرات والسلاح.
ومع اكتمال التوقيف، تبدأ الدولة اختباراً جديداً في قدرتها على فرض الأمن في المناطق التي لطالما بقيت “خارج الخريطة”



