تقارير و تحقيقات

طلاب الجامعات في سوريا.. معركة بين العلم ولقمة العيش

تقرير: محمد الحسين- مراسلين

دمشق_ في ظلّ الظروف الاقتصادية القاسية التي تعيشها سوريا، يخوض طلاب الجامعات يوميًا معركة بين قاعة المحاضرة ومكان العمل، ما يسبب لهم أزمات نفسية متكرّرة، ورغم الأعباء الثقيلة، يتمسّكون بأمل الشهادة التي قد تفتح لهم باب المستقبل.

مشهد يتكرر في أغلب المدن السورية

مع شروق الشمس، تزدحم الحافلات الصغيرة في المدن السورية بطلاب يحملون مقرّراتهم، بعضهم في طريقه إلى الجامعة، وآخرون إلى دوام العمل قبل المحاضرات، ترتسم على وجوههم ملامح تعب مألوفة، لكنّها لا تخلو من إصرار على المضي نحو تحقيق الحلم.

تحوّلت حياة طلاب الجامعات في السنوات الأخيرة إلى معركة قاسية، بين متابعة الدراسة وتأمين لقمة العيش، فالكثير منهم بات المعيل الوحيد لنفسه ولأسرته، وسط ارتفاع تكاليف متطلبات الحياة، وتدهور الظروف الاقتصادية، لتصبح الدراسة تحدياً يومياً لا يقل صعوبة عن العمل نفسه.

شوارع مدينة حلب تروي طموحًا أكاديميًا مكبّلًا في ظل ظروف معيشيّة خانقة

في أحد فنادق حلب يعمل غسان الإبراهيم، طالب علم الاجتماع في سنته الثالثة، نادلًا بدوام ليلي يمتدّ عشر ساعات يوميًا، يقول لشبكة “مراسلين”: “التوفيق بين الجامعة والعمل أمر مرهق جداً، أحيانًا لا أستطيع متابعة المحاضرات بسبب التعب، لكن لا خيار آخر أمامي”.

ويضيف “الإبراهيم”: “الظروف الاقتصادية حمّلتنا مسؤوليات أكبر من أعمارنا، أعمل لأتحمّل مصاريف حياتي اليومية من طعام وملبس، إضافة إلى تكاليف الدراسة وشراء الكتب والمحاضرات”.

ورغم المشقّة، لا يفقد غسان الأمل..
في ظل معاناة التعب والأجر الزهيد، يتمسّك بطريقه لتحقيق طموحاته وأحلامه.

أما يزن ح. طالب في كلية الهندسة الزراعية بجامعة حلب، فيقضي يومه بين الكتب وأصوات ماكينات الخياطة في ورشة صغيرة، يتحدّث ل”مراسلين”: “الموازنة بين ساعات العمل والدراسة معادلة صعبة، أعمل أكثر من تسع ساعات يوميًا، وغالبًا أتغيّب عن المحاضرات بسبب الإرهاق”.

ويتابع “يزن”: “مرتّبي لا يتجاوز 100 دولار أمريكي شهريًا ولا يكفي لتغطية نفقاتي، أخصص يوماً واحداً في الأسبوع للذهاب إلى الجامعة وشراء المقررات، لأدرس في المساء بعد الانتهاء من العمل، لكن في الحقيقة التعب والنعاس يغلباني دائمًا”.

في ريف حلب الشرقي، يعيش حمزة الخلف، طالب في الجامعة الافتراضية السورية، تجربة مختلفة من نوع آخر، يروي “الخلف” معاناته لشبكة “مراسلين”: “في كل فصل دراسي، أعاني من صعوبة تأمين تكاليف التنقل إلى حلب لتقديم الامتحانات، أحيانًا أضطر للإقامة في فندق متواضع بسبب بعد المسافة تكاليف النقل”.

يعمل حمزة الخلف في الزراعة ليسد نفقات دراسته، ويضيف: “العمل في زراعة الأرض مرهق، لكنه وسيلتي الوحيدة لأؤمّن أقساط الجامعة، أحاول التأقلم رغم الظروف الخانقة، لأن التعليم هو أملي الوحيد في مستقبل أفضل”.

من دمشق، تتحدث سلمى نجار، طالبة اللغة العربية في سنتها الرابعة، قائلة: “دراستي الجامعية أصبحت صراعاً للبقاء أكثر من كونها سعياً للعلم، أعمل لأغطّي نفقاتي اليومية والدراسية، والموازنة بين العمل والدراسة تستهلك كل طاقتي وتؤثّر في تحصيلي العلمي”.

ارتفاع.. مصاريف الجامعة

وتضيف “نجار”: “الدراسة أصبحت أكثر صعوبة، غلاء الكتب وأوراق المحاضرات دفعتني للاعتماد على ملفات PDF، (صيغة إلكترونية للكتب والمستندات)، كما أن ارتفاع تكاليف المواصلات جعلني أتغيّب قسرًا عن بعض المحاضرات، إضافة إلى أن عدم توافر وسائل النقل يزيد من صعوبة الأمر خاصة في فترة الامتحانات، ذلك بسبب بعد المسافة بين سكني وجامعتي إذ أضطر للذهاب قبل بدء الامتحان بساعتين على الأقل لأضمن الوصول”.

تتمسّك سلمى نجار بالأمل.. “التعليم في مثل هذه الظروف ليس مجرّد خيار، بل تحدّي للحياة نفسها، التخرّج بالنسبة لي إنجاز شخصي وعائلي يسبقه استنزاف جسدي ونفسي كامل”.

تكاليف المعيشة المتزايدة وأجور العاملين المتدنّية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي، أجور النقل، السكن، المقررات الدراسية، وحتى الطعام والملبس، كل تفصيل بسيط أصبح عبئاً إضافياً يثقل جيب الطالب.

وفي ظل هذا الواقع، يجد معظم الطلبة أنفسهم بين خيارين، إما العمل لساعات طويلة على حساب الدراسة، أو الانقطاع عن التعليم بحثاً عن مصدر دخل ثابت. رغم كل الصعوبات، يبقى الإصرار على التعلم أحد أكثر ملامح الصمود في المجتمع السوري، فطلاب الجامعات يواصلون طريقهم نحو العلم، ويتمسّك الطالب بخيط أمل وسط ميدان مرهق.

خاص - مراسلين

شبكة مراسلين هي منصة إخبارية تهتم بالشأن الدولي والعربي وتنشر أخبار السياسة والرياضة والاقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews