السودان على حافة أربعة مسارات: تقرير دولي يكشف مآلات الحوكمة والمساعدات حتى عام 2026

نشوة أحمد الطيب _ مراسلين
أصدرَت شبكة ACAPS لتحليل النزاعات والاحتياجات الإنسانية، تحليلاً استباقياً شاملاً يرسم ملامح أربعة سيناريوهات تحدد مستقبل السودان خلال العام المقبل، في ظل التحولات السريعة في خارطة السيطرة العسكرية وتعقّد بيئة الحوكمة. التقرير، الذي يستهدف صناع القرار الإنساني، يقدم قراءة معمّقة لتداعيات النزاع على الاقتصاد، والخدمات الأساسية، ووصول المساعدات، وتوازن القوى داخل البلاد حتى ديسمبر 2026.
مشهد متحرك وحوكمة متصدعة..
يرجّح التقرير أن تستمر ديناميكية التغيير في مناطق السيطرة والحوكمة، بما ينعكس مباشرة على طبيعة الاستجابة الإنسانية. وقد صيغت السيناريوهات بعد ورش عمل شارك فيها أكثر من أربعين خبيراً من المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والأوساط الأكاديمية، مستندة إلى تعريف شامل للحوكمة يشمل طرق اتخاذ القرار وتوزيع الموارد وتنظيم المساعدات، سواء عبر المؤسسات الرسمية أو المجموعات المسلحة.

السيناريو الأول:
الإنهاك صراع مفتوح واستنزاف مستمر يتوقع السيناريو الأول تعمّق التشرذم، مع ترسّخ سيطرة القوات المسلحة في الشرق والوسط داخل بنية حوكمة هشة، في مقابل تمدد قوات الدعم السريع في غرب البلاد عبر ممارسات قسرية تشمل الابتزاز والرسوم ونقاط التفتيش. وتشهد دارفور وكردفان اشتداداً في ديناميكية الجبهات، بينما يؤدي تداخل أنظمة الحوكمة وتدهور الأمن إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وانهيار اقتصادي متسارع. في هذا السياق، يصبح الوصول الإنساني أكثر تسييساً ويعتمد بدرجة متزايدة على المستجيبين المحليين، فيما يظل التوتر قائماً في مناطق كردفان حيث تتنافس قوى متعددة على مواقع وموارد حيوية.

السيناريو الثاني:
التقسيم كتلتان حاكمتان وبيئتان للمساعدات يرسم السيناريو الثاني مساراً يقود إلى انقسام فعلي للبلاد إلى كتلتين حاكمتين: حكومة “تأسيس” المدعومة من قوات الدعم السريع والحركة الشعبية/الشمال بقيادة الحلو، والمسيطرة على غرب السودان. وحكومة مجلس السيادة الانتقالي المدعومة من القوات المسلحة، في الشرق والوسط. تستقر الجبهات نسبياً، وتنشأ منظومتان منفصلتان للتصاريح والضرائب والتسجيل، ما يخلق بيئتين متوازيتين للمساعدات الإنسانية. ومع تراجع العنف، يتحسن الوصول الإنساني تدريجياً، بينما يشهد الاقتصاد تعافياً محدوداً. وعلى الجانب الآخر، يعود اقتصاد مناطق “تأسيس” للاعتماد الكبير على المعونات، مع احتمالات التحول إلى استخدام الفرنك الأفريقي المركزي بدلاً من الجنيه السوداني.

السيناريو الثالث: التفكك انهيار الدولة وصعود الحوكمة المحلية
يتصور هذا السيناريو انهياراً في التماسك القيادي للدولة، مع تقدم الدعم السريع والحركة الشعبية/الشمال نحو وسط السودان، ما يفتح المجال أمام ظهور هياكل حوكمة بديلة تدعمها مجموعات مسلحة محلية. تواجه المنظمات الإنسانية قيوداً مشددة، إذ تصبح المفاوضات مع جهات متعددة ضرورة للوصول إلى المحتاجين، فيما تتفاقم المخاطر الأمنية والبيروقراطية. وتنهار شبكات الخدمات والأسواق، وتتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل حاد مع تصاعد العنف الجنسي والاستهداف العرقي وموجات النزوح الجماعي. وفي ظل هذا التفكك، يميل الاقتصاد للتحول نحو اقتصاد حرب يقوم على تجارة الذهب والسلاح، مع اتساع نطاق التضخم وشح السيولة.

السيناريو الرابع: إعادة التأكيد مركزية مشددة وصعود نفوذ الجيش
يطرح هذا السيناريو احتمال استعادة القوات المسلحة السيطرة على مناطق واسعة من دارفور وكردفان، ما يضعف الدعم السريع ويدفعه نحو نيالا والحدود التشادية. ومن شأن هذا التقدم تعزيز شرعية القوات المسلحة داخلياً وخارجياً. تعود الحوكمة إلى مركزيتها، مع تشديد الرقابة وفرض قيود على عمل المنظمات الإنسانية والمبادرات المدنية. يتحسن الوصول الإنساني في المناطق المستعادة لكنه يصبح أكثر خضوعاً للقنوات الحكومية، بينما يتدهور الوصول في مناطق سيطرة الدعم السريع مع ازدياد انعدام الأمن. وتبرز مخاوف واسعة من انتهاكات انتقامية تشمل الاعتقالات والإعدامات خارج القانون والاستهداف العرقي في المناطق التي تستعيدها القوات المسلحة.
عوامل ترسم مسار المستقبل: السلام والمناخ والتمويل
يعرض التقرير عدداً من العوامل التي قد تغير مسار السيناريوهات بشكل حاسم، أبرزها: مبادرة السلام الرباعية بقيادة الولايات المتحدة، التي تدفع باتجاه سلطة مدنية وتنزع الشرعية عن الأطراف المسلحة.
الظروف المناخية التي تؤثر في حركة القوات وفي الوصول الإنساني، خاصة خلال موسم الأمطار الذي يعرقل طرق الإمداد الحيوية مثل معبر أدري.
عدم الاستقرار في جنوب السودان وما قد يحمله من تدفقات مقاتلين وتعطيل طرق الإمداد وانخفاض عائدات رسوم النفط. تدهور التمويل الإنساني العالمي الذي يعمّق التحديات التشغيلية ويقلّص قدرة المنظمات على توفير الخدمات.
تحولات سياسية وعسكرية تعيد تشكيل المشهد شهد عام 2025 تبدلات كبيرة، أبرزها إعلان تحالف “تأسيس” في فبراير، وانضمام الحركة الشعبية/الشمال بقيادة الحلو لاحقاً، قبل تأسيس حكومة موازية في يوليو لم تتمكن من تثبيت نفوذها أو اكتساب اعتراف خارجي.
وفي مايو، عيّنت القوات المسلحة كامل إدريس رئيساً للوزراء ضمن استراتيجية لمواجهة محاولة إنشاء حكومة موازية، لكن الحوكمة بقيت مجزأة وتعتمد على قوات متحالفة في عدة مناطق.
وعسكرياً، استعادت القوات المسلحة معظم وسط السودان بما في ذلك الخرطوم، بينما تحولت كردفان إلى جبهة مركزية.
وبرز استخدام الطائرات المسيّرة كسلاح رئيسي، مستهدفاً البنى التحتية والمدنيين، ما زاد من المخاوف الأمنية في بورتسودان وشرق السودان.
خلاصة:
سفينة في بحر مضطرب
يرى التقرير أن السودان يقف أمام أربعة مسارات متباينة، لكل منها تداعيات عميقة على شكل الدولة والاقتصاد والمساعدات. وبينما تتقاطع العوامل السياسية والعسكرية والمناخية والمالية لتزيد من تعقيد المشهد، يبقى التخطيط الاستراتيجي أمراً حاسماً لتفادي الأسوأ وضمان استمرارية العمل الإنساني وحماية المدنيين.



