تقارير و تحقيقات

استمرار الاحتجاجات التونسية ضد قمع الحريات

مسيرة تونسية جامعة ضد تكميم الأفواه ومنطق الاستئصال

حنان الحيدري – مراسلين

تونس – شهدت العاصمة التونسية يوم أمس، مسيرة احتجاجية أمام مقرّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بالعاصمة، لتتحوّل سريعا إلى مشهد سياسي لافت جمع أطيافًا فكرية وسياسية متباينة، توحّدت على رفض تكميم الأفواه والتنديد بالاعتقالات السياسية، والدفاع عن الحق في الاختلاف بوصفه أحد أسس العيش المشترك والدولة الديمقراطية.

لم تكن المسيرة حدثا معزول أو تعبيرا ظرفيًا عن غضب عابر، بل جاءت كإشارة قوية إلى تصاعد القلق داخل المجتمع المدني والنخب السياسية من تضييق المجال العام، ومن عودة منطق الإقصاء تحت عناوين قانونية وأمنية مختلفة.

رمزية الانطلاق: حين تتكلم الحرية من بوابتها

اختيار مقرّ نقابة الصحفيين كنقطة انطلاق حمل دلالة واضحة. فالصحافة تُعدّ تاريخيًا خط الدفاع الأول عن الحريات، ومؤشرا حساسا على طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع. ومن هذا المكان تحديدًا، أراد المحتجون توجيه رسالة مفادها أن المساس بحرية التعبير لا يستهدف فئة بعينها، بل يهدد الحق العام في الاختلاف والنقد والمساءلة.

تنوّع غير مسبوق في الشارع

اللافت في المسيرة كان الحضور المتعدد المشارب يساريون، قوميون، ليبراليون، إسلاميون، مستقلون، صحفيون، حقوقيون وأكاديميون. هذا التنوع لم يخف اختلافاتهم العميقة، لكنه عكس وعيا مشتركا بخطورة المرحلة، وضرورة الالتقاء حول حدّ أدنى ديمقراطي يرفض تحويل الخلاف السياسي إلى أداة تجريم أو استئصال.

وبدا الشارع، في هذه اللحظة، وكأنه يستعيد إحدى وظائفه الأساسية فضاء للتلاقي السلمي، لا ساحة لتصفية الحسابات الإيديولوجية.

شعارات تتجاوز الاحتجاج إلى المعنى

رفعت خلال المسيرة شعارات منددة بتكميم الأفواه، وبالاعتقالات ذات الطابع السياسي وأخرى داعية إلى احترام الدستور وضمان استقلال القضاء. وقد عكست هذه الشعارات وعيًا متقدّمًا بطبيعة الأزمة، إذ لم تكتفِ بإدانة الواقع، بل أعادت طرح سؤال الشرعية السياسية هل تبنى على الصمت القسري أم على التعدد والنقاش الحر؟

الاعتقال السياسي في قلب النقاش

احتل ملف الاعتقالات السياسية موقعا مركزيا في المسيرة لا باعتباره قضية فئوية، بل باعتباره كاشفًا لاختلال أعمق في موازين السلطة فحين يتحول القانون إلى أداة لتأديب الخصوم يفقد دوره كضامن للحقوق ويصبح جزءا من الأزمة بدل أن يكون حلا لها.

ويرى مشاركون أن الخطر لا يكمن فقط في عدد الإيقافات بل في تكريس مناخ عام يجرّم الاختلاف، ويدفع نحو الرقابة الذاتية والخوف وهو ما يفرغ الحياة السياسية من مضمونها.

ضد الاستئصال… مع الاختلاف

حرص منظمو المسيرة ومشاركون فيها على التأكيد أن التحرك لا يستهدف إقصاء أي طرف، ولا الدفاع عن مشروع سياسي بعينه، بل يرفض منطق الاستئصال مهما كان مصدره أو مبرره. فالتجربة التونسية، بما راكمته من آلام وانكسارات، أثبتت أن الإقصاء لا ينتج استقرارا بل يؤسس لدورات جديدة من التوتر والانقسام.

أي أفق بعد المسيرة؟

تطرح هذه المسيرة أسئلة مفتوحة حول مستقبل المجال العام في تونس هل تتحوّل إلى نقطة انطلاق لمسار مدني حقوقي منظم؟ أم تظل مجرد لحظة رمزية سرعان ما يبتلعها الاستقطاب السياسي؟

في كل الحالات، أعادت المسيرة التأكيد على حقيقة باتت ملحة لا استقرار دائم بلا حرية، ولا دولة قوية بلا مواطنين أحرار. وفي هذا المعنى، فإن شعار «لا بدّ للقيد أن ينكسر» لا يدعو إلى الفوضى، بل إلى إعادة الاعتبار للسياسة بوصفها إدارة سلمية للاختلاف، لا محاولة دائمة لإلغائه.

Amjad Abuarafeh

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews