
تحاول السلطات في تركيا، الحفاظ على سعر الليرة في مواجهة الدولار، بالرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمر بها البلاد وارتفاع نسب التضخم، بعد حدوث زلزال السادس من فبراير، فضلا عن توقف البنك المركزي التركي عن خفض أسعار الفائدة، في ظل الضغوط التي تتعرّض لها الليرة.
وكشفت مصادر تركية،وخبراء اقتصاديون، أن السعر الحقيقي لليرة التركية في هذا التوقيت، هو 25 ليرة مقابل الدولار الواحد، إلا أن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول الضغط للحفاظ على سعر الليرة بشكله الحالي 18.80 مقابل الدولار، لما بعد الانتخابات الرئاسية، في ظل ارتفاع نسب التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية والأساسية.
“ستاندرد أند بورز” تعدل نظرتها المستقبلية في تركيا لسلبية
وعدلت وكالة “ستاندرد أند بورز” غلوبل للتصنيفات الائتمانية، اليوم السبت، نظرتها المستقبلية لتركيا إلى “سلبية” من “مستقرة”، أمس الجمعة.
وأرجعت الوكالة ذلك إلى المخاطر الناجمة عن انخفاض أسعار الفائدة والإقراض الموجه ورقابة الجهات التنظيمية على مراكز العملات الأجنبية وأسعار الفائدة.
وتعاني تركيا من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، في ظل توقعات تشير إلى أن يؤدي الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في شهر فبراير الماضي إلى استمرار ارتفاع التضخم في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو المقبل.
وكان البنك المركزي التركي قد خفض في 23 فبراير الماضي سعر الفائدة الرئيس إلى 8.5 في المئة لتخفيف أثر الزلزال على الوضع الاقتصادي في البلاد.
وقالت “ستاندرد أند بورز” في تقرير إنه “نظراً إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري التركي ومحدودية الاحتياطات القابلة للاستخدام وارتفاع التضخم والاعتماد على تدفقات متقطعة لرأس المال، فإن النظرة المستقبلية لسعر الصرف تظل، في أحسن الأحوال ضبابية”. وأكدت الوكالة التصنيف الائتماني لتركيا عند “”B.
عجز التجارة الخارجية للبلاد ارتفع 51.4 في المئة
و أظهرت بيانات نشرها معهد الإحصاء التركي، أمس الجمعة، أن عجز التجارة الخارجية للبلاد ارتفع 51.4 في المئة في فبراير الماضي على أساس سنوي إلى 12.08 مليار دولار، بعد أن قفزت الواردات 10.1 في المئة.
وأوضحت أن الواردات وصلت إلى 30.71 مليار دولار فيما تراجعت الصادرات 6.4 في المئة إلى 18.64 مليار دولار.
وتهدف الحكومة التركية في إطار برنامج اقتصادي كشفت عنه في عام 2021، إلى تحقيق فائض في حساب المعاملات الجارية من خلال تعزيز الصادرات وخفض أسعار الفائدة، وذلك رغم ارتفاع التضخم وتراجع العملة خلال السنوات القليلة الماضية.
وأظهرت البيانات أن العجز التجاري لشهري يناير وفبراير ارتفع بنحو 44.1 في المئة على أساس سنوي إلى 26.33 مليار دولار.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في بيان إن “الزلزال الذي حدث في تركيا فبراير الماضي، تسبب في أضرار جسيمة للقطاع الزراعي، بما في ذلك المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، فضلاً عن البنية التحتية الريفية في المناطق المتضررة”.
تضرر 15.73 مليون شخص في 11 مقاطعة زراعية
وأضافت أن “الزلزال أثر بشدة على 11 مقاطعة زراعية كبيرة وتضرر جراءه 15.73 مليون شخص وأكثر من 20 في المئة من إنتاج البلاد الغذائي”.
وقالت الـ”فاو” إن “المنطقة التي ضربها الزلزال، والمعروفة باسم الهلال الخصيب التركي، تمثل ما يقرب من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي وتسهم بنحو 20 في الصادرات الزراعية التركية”.
وخلف الزلزال أضراراً بقيمة 1.19 مليار يورو (1.3 مليار دولار) للبنية التحتية والثروة الحيوانية والمحاصيل وخسائر بنحو 4.68 مليار يورو (5.1 مليار دولار للقطاع الزراعي”، بحسب الـ”فاو”.
وطلبت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) نحو 103 ملايين يورو (112 مليون دولار) لمساعدة المناطق المتضررة من الزلزال في تركيا، بما في ذلك 25 مليون دولار كجزء من نداء أوسع أطلق في فبراير لتوفير المال والماشية والمعدات الزراعية لنحو 900 ألف شخص في المناطق الريفية.
وقال منسق الـ”فاو” فيوريل غوتو، إن “الموعد النهائي لموسم الزراعة بات قريباً، ونحن بحاجة ماسة لمساعدة مزارعينا بالأسمدة والشتلات”، مضيفاً “هذه فرصتنا الوحيدة للحفاظ على مستويات الإنتاج هذا العام ونحتاج كذلك إلى أعلاف الحيوانات للحفاظ على سلامتها وإنتاجيتها”.
الحفاظ على نسب الفائدة رغم الضغوط الاقتصادية
وبحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية، أبقت لجنة السياسة النقدية بقيادة محافظ البنك شهاب قاوجي أوغلو على سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع دون تغيير عند 8.5%، وجاء القرار متماشياً مع توجيهات البنك المركزي بأنَّ المعدل كان عند مستوى “مناسب” بعد خفض الفائدة نصف نقطة مئوية في فبراير، وهو ما أعاد تأكيده البنك المركزي الخميس الماضي.
وانقسم خبراء الاقتصاد في تركيا، حول ما إذا كان صانعو السياسة النقدية سيتوقفون مؤقتاً، أم سيستكملون خفض الفائدة.
مع اقتراب الانتخابات الحاسمة في مايو، يميل البنك المركزي التركي إلى التيسير النقدي في معظم فترات العام، حتى مع استمرار ارتفاع الأسعار بأكثر من 55% سنوياً.
وركّز الرئيس رجب طيب أردوغان على تعزيز الاقتصاد عبر تقديم قروض رخيصة قبل الاقتراع، مدفوعاً باعتقاد غير تقليدي مفاده أنَّ أسعار الفائدة المنخفضة يمكن أن تؤدي إلى تراجع التضخم.
وقالت وزارة الخزانة والمالية إنَّ الزلازل التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا، كبّدت البلاد خسائر اقتصادية تقدّر بنحو 104 مليارات دولار.
ما زاد الأمر صعوبة بالنسبة إلى أردوغان، حيث يخاطر تحالفه الحاكم بفقدان الزخم ضد المعارضة. وفي أحدث محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي، كثف الصندوق السيادي التركي خططه لضخ رأس المال في البنوك الحكومية.
لكنَّ الجهود المبذولة حتى الآن أسفرت عن نتائج متباينة. مع تعرض الليرة للضغط؛ جعل البنك المركزي من الصعب على الشركات الحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة خوفاً من استخدام السيولة في شراء العملات الأجنبية.
وتتزايد تكلفة الأموال إلى حد كبير في جميع أنحاء الاقتصاد، ليصعد متوسط المعدل المرجح للقروض التجارية هذا الشهر إلى 16.2%، مسجلاً أكبر زيادة أسبوعية منذ أكثر من عام. وتخطت تكلفة الائتمان الاستهلاكي مستوى 20%.
وتحملت الليرة التركية خفض آخر لسعر الفائدة، إذ لا يزال صانعو السياسة العالميون يميلون للتشديد النقدي أيضاً على الرغم من الأزمة المصرفية المفاجئة، مما عرض تركيا للمخاطر، لأنَّ تكاليف الاقتراض الرسمية هي بالفعل من بين أدنى المعدلات في العالم عند تعديلها وفقاً للتضخم.
تظهر عقود الليرة الآجلة أنَّ المتداولين يتوقَّعون انخفاض العملة بعد الانتخابات، بغض النظر عن الفائز.
من دون التحوّل لرفع الفائدة، حاول البنك المركزي الحفاظ على استقرار العملة جزئياً من خلال التدخل واتخاذ تدابير تتطلب من المصدرين التخلي عن بعض دخلهم من النقد الأجنبي.
والسبب الآخر الذي يدفع البنك المركزي إلى الامتناع عن التيسير النقدي، هو أنَّ احتياطياته تعرضت أيضاً لضغوط بسبب الاضطرار إلى تمويل الجزء الأكبر من عجز الحساب الجاري لتركيا، الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ نحو 10 مليارات دولار في يناير.
وقال الاقتصاديون في “مورغان ستانلي”، بمن فيهم ألينا سليوسارتشوك، في تقرير: “الضغط المستمر على إجمالي الاحتياطيات منذ بداية العام، في ظل استقرار الليرة، لا يوفر مساحة كبيرة لظروف مالية ملائمة”.