مقالات

إلهة الكراهية ونتنياهو… كيف يصبح النفور أداة للبقاء؟

بقلم: علي زم

من قرأ في تاريخ اليونان فقد لاحت أمامه بلا شك مرة ما «إيريس»، إلهة النزاع والكراهية في الأساطير اليونانية القديمة. كانت هذه الإلهة مهمتها زعزعة الهدوء وكسر التوافقات على الدوام بين الآلهة. أشهر الروايات عنها قصة «التفاحة الذهبية»، التي تبدأ من حفل زفاف دُعي إليه جميع الآلهة باستثناء إيريس. كانت مكروهة بينهم جميعاً، لأنهم كانوا يعلمون أن حضورها لأي عرس يعني إشعال الشقاق والكراهية بين الضيوف.

بدأ الزفاف وإيريس لم تتمالك نفسها وتحفظ ماء وجهها، بل حضرت من دون دعوة، وألقت وسط الحاضرين تفاحة من ذهب كُتب عليها «للأجمل»، لتثير منافسة قاتلة بين الإلهات. لم تكن إيريس محبوبة قط، بل اعتادت على جفاء الآخرين وكانت تفخر بكونها مكروهة. بالنسبة لها، لم يكن النفور ضعفاً بل دليلاً على نجاحها في أداء رسالتها.

بالأمس، وتزامناً مع بدء كلمة بنيامين نتنياهو في قاعة الأمم المتحدة، غادر عدد كبير من قادة دول العالم القاعة. المشهد الذي التقطته الكاميرات من كلمته قدّم صورة بليغة عن عزلة إنسان ومنبوذيته على مستوى العالم. لكن ما بدا غريباً هو مقدار الرضا الذي أظهره “بيبي” عن نفسه.

فمن خلال الصور، ولغة الجسد، وحتى نبرة صوته، كان واضحاً أنه لم يتأثر قيد أنملة بهذا الرفض والنبذ والعزلة التي تحكمه والملاحقة القانونية من شتى دول العالم تقريباً. الجميع يرى بوضوح في هذه الأيام، كيف يعرض رئيس وزراء إسرائيل صورة لنفسه تشبه على نحو لافت صورة إلهة الكراهية اليونانية. فهو لا يتألم من نفور أبناء شعبه ولا من كراهية العالم له. على العكس، يستغل بث الكراهية وتضخيم التهديدات لترسيخ موقعه.

نتنياهو، مثل إيريس التي حوّلت تغييبها عن عرس الآلهة إلى سلاح، يحوّل كل هذه الاعتراضات وردود الفعل إلى أدوات للبقاء. لكن الفارق الجوهري بينه وبين إيريس أن الأخيرة كانت تسعى إلى الفوضى من أجل الفوضى، بلا منفعة شخصية، بينما يرى نتنياهو في الفوضى وسيلة للحفاظ على بقائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews