أخبارتقارير و تحقيقات

صعود زهران ممداني وتداعياته على صورة إسرائيل في أمريكا

✍️ ترجمة وتحرير: أبوبكر إبراهيم أوغلو

مقدمة

فوز المرشح التقدمي زهران ممداني بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك لا يُعد مجرد حدث محلي عابر. بل هو مؤشر على تحولات أعمق داخل صفوف الحزب الديمقراطي الأمريكي، بما لها من تداعيات استراتيجية على علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.

فممداني – الذي عُرف بانتقاداته الحادة لإسرائيل وانحيازه العلني للقضية الفلسطينية – يمثل جيلاً جديداً من السياسيين الأمريكيين الشباب الذين ينتمون للجناح التقدمي، ويعكسون مزاجاً سياسياً واجتماعياً متغيراً بات يُنظر إلى إسرائيل فيه باعتبارها “طرفاً مشاكساً” أكثر من كونها حليفاً استراتيجياً تقليدياً.


زهران ممداني: السيرة والخلفية

وُلد ممداني عام 1992 في أوغندا لعائلة من أصول هندية مسلمة. والده الأكاديمي محمود ممداني يعد من أبرز علماء الأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا، فيما والدته المخرجة ميرا نايير معروفة دولياً في مجال السينما. انتقل ممداني إلى نيويورك في سن السابعة، وتلقى تعليمه الجامعي في كلية بودوين (Bowdoin).

بدأ نشاطه السياسي مبكراً عبر تأسيس فرع لحركة “الطلاب من أجل العدالة في فلسطين” (SJP)، ثم انخرط في الحياة العامة عبر الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA). في عام 2020 فاز بمقعد في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، ممثلاً عن كوينز.


الفوز في الانتخابات التمهيدية: حدث غير عادي

في 24 يونيو 2025، نجح ممداني في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات رئاسة بلدية نيويورك، بعد أن حصل على 56.4% في الجولة الثانية متقدماً على الحاكم السابق أندرو كومو.

ورغم أن حملته ركزت على قضايا داخلية مثل السكن الميسور، النقل العام المجاني، وتوسيع التعليم، إلا أن مواقفه من إسرائيل تصدرت الجدل العام. فقد شن كومو حملة ضده بسبب تلك المواقف، لكنه خسر أمام موجة دعم واسعة قادها الشباب والتقدميون.


المواقف من إسرائيل: بين BDS و”الإبادة الجماعية”

  • ممداني مؤيد صريح لحركة المقاطعة BDS، ويعتبرها “منسجمة مع جوهر قناعاته السياسية”.
  • قدم مشروعات قوانين لمنع تمويل المستوطنات الإسرائيلية أو تحويل الأموال إلى وحدات الجيش الإسرائيلي.
  • وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها “إبادة جماعية”.
  • بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، عبر عن حزنه لمقتل مدنيين إسرائيليين وفلسطينيين، لكنه ركز على انتقاد الرد الإسرائيلي.
  • أعلن أنه، إذا أصبح رئيس بلدية نيويورك، سيأمر الشرطة باعتقال بنيامين نتنياهو في حال زار المدينة، استناداً إلى مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.

قاعدة الناخبين: الشباب في المقدمة

الفئة العمرية 25–34 عاماً شكّلت الكتلة الأكبر التي صوتت لصالحه. هؤلاء الناخبون، ومعظمهم من خلفيات متعددة (بيض، لاتينيون، آسيويون)، وجدوا في خطابه الاجتماعي والسياسي بديلاً عن المؤسسة التقليدية.

في المقابل، نال كومو دعماً نسبياً من ذوي الدخل المنخفض والأمريكيين الأفارقة، لكنه فشل في مواجهة موجة التغيير الشبابية.


الانقسام داخل الحزب الديمقراطي

رغم فوزه، لم يحظَ ممداني بدعم صريح من القيادات التقليدية مثل تشاك شومر وهاكيم جيفريز. لكن جناحه التقدمي حظي بدعم رموز وطنية مثل بيرني ساندرز وألكسندريا أوكاسيو-كورتيز (AOC).

الأهم كان تحالفه مع براد لاندر، المراقب المالي لمدينة نيويورك، وهو يهودي ليبرالي يُعرف بدعمه لإسرائيل. دعمه لممداني وفر له مظلة سياسية ضد اتهامات “معاداة السامية”، وأظهر أن القاعدة اليهودية في المدينة نفسها منقسمة.


انعكاسات على الرأي العام الأمريكي

تشير بيانات مراكز الأبحاث إلى تراجع مكانة إسرائيل في الرأي العام الأمريكي:

  • Gallup (يوليو 2025): 46% فقط من الأمريكيين عبروا عن تأييد لإسرائيل، مقابل 33% للفلسطينيين (أعلى نسبة مسجلة منذ بدء المؤشر).
  • Pew (مارس 2025): 59% من الديمقراطيين أعربوا عن تعاطف أكبر مع الفلسطينيين، مقابل 21% فقط مع إسرائيل.
  • بين الشباب (18–34 عاماً)، لا تتجاوز نسبة التأييد للعمل العسكري الإسرائيلي في غزة 9%.

التداعيات على إسرائيل

فوز ممداني يعكس اتجاهاً عاماً داخل الحزب الديمقراطي، قد يجعل المستقبل السياسي لإسرائيل في واشنطن أكثر صعوبة:

  • تصاعد الدعوات لفرض قيود على المساعدات العسكرية.
  • تراجع الحماية الدبلوماسية في المؤسسات الدولية.
  • انقسام متزايد في صفوف الجالية اليهودية الأمريكية، بين ليبراليين ينتقدون إسرائيل وتقليديين يتمسكون بدعمها المطلق.

خاتمة وخلاصة

صعود زهران ممداني لا يجب أن يُقرأ كحالة معزولة، بل كجزء من تحول بنيوي في المزاج الأمريكي تجاه إسرائيل، تقوده أجيال شابة وتيارات يسارية تقدمية داخل الحزب الديمقراطي.

ورغم أن إسرائيل ما تزال تحظى بدعم واسع لدى الجمهوريين وقطاع من الديمقراطيين التقليديين، فإن استمرار هذا التحول قد يؤدي على المدى المتوسط إلى تآكل ثنائية الدعم الحزبي التقليدي (Bipartisan Support) التي شكلت أساس العلاقة الاستراتيجية لعقود.

📌 المصدر: معهد دراسات الأمن القومي (INSS) – “מבט על” – العدد 2032 – 26 آب/أغسطس 2025.

bakr khallaf

صحفي، مترجم وباحث في الإعلام والعلاقات الدولية، محاضر بجامعة إسطنبول التركية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
wordpress reviews